يا دَارَ عَبْلَةَ بِالإِرهَابِ تَسَربَلِي...وَعِمِي دِمَاءً دَارَ عَبْلَةَ واقتُلِي (1) سُهَى، ليلى والإرهابُ ثالثُهُمَا: على إثر الخلاف الذي نشب بينهما حول مشروع المدرسة الأمريكية، واضطرار سهى عرفات إلى مغادرة تونس نحو مالطا ومنها إلى فرنسا، لجأت ليلى الطرابلسي إلى حث زوجها زين العابدين بن علي الرئيس التونسي الأسبق على تضييق الخناق على أرملة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بواسطة علي السرياطي مدير الأمن الرئاسي آنذاك، عن طريق دفع دول أوروبية إلى عدم السماح لسهى عرفات بالإقامة على أراضيها، أو إجبارها، على الأقل، على السكوت وعدم الإدلاء بأي تصريح يمس ليلى الطرابلسي أو نظام بن علي، وكانت ورقة الضغط التي استخدمها بن علي هي "محاربة الإرهاب"؛ إذ طلب بن علي من السرياطي إخبار الدول الأوروبية، التي قد تلجأ إليها أرملة الزعيم الفلسطيني الراحل، أنه في حال لم يحطموا سهى عرفات ويصنعوا بها مثل ما صنعه بها هو وزوجته فسوف يُوقف التعاون مع هذه الدول في ملف الإرهاب. قد لا يصدق البعض أن يتم استخدام ورقة "محاربة الإرهاب" من لدن بعض الأنظمة العربية بهذه الدرجة من الإسفاف والصفاقة والابتذال، وقد يمتعض البعض من هذا الاستثمار الفج السمج لملف الإرهاب، لكن كثيراً من الوقائع على الأرض أثبتت وتُثبت أن هذا التوظيف الرخيص للإرهاب قد بلغ درجات دنيا من الحقارة والغباء وفقدان العقل. لقد حرص الرؤساء العرب الذين اقتلعتهم عواصف ما سمي ب"ثورات الربيع العربي" على محاولة إلصاق تهمة الإرهاب بالحركات الاحتجاجية التي هزّت الشوارع مُطالبةً بإسقاط النظام بدءاً ببن علي في تونس ومروراً بمبارك في مصر وصالح في اليمن والقذافي في ليبيا وانتهاءً بالأسد في سورياً. إلا أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لم تلتفت إلى هذا الحُمق السياسي، كونها كانت قد قررت أن تقف إلى جانب "الربيع العربي" والتي كان الغرضُ المُضمرُ من ورائها تنزيل خارطة الطريق التي وُضعت لأجل بناء شرق أوسط جديد عبر إحداث فوضًى خلاّقة لم ينتبه إليها أحد من العرب حين بشّرت بها مستشارة الأمن القومي ووزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس خلال ندوة صحفية اختير لها أن تكون على أرض مصر غير المحروسة. العربُ، أو حين يرضع الاستبداد من ثدي الإرهاب: واليوم، وبعد مرور حوالي عشرين سنة على هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي تعرضت لها الولاياتالمتحدةالأمريكية عام ألفين وواحد، لا يزال آلاف الجنود الأمريكيين متواجدين في أفغانستان والعراق والخليج والقرن الأفريقي، وماتزال الطائرات المُسيّرة تُغِيرُ بلا توقف على مناطق نائيةٍ في العالم، مُستهدفة من يُشتبه بأنهم إرهابيون يهددون الأمن والسلام العالمي والمصالح الأمريكية المنتشرة بشتى بِقاع العالم. وقد زادت ميزانيات مكافحة الإرهاب في أنحاء العالم بنسب خرافية رُصدت لمواجهة تهديدات لا تُعدُّ ولا تُحصى. عند إعلانه "الحرب على الإرهاب"، خاطب الرئيس الأمريكي جورج والكر (دبليو) بوش العالم قائلاً: "إما أن تكونوا معنا، أو علينا". تماماً كما خاطب نزار قباني حبيبته في قصيدة "اختاري": إنِّي خيَّرتُكِ فاختاري ما بين الموت على صدري أو فوق دفاتر أشعاري إختاري الحُبَّ أو اللًّاحُب فجُبنٌ ألا تختاري لا تُوجدُ منطقة وُسطى ما بين الجَنَّةِ والنَّارِ (...) لم يكن هناك من خيار وسط أو منزلة بين المنزلتين، ولم يكن لأحد أن يتجرأ ليختار أن يكون ضد الحرب على الإرهاب التي مَكّنَت الولاياتالمتحدةالأمريكية من بسط نفوذها على أفغانستان والعراق ووضع يدها على مناطق عدة من هذا العالم اللامتناهي الأطراف الزاخرة بالثروات، فحتى تلك الدول العربية التي ظلت محسوبةً، لعقود عِدّة، على بقايا المعسكر الشرقي ووفيَّةً لتبعيتها العمياء لروسيا بعد سقوط جدار برلين، انخرطت في هذه الحرب بالمشاركة الفعلية في الحروب التي شنتها الولاياتالمتحدةالأمريكية على مناطق إسلامية وعربية، أو عبر إصدار المواقف المساندة للحرب الأمريكية على الإرهاب. وبعد أن وضعت الحرب الأمريكية أوزارها في أفغنستان والعراق، عَمَدت أنظمة عربية عديدة إلى استلهام فكرة "الحرب على الإرهاب" لتبرير العنف والقوة التي جابهت بها الأصوات المعارضة والمناوئة. فالأنظمة التي شعرت، في وقت من الأوقات، بقلة حيلة اليد تجاه المخاطر الداخلية أو الخارجية التي تهددها بين الفينة والأخرى، لجأت إلى توظيف ورقة "محاربة الإرهاب" بُغية ابتزازه أو الضغط عليه من خلال تحريك هذه الورقة لاستصدار موقف مساند أو الحصول على الضوء الأخضر لاستعمال القوة والعنف ضد الجماعات المعارضة المارقة بما فيها تلك المحسوبة على اليسار الذي لا تربطه أدنى الوشائج الأيديولوجية بالجماعات الإسلامية سواء السلفية الجهادية منها أو المعتدلة. حين تُزف الجزائرَ عروساً ثيِّباً إلى سرير الإرهاب: لذلك، لا يمكن لكل متابع فطِنٍ للشأن السياسي الجزائري اليوم أن لا يلحظ إصرار نظام العسكر هناك على نيته في استخذام ورقة "محاربة الإرهاب" تحت قاعدة "ضربُ عصفورين بحجر واحد". فقد حرص وزير خارجية الجزائر صبري بوقادوم، من خلال تغريدة على "تويتر"، نشرها يوم تنصيب بايدن في العشرين من يناير/كانون الثاني من العام الجاري، على تذكير الأميركيين بمناسبة مرور أربعين سنة على تحرير الرهائن الأميركيين المحتجزين بإيران عام ألفين وتسع مائة وواحد وثمانين (1981)، بفضل"المجهودات الدبلوماسية الجزائرية الشاقة"، دون أن يُذكِّر وزير خارجية الجزائر "المحنَّك" الإدارة الأمريكيةالجديدة بسماح الجزائر لحزب الله اللبناني بالتواجد على أراضيها بغاية تدريب قوات البوليساريو عام ألفين وثمانية عشر (2018)، وهو الخطأ القاتل الذي كلَّف الجزائر خسارة سياسية في علاقتها بملف "محاربة الإرهاب"، حيث نسيت أو تناست حقيقة تصنيف الولاياتالمتحدةالأمريكية لحزب الله اللبناني ضمن المنظمات الإرهابية. ولأن الخبل والهبل قد بلغ بنظام العسكر أشُدَّه، وفي سياق تهافت هذا النطام على إدارة بايدن، بُغية دفعها إلى العذول عن الاعتراف بمغربية الصحراء، بعث الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ببرقية تهنئة إلى الرئيس الأميركي الجديد، أكد من خلالها استعداده للعمل على "توطيد العلاقات الثنائية" و"رفع التحديات" التي تواجه البلدين في إطار الحوار الاستراتيجي بينهما. ولا يمكن تصوُّر أي تعاون أمريكي – جزائري، كما لا يمكن تخيُّل أي توطيد للعلاقات الثنائية بين البلدين خارج إطار ملف "الإرهاب"؛ وهي الحقيقة التي كشف عنها مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا دفيد شينكر، خلال زيارته للجزائر، حين أكّد على استمرار الأميركيين في اعتبار الجزائر شريكاً أساسياً في مكافحة الإرهاب والحفاظ على الاستقرار بالمنطقة، عبر رؤية عقلانية تنهض على تمتين العلاقات مع الجزائر من بوابة التعاون العسكري والأمني. إلا أن هذه البوّابة وحدها لا تكفي لأن تُحرز الجزائر تقدُّماً ما على هذا الصعيد أو تُسجّل اختراقاً على صعيد الموقف الأمريكي من ملف الصراع المفتعل حول الصحراء المغربية، بدليل الرد الصَّريح والقاسي الذي عبّر عنه دفيد شينكر في قلب العاصمة الجزائر خلال الندوة الصحفية التي أعقبت لقاءه بوزير الخارجية صبري بوقادوم قائلاً : "لكل إدارة الحق في تقرير سياستها الخارجية". فالجزائر المُغرمةَ بالنموذج السوفييتي البائد، الذي ورثته روسيا بعد انهيار جدار برلين، ماتزال رهينة التبعية الاقتصادية للصين وروسيا المنافسين الشرسين للاقتصاد الأمريكي في السوق العالمي، الشيء الذي يبقيها ضمن نادي الدول التي اختارت أن تضع كل بيضها بسلة المعسكر المناوئ لمعسكر الولاياتالمتحدةالأمريكية اقتصادياً وعسكرياً، هذا فضلاً إلى التراجع الكبير الملحوظ على مستوى توجهها للتسليح الأميركي، في الوقت الذي أصبح المغرب أول زبون لواشنطن على صعيد التسليح العسكري في شمال إفريقيا. مع ذلك، يأبى نظام العسكر إلا أن يستثمر ورقة "محاربة الإرهاب"، علّها تُسجّل حَلحَلةً ما على صعيد الموقف الأمريكي الجديد القائم على الاعتراف بمغربية الصحراء من جهة، وشرعنة استخذام القوة ضد الحراك الشعبي الذي لم تثنه الإجراءات الاحترازية المعتمدة بالجزائر عن استعادة وهجه وعُنفوانه في الآونة الأخيرة. ولعل بث التلفزيون الجزائري لصور القبض على جماعة إرهابية في الأيام القليلة التي تلت زيارة الوفد الأمريكي للجزائر يندرج في سياق الاستراتيجية الجديدة التي قرر صُنّاع القرار السياسي والأمني بالجزائر اعتمادها بتوصيةٍ من الجنرالات القتلة الذين بُرّءت ساحتهم بأحكام قضائية عجائبية. فجنرالات مجرمون من طينة خالد نزار وتوفيق وطرطاق لا يمكن أن تتفتق عبقريتهم "الفذّة" إلا عن استدعاء المخطط الدموي الذي اعتمدوه في الانقلاب على العملية الديمقراطية التي منحت الفوز لجبهة الإنقاذ الإسلامية بأغلبيةً برلمانيةً ساحقةً ماحقة. وهو استدعاء بغيضً بكل المقاييس يبغي حشد التأييد الأمريكي والدعم الدولي ساعة البدء في مواجهة الحراك الشعبي بالقوة لأجل قمعه والقضاء عليه قبل أن يجتثت عروش الجنرالات العازمين على القبض على دفة السلطة بيد من حديد، وحتى لو تطلّب الأمر مَحْقَ الشعب الجزائري وسَحْقِه عن بَكرَة أبيه. حين يزُفُّ الجنرالات شَرَفَ الجزائرِ إلى فِراشِ السَّامِية: لقد تبدَّت ملامح هذا التوجه نحو إغراء الجزائر للغرب ومراودته عن نفسه بمفردات التكسُّر والغنج في دستور فبراير/شباط ألفين وعشرين الذي دفع به العسكر إلى استفتاء أقل ما يمكن أن يُقال عنه أنه لا شعبي وفاقد للشرعية بالنظر إلى نسبة المقاطعة الكبيرة ونسبة التصويت الضعيفة التي لم تتعدًّ الثلاثة والعشرين بالمائة. فمن جملة أبرز التعديلات التي جاءت بها الوثيقة الدستورية الجديدة هو تأكيدها في ديباجتها على أن "الشعب الجزائري عازم على جعل الجزائر في منأى عن الفتنة والعنف وعن كل تطرف وعن خطابات الكراهية وكل أشكال التمييز من خلال ترسيخ قيمه الروحية والحضارية القائمة على الحوار والمصالحة والأخوة"، وهي المرة الأولى التي ينهل فيها دستور الجزائر من أدبيات الخطاب الإنساني الكوني التي تحظى برواج كبير وهام في سوق القيم الإنسانية الذي يستحوذ الغرب على حصة الأسد من نسبة إنتاجها المتصل بمنظومة الحريات وحقوق الإنسان وحوار الحضارات من قبيل "الكراهية" و"التمييز" وتعبيرات قيمية أخرى لها علاقة بمواجهة الإسلام السياسي من جهة ومناهضة خطاب معاداة السامية من جهة ثانية. فمن خلال استبدال عبارة "إن الشعب الجزائري يعتزم..." بعبارة "إن الشعب الجزائري عازم على..."، يقطع صُنّاع الدستور الجديد الشك باليقين، لتنتقل الجزائر بذلك من دائرة الاعتزام الممزوج بالتردد إلى دائرة العزم المقرون بالحسم، حيث لا مكان للمواقف الرمادية الخجولة، وحيث تتزوج خطابات الفتنة والعنف والتطرف كمنتج جزائري خالص بخطابات الكراهية وأشكال التمييز كابتكارات كونية جاز للعسكر بالجزائر اعتمادها للتصدِّي لأي حركة احتجاجية شعبية قد يشعر أنها تستهدف أو تهدد أمن واستقرار الجزائر/الجيش، مادام التماهي بين الجيش والجزائر قد بلغ درجاته القصوى في التعبير عن حالة سياسية مرضية جعلت من الجزائر مرادفاً مَسخاً للعسكر وصنعت من العسكر مُرادفاً مُشوّهاً للجزائر. إن الدستور الجديد الذي صوتت عليه أقلية من الشعب الجزائري قد جاء، إذن، ليُجيز للجيش "الوطني الشعبي" إمكانية التدخل لمواجهة أي حراك شعبي يروم إشعال فتيل الفتنة أو إثارة القلاقل أو ارتكاب أعمال عنف أو اعتماد خطابٍ مُتطرف سواء من جهة الإسلاميين أو اليساريين أو الليبراليين. كما جاء نفس الدستور ليُعلن نبذ الجزائر لخطاب الكراهية والتمييز، في محاولة مفضوحة من النظام العسكري المستبد إلى مغازلة نادي الدول الغربية الرافضة للخطاب العربي – الإسلامي المعادي للسامية، وهو ما يعتبره كثيرون نقلة نوعية تجري بلورتها على مستوى السياسة الخارجية الجزائرية التي بادرت إلى إرسال رسائل مشفرة مقصودة إلى المنتظم الدولي بزعامة الولاياتالمتحدةالأمريكية، مفادها أن الجزائر على استعداد للانخراط رسيماً في مسلسل التطبيع مع إسرائيل، لكن، ضمن صفقةٍ سياسيةٍ يُطرح على طاولتها ملف الصحراء المغربية. البيت الشعري يعارض بيتاً شعرياً من معلقة الشاعر العربي عنترة بنِ شَدَّاد، ولعل الطريف في الأمر هو أن مركز عبلة يتواجد بثكنة عسكرية يُطلق عليها اسم "ثكنة عنتر" ببن عكنون، إحدى بلديات ولاية الجزائر التابعة لدائرة بوزريعة. (1) عَبْلَة: مركز يتواجد بثكنة عنتر العسكرية ببن عكنون، حيث يتم تعذيب واغتصاب السجناء المختطفين، وهو ما كشفت عنه صحيفة المانيفيصطو (ilmanifesto) الإيطالية ضمن عددها الصادر في 08 فبراير/شباط الجاري، وتؤكد العديد من المصادر أن ما بين 15 إلى 20 سجيناً سياسياً من ضحايا الاختطاف القسري بالجزائر يقبعون بهذا المركز السيء الذكر، وتحديداً بالطابق الأرضي الثاني، بالغرفة رقم: 8.