أدلى السيد أحمد عصيد برأيه في بعض القضايا الدينية والحقوقية والتربوية بناء على تقييمه وقراءته لإحدى الكتب المدرسية ولأحداث معينة، وبغض النظر عن مضمون رأيه وتقييمه، نتابع كيف انتفض بعض الإخوان من المنتسبين للحركة السلفية بالمغرب وعلى رأسهم السيد حسن الكتاني الذي أصدر بيانا نارياً بنفسٍ فتوي تكفيري على حائطه في الفيسبوك وصف فيه أحمد عصيد بالمجرم وعدو الله، ودعا إلى رفع دعاوي قضائية وتنظيم وقفات ضده. كما حاول بعض الإخوان من التيارات الإسلامية الأخرى وخاصة من الحزب الحاكم أن يهولوا من أراء أحمد عصيد ويضفوا عليها قسرا طابع الخطورة السياسية بدعوى أنها تخدم أجندة المنظمات الدولية والخارجية الأمريكية! إذا ما توقفنا قليلا وبالتعقل والهدوء المطلوبين عند هذا الحدث من أجل توضيح بعض الأمور والارتقاء بالنقاش وتجنب منزلقات العنف والتطرف ومؤججات الفتنة بين مواطنين ومواطنات مغاربة هم في أشد غنى عنها، فكيفما كان منطوق ومضمون رأي وقراءة السيد عصيد لحدث ديني وفي سياق تاريخي معروف ومحدد يعود لقرون طويلة خلت، ورأيه في ذلك قابل للخطأ كما للصواب، فهو تعبير عن رأي شخصي وفي سياق تاريخي وسياسي وثقافي مخالف تماماً هو العصر الراهن بكل ما يحيل عليه هذا الظرف من مقومات المجتمع الحديث والدولة المعاصرة ومنظومة الحقوق وحرية التفكير والرأي والتعبير التي تضمن للجميع، إسلاميين وعلمانيين، شيوعيين ولبيراليين، ديمقراطيين ومستبدين، أغلبيين أو أقليات...حق الوجود والتعبير والمحاججة، ولا يستثنى من ذلك حتى من يطمح إلى تنميط المجتمع وفرض دوغمائيته على الآخرين .....فذلك لا يمكن أن يكون إلا بالحوار الحضاري ومقارعة الأفكار والنقاش المستفيض و"بالتي هي أحسن". فالعنف والتحريض وبث الكراهية ومحاولة تسييس الرأي القيمي والحقوقي، هي أسلحة الضعيف الذي تعوزه الحجة ويخونه البيان. لذلك فجواب السيد الكتاني لم يكن تعبيرا عن رأي ولا مقارعة فكرية أو فقهية، بل ردة فعل متشنجة مشحونة بأحكام قطعية فيها الكثير من الغلو والتشهير والتحريض، خاصة أنها صادرة عن شيخ معروف له أتباعه ضمن الحركة السلفية بالمغرب، ومن شأن بياناته وفتاويه وتحريضاته أن تثير العنف والفتنة بين المواطنين المغاربة وهو الذي احتج واشتكى مؤخرا عقب ما قال عن أنه "تهديد هاتفي" لسلامته البدنية تلقاه على خلفية مواقفه وآرائه ، وهو ما أثار توضيحنا وتضامننا معه ومن طرف أحمد عصيد نفسه. كما أن التهويل من أراء أحمد عصيد، بل ومحاولة إقحامها تعسفا في خانة الأجندة الخارجية بعقلية المؤامرة على الأمة والإسلام، لهو من قبيل التذاكي الفجّ لأن الكاتب والناشط الحقوقي لم ينفك يعبر عن أرائه مند عدة سنوات ولم يكن ينتظر في ذلك التطور الأخير لقضية الصحراء ولا وصول حزب "العدالة والتنمية" إلى السلطة. إن تهمة الإجرام والعداء لله ليست مجرد تعبير عن رأي في موضوع أو حدث معين، بل، وفي سياق النقاش الديني بالخصوص، هي تحريض ضد حرية التفكير والتعبير وضعف في حجاج الخصوم الفكريين، ورفض للحوار والاختلاف، وزعم للوصاية على العقول والضمائر. كما أن خطاب تهمة العمالة وخدمة أجندة الخارجية الأمريكية هو تخوين وهلوسة سياسوية، تغيب فيه شروط اللياقة والحوار المسؤول، واستغباء لعقول المواطنين والمواطنات المغاربة. ليس مسعانا في هذا التوضيح والتضامن والتنبيه مناقشة فحوى كلام السيد عصيد الذي تناول فيه ضرورة تطوير الدرس الديني لينسجم مع القيم الكونية لحقوق الإنسان، كما تطالب بذلك العديد من الجمعيات والمنظمات الحقوقية والمدنية مند سنوات، وهو الكلام الذي حُمل ولاشك تأويلا أكثر من حمله ومعناه، ولا مناقشة مضمون رد السيد الكتاني الذي لا شك أنه تماهى كعادته مع مرجعيته الفقهية وتفاعل وانفعل من داخل مثنها السلفي والبلاغي وصار يكيل التهديد والوعيد، ولا الرد على بعض الإخوان الذين أصدروا أحكاما وتهما فيها الكثير من التحريف والتحامل والتحريض على الفتنة، لكن ما نود التأكيد عليه هو أن مقتضيات الحياة في المجتمعات المعاصرة والدولة الحديثة هي التي تضمن للجميع حق الوجود وحرية الفكر والتعبير والتعايش الحضاري. وكل منزلق أو تحريض على العنف وعلى خلفية القضايا الخلافية لا يمكن إلا أن يكون على حساب حق الجميع في التعبير والرأي إن لم يكن على حساب الشرط الديمقراطي والحقوقي كلية، حيث ستكون الفرصة مواتية لعودة الاستبداد والقمع التي سيؤدي الجميع ثمنها الباهظ. ولا يسعنا في الأخير، إلا أن نعبر للسيد أحمد عصيد عن متمنياتنا له بالسلامة، وللسيد الكتاني وبقية المحرضين بالتنور والرشاد.