تامغربيت كلمة استعملها سياسيا ربما لأول مرة، المستشار الملكي الأستاذ فؤاد عالي الهمة، وبعدها كان "البام" سيطلق التسمية على مجلته سنة 2016، لكن لم يستعمل أبدا أي إطار سياسي المصطلح كاسم أو شعار رسمي له، كما أن أول تأصيل سياسي للمفهوم كان مع مشروع حزب التغيير الديمقراطي سنة 2019 الذي تغير اسمه سنة 2020 ليصبح "مشروع حزب التجمع من أجل التغيير الديمقراطي"، مع انخراط مناضلين جدد فيه، مناضلون وأطر ينتمون لمختلف التيارات على رأسها الحركة الأمازيغية واليسارية والنقابية والحقوقية وعدد كبير من المستقلين، قبل أن يشرعوا في الإعداد لتأسيس جمعية مدنية تحت مسمى "حركة تامغربيت" منذ شهر غشت 2020، إلى أن رأت النور يوم 12 يناير 2020. وكان أول تأصيل لنا لمفهوم تامغربيت سنة 2019، ينطلق من ملحاحية خلق حزب سياسي مغربي بمقومات ثقافية واجتماعية وسياسية مغربية، على خلاف الأحزاب التي تبنت مرجعيات مستوردة من قبيل "البعث" و"الإخوان المسلمين"، وضد كل الأفكار التخريبية الدخيلة التي تهدد عمق الثقافة المغربية، وقيم التعايش والتساكن والتآزر الذي عرف به المغاربة منذ الأزل، أفكار فشلت (حسب مشروعنا) بفعل تمثلها المزور للشعب المغربي خارج خصوصياته الثقافية والسوسيولوجية، وإسقاط ثقافات غريبة عنه خارج نسقه الطبيعي، مما أدى إلى "تحليل غير ملموس لواقع غير ملموس"، ناهيك عن جعل وطننا ذيلا لأوطان أخرى، فصارت هذه التوجهات خارج السياق، وإن استمرت بعضها واكتسبت شعبية في مستوى معين، فهذه الشعبية المبنية على "دغدغة العواطف"، أدت إلى تدجين الكثير من المغاربة واستيلابهم، حتى صارت تركيا وقطر أو مصر ولبنانوالعراقوفلسطين، محور وجود بعضهم، عوض الانتصار للوطن وثقافة الوطن ومصالح الوطن. إن "تامغربيت" كما أصل لها مشروعنا السياسي، لا تنبذ أي ثقافة بل تنتصر لثقافتنا التي يمكن التعبير عنها بألسنة مختلفة، مع الانفتاح على كل ما هو جميل ومفيد في جميع الحضارات والثقافات دون استثناء. إنني أكاد لا أشعر بأي اختلاف ثقافي بين عادات والدتي في بين ثنايا جبال أزيلال، وتقاليد امرأة تعيش في سهول الشاوية، غير اختلاف لسني بسيط بين أمازيغية أصيلة ودارجة كانت نتاج توارد بين اللغتين الأمازيغية والعربية، قبل أن تحتضن عناصر جديدة من الفرنسية والإسبانية. بل إنني التقيت رفقة صديقتي اليهودية المغربية، يهوديا مغربيا من "بزو" قرب بلدتنا بأزيلال اسمه "أميرام"، قادم من إسرائيل التي هاجر إليها ذات يوم وعاش بها لعقود وراكم فيها المناصب والمسؤوليات دون أن يفقد جوهر "تامغربيته"، أخبرني بأن اسم المشمش قبل نضجه بالأمازيغية هو "إحوجان"، وهو مصطلح أجهله كما الكثير من أبناء جيلي، قبل أن يخوض في عادات وتقاليد مازال أبناء منطقتي يحتفلون بها وإن تغيرت بفعل تغير الزمن، وختمنا لقاءنا بمثل تعودنا على سماعه منذ الصغر "آيت بوولي شكشم أولي سوفغ أولي كرا أوريلي"، إن مليون إسرائيلي من أصل مغربي يعتبرون بحق جزءا لا يتجزأ من منظومة "تامغربيت". تامغربيت كما أصل لها مشروعنا، تتشكل من عناصر مختلفة، تتوحد في جوهر ما يجمعنا كمغاربة، من تسامح أجدادنا الذين استقبلوا الرومان واليهود والفينيقيين والمسلمين، وتعايشوا معهم وحافظوا على جوهر ثقافتهم، مع تأثيرهم وتأثرهم بمختلف هذه الثقافات دون مركب نقص، تأثير وتأثر أنتجا لنا هوية جمعية أصيلة. إن هذا المفهوم يجد له ما يجسده في مختلف المجالات، فالمغاربة منذ آلاف السنين كانوا أميسيين، وكانت المرأة تحظى بمكانة راقية داخل المجتمع قبل انتشار أفكار حاولت أن تجعل منها مجرد أداة للإنجاب وإشباع غرائز الرجل، كما أن الإسلام المغربي المؤسس على المذهب المالكي له خصوصياته المنبثقة عن تماهيه الجدلي بالثقافة المغربية العريقة وقيمها عبر القرون، فكان إسلام المغاربة نموذجا للتعايش والتسامح والنأي بالذات عن الطهرانية وممارسة الوصاية على الآخر، قبل قدوم رياح الوهابية والإخوانية. إن "ثيويزي" أي العمل الجماعي والتضامني المرتكز على أسس متينة وراسخة، من صلب قيم تامغربيت، عنصر يتجسد في نمط حياة وأعراف وأسلوب عيش مبني على التعاون من أجل المصلحة العامة، وفي سبيل تقليص الفوارق الطبقية، وانخراط الفرد وانصهاره في الجماعة دون أن يفقد هويته وخصوصياته. إن مغرب اليوم هو نتاج تاريخ عريق من التأثير والتأثر بين الثقافة الأصلية والثقافات الواردة، التي انصهرت جميعا لتعطينا "تامغربيت" التي يحق لنا أن نجعل منها نقطة التقاء قوية لا تتزعزع، ومنبع فخر لا ينضب، فإن كان المصريون يفخرون بالتاريخ الطويل والحضارة الفرعونية، فللمغرب كجزء من شمال إفريقيا أن يفخر بأجداده الذين حكموا مصر لقرون، وكانت حضارتهم لا تقل أهمية عن حضارات العالم، كما لنا أن نفتخر بأبوليوس وأوغستين ودوناتوس وديهيا ويوگرتن وماسينيسا ويوبا، ف"تامغربيت" تتقاطع في الكثير من الجوانب مع "تاماغاريبيت" أو "المغاربية"، لأن جوهر ثقافة شمال إفريقيا واحد. إن كانت رواية "الحمار الذهبي" للمغاربي أبوليوس أول رواية في تاريخ البشرية، فكيف لنا أن نتجاهلها في مدارسنا لفائدة شعر أبو العلاء المعري أو غيره من شعراء الجاهلية ينتمون إلى رقعة أخرى، وإن كنا نعترف بجمال لغتهم وشعرهم، ونعد الانفتاح على إبداعاتهم شيئا محمودا، فلم لا نهتم أولا بتاريخنا وأمجاده! إن تماهي "تامغربيت مع تاماغاريبيت" لا يؤدي أبدا إلى اختفاء الأولى لصالح الثانية، وإن كانت جزءا منها فقد تطورت لتكتسب خصوصيات جديدة أملاها تطور الدول والشعوب والتثاقف وتطور العلاقات الاجتماعية والسياسية وغيرهما، فصارت تمغربيت تعني كذلك الانتصار لقضايا الوطن المصيرية، والافتخار بخصوصياتنا، عوض الاستلاب الذي نخر الكثير من العقول، فصار لدينا بفعل التدجين، من يفتخر بشعراء العراق وكتاب لبنان وممثلي مصر وحكام تركيا ويقدس أسوار فلسطين، ويتفاعل مع قضايا الشرق أو الغرب منغمسا فيهما على حساب وطنه وثقافته، وكأنه يحتقر الذات منبهرا بالآخر بفعل رواسب الاستلاب المتنوعة. إن تمغربيت الذي أطلقناه على حركتنا واتخذناه شعارا لمشروعنا الحزبي، هي صرخة للتفكير في إعادة بناء الذات، من خلال التنوع داخل الوحدة، إنها منظومة لا ندعو فقط إلى الافتخار بها، بل إلى تبني قيمها وتلقين مبادئها لأبنائنا، وإدماج تاريخنا غير المقزم في المقررات، ومواجهة رياح التكفير والإرهاب المستوردة. إن تامغربيت ليست مجرد كلمة بل هي منظومة قيمية، بأبعاد وطنية ومواطناتية، إنها شعاع يمكنه أن يرسخ أكثر صورة المغرب كبلد بثقافة وتاريخ عريقين، ونموذجا للوحدة في ظل التنوع، والتعايش والتسامح الفريدين. إن مشروع حزب التجمع من أجل التغيير الديمقراطي، وحركة تامغربيت، لا يدعيان اختراع مفهوم تمغربيت، الذي صقله المغاربة بقيمهم عبر تاريخنا المجيد، لكنه يفتخر بهذه الإضافة في التأصيل السياسي والثقافي.