إلى السيد الكتاني وإخوانه أن يعلن السيد حسن الكتاني، أحد نشطاء التيار السلفي في المغرب، بأنه تلقى اتصالا هاتفيا يهدده صاحبه بالقتل، فهذا حادث يتطلب الانتباه، وإن صح ذلك فالأمر يقتضي التضامن معه والدفاع عن حقه المشروع في التعبير والاختلاف والوجود. لكن أن يحسم بأن المتصل والمهدد هم من سماهم ب"قوميين أمازيغ"، ويسترسل ليخبرنا بأن مضمون رسالة التهديد هي "الذبح من الوريد إلى الوريد"، فهذا أمر يثيرالاستغراب، مما يفرض علينا الوقوف لتحليل المعطيات المتوفرة لعلنا نقترب من معرفة حقيقة ما جرى! بداية، يعرف المتتبعون السيد الكتاني باعتباره من نشطاء الحركة السلفية في المغرب، طفا اسمه اثر اعتقاله على خلفية أحداث 16 ماي الشهيرة، ليتم إطلاق سراحه منذ سنتين في إطار صفقة الدولة مع السلفيين في سياق الحراك السياسي والاجتماعي الذي عرفه المغرب على غرار بقية دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وكثمرة لضغوطات الفاعلين الحقوقيين والديمقراطيين. وهو اسم يحضر بشكل متواضع جداً في النقاش السياسي والعمومي في المغرب، بل أن المتداول والملحوظ أن صفقة خروجه من السجن المذكورة كان لها أثر سيئ على مكانته بين الإخوة في صفوف الحركة السلفية. إضافة إلى ذلك، فلم يسبق للسيد الكتاني أن أدلى برأي مهم أو أفكار جريئة أو جديدة في النقاش الدائر حول القضايا الثقافية والهوياتية عموما والمتعلقة بالأمازيغية في المغرب بشكل خاص، هذا باستثناء تعبيره عن رأي عابر في شأن الاحتفال بحلول السنة الأمازيغية الجديدة، وهي خرجة لم تثر كبير الاهتمام بين المتتبعين ولا ردود أفعال جدية، وخالفه فيها بعض من إخوانه في التيار السلفي ذاته. وهذا يطرح سؤال شروط حصول تهديد حقيقي لحياته وبعنوان أمازيغي عريض وبأثر رجعي كما يقول السيد الكتاني! يتزامن هذا الحادث مع الخرجة الأخيرة للسيد أحمد الريسوني أحد موجهي حركة الإسلام السياسي في المغرب انطلاقا من دولة أجنبية والتي تهجم خلالها على الحركة الأمازيغية في المغرب واتهمها بالعداء للعروبة والإسلام والوحدة الوطنية كما يفهمها هو. ويتزامن مع تواتر التهجمات تصريحا وتلميحا في الآونة الأخيرة لأطراف معروفة في سياق تبادل واضح للأدوار ضمن حملة محبوكة تدق طبول "حرب الردة" على الأمازيغية ومكتسباتها، وهنا يطرح سؤال درجة الصدفة في هذه الحادثة الغريبة وفي توقيتها بل وتكاملها مع مساعي استهداف تنامي الحركة الاحتجاجية الأمازيغية وسعيها إلى فرض مشروعية خطابها الإنسي والتصحيحي في السياق الراهن، الشيء الذي يرى فيه بعض الإسلاميين بالتأكيد تحديا لمشروعهم الاستحواذي ومطمحهم الشمولي. ويزيد من أهمية التساؤل الاستجابة السريعة التي قوبلت بها "استغاثة" الكتاني من طرف إخوانه السلفيين وتلقفهم لها في صحفهم ومنابرهم، وخاصة منهم السيد الحدوشي الذي انبرى بتهافت كبير، وصار يكيل الشتائم والسباب البذيء والتهم الرخيصة للأمازيغيين دون أن يجهد نفسه بتبيان حقيقة ما جرى. أما أسلوب "الذبح من الوريد إلى الوريد" فهو كما يعلم العالم عنوان "الجهاد" الذي تقوده وتمارسه بعض مكونات الحركة الإسلامية في العديد من البلدان خلال العشرين سنة الأخيرة، وهي عبارة غريبة عن قاموس الحركة الأمازيغية ولا تمت بصلة إلى ثقافة وقيم ونضال هذه الحركة التي استطاعت بفضل خطابها العقلاني والسلمي والتعددي، ورؤيتها الإنسية والاختلافية، رغم كل ما عانته من إقصاء وعنف رمزي ومادي بل وقمع واعتقالات، أن تفرض مشروعيتها على مختلف الأطراف السياسية والحركية والثقافية، المؤمنة طبعا بقيم الحياة والاختلاف والكرامة وحقوق الإنسان. وهذا يؤكد هشاشة ادعاء السيد الكتاني، وهوية الجهة التي نسب إليها التهديد. وكما يعلم المتتبعون، فإنه في سياق الحراك السياسي والاجتماعي الذي عرفته دول شمال إفريقيا، وبعد ما استفادت الشعوب من عملية التسلح وبعد مساهمة الأمازيغ الكبيرة في اسقاط بعض الأنظمة كما حصل في ليبيا، لم يسجل أن استعمل أمازيغي سلاحه الناري في وجه مواطنيه من مختلف مشاربهم السياسية والإيديولوجية وفي عز الصراع حول السلطة والحكم، عكس ما فعله طرف أخر كم تؤكد تحريات اغتيال المناضل التونسي شوكري بلعيد. وبالتالي من غير المصدق أن تنقلب الآية بين عشية وضحاها ليهدد أمازيغي أعزل ناشطا سلفيا متواضعا وفي بلد آمن! والمؤكد كذلك أن كثيرا من نشطاء ومناضلي الحركة الأمازيغية، وكاتب هذه الأسطر منهم، يتلقون باستمرار المكالمات الهاتفية والترصدات التي تطال عائلاتهم وتحركاتهم وتنقلاتهم وصدور كتبهم وإلقاء عروضهم، ولم يسبق لهم رغم ذلك أن أثاروا الضجة أو اتهموا جهة معينة بسبب عدم تيقنهم من هوية الأطراف التي تترصدهم. وبالتالي فلا يمكن اعتبار ادعاء السيد الكتاني المبني على مضمون مكالمة هاتفية مجهولة المصدر، في أحسن الأحوال، سوى ادعاء متسرع لم يتبين حقيقته ولا مصدره. وفي الأخير، يبقى أن نؤكد للسيد الكتاني، وباقتباس القولة النبيلة لفولتير،بأننا ورغم أننا نختلف معه فنحن ملتزمون بالدفاع عن حقه في التعبير والتفكير والحياة، ولا يسعنا إلا أن نتضامن معه ونستنكر بشدة كل تهديد أو تحريض على المس بحياته وسلامته البدنية.