رغم أنني من أبناء "الشغيلة" أو "الطبقة العاملة"، كما يحب أن يطلق عليها اليساريون.. قررت أن أمكث في البيت يوم فاتح ماي من هذه السنة، دون مشاركة زملائي "فرحة" عيدهم الأممي، الذي سيخرجون فيه في مسيرات حاشدة يخيطون فيها الشوارع والأزقة مُرددين شعارات كلاسيكية ومكرورة. ولأنني حفظتها منذ سنوات عن ظهر قلب، أخشى أن تنتقل من ظهر قلبي إلى بطنه فتصيبني سكتة قلبية مفاجئة بسبب "الفقصة"، هُجوم استعراضي سنوي على الحكومة، والباطرونا، وتَنديد بالوَضع المزري الذي تعيشه البروليتاريا داخل مجموعة من الإدارات العمومية والشركات الخاصة. خلال هذا اليوم، سأمكث في البيت، وفي أسوأ الأحوال سأكلف نفسي بالنهوض باكرا لممارسة رياضة المشي على شاطئ الهرهورة، مثلما تصنع مريم بنصالح، والصفريوي، والشعبي، وبعض الوزراء، خلال هذا اليوم، بينما ينزل العمال إلى الشارع للتظاهر ضد البرجوازية التي تضع أذنا من طين وأخرى من عجين، وهي تمارس رياضاتها المفضلة دون حاجة لسماع استغاثات "المونافرية" المساكين الذين ستحرق شمس أول يوم من شهر ماي وجوههم، وستتعب أرجلهم من كثرة المشي في مسيرات "عمالية" خلف زعماء نقابيين بكروش منتفخة. هذه السنة، عُدت إلى رشدي، "والله يْسامح" على السنوات الفارطة التي "قطعت" فيها أحذيتي الرياضية، وتعرضت فيها لضربات شمس متتالية، وعوض أن أردد شعارات ضد الحكومة، سأهتف "باي باي..فاتح ماي"، فقد قررت هذه السنة متابعتك سيدي العزيز، من وراء شاشة التلفاز، ومن الفيديوهات التي تبثها المواقع الالكترونية، بكل صراحة قررت مقاطعتك، لأنك بكل بساطة تذكرني ببؤس الطبقة الشغيلة، وبتغول طبقة تسمى "الباطرونا"، كما تذكرني بزعماء نقابيين، "اقطاعيين"، يقبلون بتشغيل عُمال بأجور زهيدة، وبوجه "أحمر" يخرجون في مسيرات يضعون فيها "كتفهم" على "كتف" أتباعهم، إلا أن الزعيم النقابي وحده، الذي يعرف من أين تؤكل تلك الكتف ؟ لن أشارك في مسيرات فاتح ماي، لأنها حادت عن هدفها الحقيقي، فعوض أن تظل عيدا أمميا للعمال، أصبحت مناسبة لاستعراض العضلات وتصفية الحسابات السياسوية، ودق طبول الحرب، حيث أن بعض الزعماء يخلطون بين القبعات التي يعتمرون، ولا يفرقون بين النقابة التي هدفها دوما "طرف ديال الخبز"، وبين الحزب الذي يسعى إلى السلطة، وعندما يفشل في ذلك يوظف نقابته، المفروض أن تبقى في منأى عن أي صراع سياسي. ومن يخلط بينهما مثل الذي يريد أن يلعب كرة القدم، بقواعد الملاكمة. لهذه الأسباب، قررت عدم المشاركة، اضافة إلى أن هذا اليوم الذي يسمى عيد الشغل، يذكرني بالطفولة، فلم يكن عيدا بالنسبة لنا، فعندما كنا صغارا في مرحلة الابتدائي، فقد كانت المُعلمة الغليظة، تطلب منا اصطحاب قنينات صغيرة من جافيل، وقطعة من "الكاغيط لحرش"، من أجل تنظيف الطاولات التي لطخها مداد تلاميذ أشقياء، وهكذا كنا نظل طيلة صباح فاتح ماي "نحك" اللوحات الخشبية للطاولات بينما زميلاتنا الاناث يجففن قاعة القسم بالكراطة، ثم ينقعن خرقة من الثوب تشبه الجَفاف، من أجل تنشيف بقايا الماء فوق أرضية القسم. عيدكم سعيد، وكل فاتح ماي، وأنتم عمال.