ماذا تريد الجزائر؟ أو بالأحرى ماذا يريد حكام الجزائر من المغرب؟ سؤال يطرح نفسه بإلحاح كبير في ظل ما تقوم به الجارة الشرقية من ممارسات هي أقرب للغرابة من أي شيء آخر، خاصة بعد تحرير القوات المسلحة الملكية لمعبر الكركرات. نقول ممارسات غريبة من باب أن الأمر يتعلق بالأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية ولا علاقة له بحدود الدولة الجزائرية، علما أن المغرب نهج سلوكا يراعي حسن الجوار والتاريخ المشترك في ما يخص الحدود بين البلدين. بل وحتى حكام الجزائر يقولون بأن الأمر يتعلق بصراع بين المغرب وجبهة البوليساريو. وما دام هذا حديثهم، فكيف يمكننا أن نفسر الجولات المكوكية التي قام بها وزير خارجيتهم قادته كذلك إلى جنوب إفريقيا؟ وكيف يمكن تفسير مراسلة البرلمان الجزائري للرئيس الأمريكي يطالبه بسحب الاعتراف الأمريكي بالصحراء؟ وكيف نفسر الانحطاط الذي وصل إليه إعلام الجزائري الرسمي بتهكمه على رموز السيادة المغربية؟ يقول حكام الجزائر إنهم لا يتدخلون في الأمور الداخلية للمغرب وإنما هم فقط يساندون الحركات التحررية في العالم بأسره. سنقوم بتمرين بسيط ونُسلم جدلا أن الجزائر فعلا بلد يساند الحركات التحررية سواء في الصحراء أو في فلسطين أو في باقي العالم. ونقوم بعرض ما تقوم به الجزائر من ردود فعل باستعمال جميع مؤسساتها التي يتحكم فيها الجيش الجزائري، ونبدأ بالإعلام الجزائري. المتتبع لهذا الإعلام ينتابه شعور مفاده أنه جعل من المغرب وليس الصحراء، قضية مركزية على غرار مركزية القضية الفلسطينية في الدول العربية والإسلامية. فلا حديث لهذا الإعلام سوى عن حرب لا يراها إلا هو، ولا تتحدث عنها أي وسيلة إعلامية دولية. حرب تدمر المغرب وتقتل الجيش المغربي، وكأن هذا التدمير وهذا القتل أصبح يسكن مُخيلة واللاشعور هذا الإعلام من كثرة ضغوطات الجنرالات الحاكمين في الجزائر. هذه الضغوطات دفعت بهذا الإعلام إلى استعمال صور من اليمن والصومال، وفبركة صور أخرى حول حرب طاحنة يتكبد فيها المغرب خسائر كبيرة ولا تخسر فيها جبهة البوليساريو أي شيء بل تحقق انتصارات باهرة وكأن الجيش المغربي يستعمل بندقيات الصيد. وإذا جمعنا جميع البيانات والتحاليل والبلاغات العسكرية التي تطرق لها الإعلام الرسمي الجزائري، فإنها تُعطي الانطباع بأن قوات البوليساريو أصبحت تصول وتجول في أقاليمنا الجنوبية. والحال هو أن التجارة قائمة والشاحنات تمر بالمئات يوميا من معبر الكركرات الذي لا تستطيع القوات القابعة في تندون من حتى الاقتراب منه ولا المساس بأمنه. هذه الحرب التي يتحدث عنها الإعلام الجزائري، والتي أرادها أن تدمر كل شيء في المغرب، لا نسمع عنها ولو قصاصة من بضع ثوان في الإعلام الدولي. بل أكثر من ذلك لا يلتزم هذا الإعلام بالموضوعية حتى في فبركة الصور، وهو ما يجعلنا نعتقد أن الأمر لا يرتبط بمساندة الحركات التحررية، وإنما هو رغبة تسكن مِخيال جنرالات الجزائر في رؤية ما أنجزه المغرب من تقدم اقتصادي وطفرة تنموية، يتدمر لكي لا يُقارِن الحراك الجزائري ما يقوم به المغرب من إنجازات في البنية التحتية والصناعة والفلاحة والتكنولوجيا الحديثة، وما هو موجود في بلدهم الجزائر. هذه الإنجازات المغربية تتحدث عنها بالفعل المؤسسات الدولية والإعلام الدولي، وليس كتلك الحرب التي لا نسمع عنها سوى في إعلام الجزائر. ادعاء حكام الجزائر مساندة حركات التحرر يدفعنا لطرح سؤال موقع الشعب الفلسطيني من هذه الغيرة لجنرالات الجزائر على حركات التحرر في العالم. فالإعلام الجزائري مُوجه لقضية واحدة هو بلد اسمه المغرب يعرف انهزامات تحت ضربات البوليسايو. في حين لا نسمع عن الشعب الفلسطيني في هذا الإعلام سوى قصاصات عابرة وكأنها قضية هامشية والشعب الفلسطيني لا قيمة له ولقضيته لدى جنرالات الجزائر. بل أكثر من ذلك، بعد تحرير معبر الكركرات، قام وزير خارجية الجزائر بجولات مكوكية قادته لكثير من الدول وكأننا أمام جنرالات جُنَّ جنونهم وفقدوا بوصلتهم، وهو رد فعل لا علاقة له بممارسة من يؤمن حقيقية بمساندة الحركات التحررية. في حين عندما كان الشعب الفلسطيني يعيش تحت قصف الاحتلال الصهيوني، لم نشهد مثل هذه التحركات ولا مثل هذا الحماس في نصرة شعب يبحث عن حريته وكأن قضيته لا تهم جنرالات الجزائر. حسنا، الجزائر تساند حركات التحرر، فما علاقة هذا الأمر بالإساءة إلى رموز الدولة المغربية ولشخص ملكها؟ ثم أين هي الجزائر من القضية الفلسطينية وماذا قدمت لهذا الشعب الذي يناضل من أجل حريته وأرضه؟ كيف لنظام يدعي مساندة حركات التحرر وهو يواجه شعبه الذي يقود "حِراكا" سلميا، يطالب بالحرية وبدولة مدنية ويقول لحكم الجنيرالات "ارحل". ألا يستحق الشعب الجزائري الاهتمام الأول قبل أي حركة تحررية، ويستجيب النظام الجزائري لمطالبه في الحرية والتحرر؟ أليس الشعب الجزائري أولى بالمساندة والدعم من منظمة البوليساريو الانفصالية؟ الأمر إذا يتعلق بالمغرب وليس بالصحراء ولا بالبوليساريو. فالنظام العسكري في الجزائر يعلم علم اليقين أن ما يحققه المغرب من إنجازات وتقدم يُحرج جزائر النفط والغاز. ويعلم جيدا أن العمق الإفريقي والتعاون جنوب-جنوب وفق مقاربة رابح-رابح، تشكل رافعة أساسية في الاستراتيجية التنموية للمغرب، لذلك سعى بكل ما يملك من قوة لغلق معبر الكركرات، لأن نظام الحكم في الجزائر يرى في هذا المعبر عنوان استراتيجية المغرب في إفريقيا، علما أنه لم يستطع إنجاز طريق حيوي مع عمقه الإفريقي على غرار طريق معبر الكركرات، رغم طول حدوده مع البلدان الإفريقية في الجنوب. هذا الواقع هو الذي جعل النظام الجزائري يفقد بوصلته ويثور جنونه فصار يضرب يمينا ويسارا ويخبط خبط عشواء كالأعمى، بعد أن قام المغرب، باحترافية كبيرة، بفتح معبر الكركرات. يكفي أن نشير إلى هذه الأرقام التي نشرها البنك الدولي ولا يستطيع الإعلام الجزائري حتى النظر إليها وبالأحرى الحديث عنها، لنؤكد بأن ما يروجه الإعلام الجزائري من حرب تدمر المغرب إنما يعكس انفعالات نفسية لدى النظام الجزائري تجعله يُمنِّي النفس بأن يرى إنجازات المملكة المغربية تتدمر: البنيات التحتية السياحية: المغرب في الرتبة 39 عالميا فيما الجزائر في الرتبة 137- الشركات ضمن قائمة 500 شركة أقوى في إفريقيا: المغرب 61 شركة فيما الجزائر 17 شركة فقط – مداخيل العملة الصعبة من صادرات الصناعة والخدمات: المغرب 64 مليار دولار فيما الجزائر 42 مليار دولار- ترتيب البلدان الأكثر استعمالا للأنترنيت على الصعيد العالمي: المغرب في الرتبة 45 فيما الجزائر في الرتبة 91- ترتيب البلدان عالميا في مؤشر قوة البنوك: المغرب 29 عالميا والجزائر 107- القطاعات الأكثر تصديرا: في الجزائر البترول والغاز ب 93%، بمعنى أنه اقتصاد مرهون بهذه المادة ولم يقم بأي مجهود لتنويع مصادر دخله، ومواد نصف مصنعة ب5%، أما المغرب 27% صناعة السيارات و21% الصناعات الغذائية – بنيات النقل التحتية: المغرب في الرتبة 41 عالميا فيما الجزائر في الرتبة 94 – جودة الموانئ: المغرب في الرتبة 24 عالميا والجزائر 82 عالميا – الأداء عبر الأنترنيت أي تطور التكنولوجيا الرقمية: المغرب 9،7 مليون عملية سنة 2019 فيما الجزائر لم تقم سوى ب 202 ألف عملية في نفس السنة – القيمة السوقية للبورصات في شمال إفريقيا: المغرب 70 مليار دولار والجزائر 0،3 مليار دولار فقط – معدل إنفاق المواطنين على السفر للخارج: المغرب 1500 دولار سنويا والجزائر 160 دولارا سنويا فقط – جودة النقل الجوي: المغرب في الرتبة 38 فيما الجزائر في الرتبة 102 عالميا – سرعة الأنترنيت: المغرب 52 عالميا فيما الجزائر 132 عالميا. بعد هذه الأرقام الصادرة عن البنك الدولي، يحق للمواطن الجزائري التساؤل في أي مجال تتفوق جزائر البترول والغاز على مغرب الصناعة والفلاحة والخدمات؟ هذه الأرقام هي التي تقض مضجع حكام الجزائر. وعوض تغليب صوت الحكمة والاستجابة لليد الممدودة للمملكة المغربية من أجل التعاون في بناء مستقبل شعوب المغرب العربي في زمن التكتلات، ارتأى جنرالات الجزائر معاكسة المغرب في مشروعه التنموي من خلال الرهان على قضية الصحراء لإفشال أو على الأقل إضعاف أو تأخير الطموح التنموي للمغرب. وكأن جنرالات الجزائر يريدون دولا مغاربية ضعيفة يتنافسون معها في توزيع الفقر على شعوبها وتتصارع في احتلال مواقع التخلف والرداءة في سلم الترتيب العالمي. فيما المغرب يضع نموذجا تنمويا راقيا ويرفع سقف طموح الشعوب المغاربية عاليا في التقدم والازدهار وخدمة الإنسان وخلق الثروة، وهو ما لا يستطيع جنرالات الجزائر مجاراة المغرب فيه. ولذلك تجدهم لا يتحدثون إلا عن الحرب والتهجم على مؤسسات بلد جار عوض الإنصات لصوت الحراك، وتقديم نموذج جزائري في التنمية بدل معاكسة المغرب في مشروعه النهضوي من جهة وتقليد نموذجه التنموي من جهة أخرى. بل وصلت الانفعالات النفسية لجنرالات الجزائر إلى مستوى محاولة إفشال نجاحات المغرب في الصناعة كما حدث في صناعة السيارات، حيث أهدر النظام الجزائري أموال البلاد في مشروع فاشل، فيما يعرف مشروع السيارات في المغرب تقدما سنة بعد سنة.