لا شك أن أي متتبع لكل ما تروجه وسائل الإعلام الجزائرية خلال الفترة الأخيرة -ودون الخوض في الأسباب والمسببات- سيقف على الكم الهائل من الخروقات ذات البعد القانوني والأخلاقي، والتي يمكن وصفها بكل اعتدال أنها أفعال جرمية عمدية ممنهجة يطالها قانون الإعلام وقانون العقوبات الجزائري فضلا عن خرقها السافر للمواثيق والاتفاقيات الدولية، مما يستدعي طرح العديد من علامات الاستفهام والتعجب. فالأكيد أن ما اقترفته القناة التي تحمل اسم "الشروق الجزائرية" يعتبر انزلاقا خطيرا وتجاوزا لكل القيم الأخلاقية والمهنية والقواعد القانونية والأعراف والتقاليد الديبلوماسية، وتندرج ضمن حلقات مسلسل رديء مضمونا وإخراجا لدرجة تبعث على الشفقة لهذا المستوى المتدني الذي بلغ به الإعلام قمة الاسفاف والابتذال المهني. واقع يدفعنا اليوم إلى الهمس في أذن زملائنا قضاة الجزائر الأعزاء، ألستم ملزمين دستوريا وقانونيا بالسهر على التطبيق السليم للقانون وإخراج سيف العدالة وميزانها لمواجهة هذه الخروقات السافرة والواضحة ورد الاعتبار لمقتضيات القانون وقواعد الانصاف؟ أكيد أنكم اليوم أمام امتحان صعب حول تكريس الاستقلال الذي ما فتئتم تناضلون من أجله خلال اللقاءات التي جمعتنا إقليميا وقاريا ودوليا. وهنا لن نحتاج إلى تذكيركم بمقتضيات المادة 123 من قانون الإعلام والتي لا يحتاج تطبيقها إلى شكاية من المتضرر أو إذن من وزير العدل والتي تعاقب كل من أهان بإحدى وسائل الإعلام المنصوص عليها، رؤساء الدول الوطنية وأعضاء البعثات الديبلوماسية المعتمدين لدى الجزائر. والأكيد أيضا أنكم تعرفون أكثر من أي شخص آخر مقتضيات قانون العقوبات والتعديلات التي طالته، وأنكم على إطلاع تام على مختلف الأحكام والقرارات التي تم إصدارها أكثر من مرة في حق كل من حاول إهانة مؤسسة الرئيس ببلدكم والتي كانت موضوع تقارير وطنية ودولية منشورة ومتوفرة على مختلف الدعامات والمواقع. إن ما قامت به المسماة قناة "الشروق" وفق كل ما ذكر يعد بكل يقين فعلا جرميا متكامل الأركان المادية والمعنوية والقانونية ولا مجال فيه لأي شك أو تأويل. يقين يمكن استخلاصه ببساطة من محيا ذلك المنشط الإعلامي الذي كان يرتكب تلك الفقرة/الجريمة وهو في حالة ارتباك وقلق واضحين الشيء الذي انعكس حتى على شهود الجريمة الحاضرين بالستوديو (مسرح الجريمة). لا شك زملائي الأعزاء أنكم على يقين أيضا بأن ما تم اقترافه لن يسعف أي اجتهاد قضائي أو قانون أو فقه مقارن، من أجل تكييفه ضمن حرية الإعلام أو الحق في النقد أو الحق في السخرية والتي لها إطارها وقواعدها المعروفة لدينا جميعا، والتي كرستها كبريات الديمقراطيات العالمية والمؤسسات القضائية الدولية عبر سنوات. إننا لسنا في موقع من يعطي دروسا، لكن بكل تأكيد أنتم اليوم أمام تحدي تكريس الاستقلال وأداء الأمانة في مواجهة مؤسسات إعلامية تعتدي بإصرار وتعمد على القانون والأخلاق والأعراف وحرمة وكرامة مؤسسات ذات قيمة اعتبارية كبرى، وهي مطمئنة إلى إفلاتها من العقاب. إنها محكمة الضمير والتاريخ التي لا ترحم. لكن اطمئنوا فإخوانكم بالمغرب، كما عهدتموهم، يمضون مع شروق شمس كل يوم جديد إلى بناء تفرد بلادهم بأخلاق الدول العريقة الممتدة عبر التاريخ، متلاحمون وراء ملكهم – ملك القلوب – بكل ولاء ومحبة واعتزاز ومسؤولية ووطنية.