في الصورة خديجة الرويسي رئيس بيت الحكمة نشرت جريدة التجديد مقالا للسيد أحمد الريسوني يتضمن تعقيبه على بيان جمعيتنا " بيت الحكمة "، و الذي أصدرناه بخصوص رأيه أو " فتواه " التي عبر عنها للصحافة حول عدم جواز التسوق من المتاجر التي تبيع الخمور. و نظرا لأهمية النقاش الذي أثير حول الموضوع و الذي يقع في صميم إشكالية الحريات الفردية، ولما يسمح به من إثارة للقضايا المسكوت عنها و البت فيها بالوضوح اللازم، بهدف تحرير العقول من قيود التقليد، و تنويرها بالقيم الإنسانية الكونية التي هي رصيد البشرية جمعاء، ارتأينا متابعة هذا النقاش بالعمق و الهدوء اللازمين، و ذلك من أجل التأكيد على ما يلي: 1) أنّ ما ورد في مقال السيد الريسوني من أنّ الدستور المغربي ينصّ على أن المغرب « دولة إسلامية » فيه بعض اللبس الذي ينبغي إزالته، و هو الخطأ الذي يقع فيه الكثير من الإسلاميين، حيث يعتقدون بأن مصطلح الدولة الإسلامية يعني ضرورة أن يكون المغرب « دولة دينية » تقوم على تطبيق النصوص الدينية في تدبير جميع شؤونها، و فرض قيم التدين على الأفراد و تشديد الرقابة الأخلاقية على المجتمع، و الحال أن المغرب بعد استقلاله تبنى نهجا وسطيا بين الإنتماء الحضاري إلى الإسلام و بين اختيار نموذج الدولة العصرية الذي يعتمد قوانين وضعية عقلانية في تسيير شؤونها، و هو ما جعل المغرب يوقع و يصادق على جميع الإتفاقيات الدولة التي تنص على احترام الحريات الفردية و الجماعية و حرية الإعتقاد و التدين كما هي متعارف عليها دوليا، مما يحتم بالتالي ملاءمة قوانينه الوطنية مع هذه المرجعية الدولة، و هو مطلب جميع القوى الديمقراطية في البلاد، و ليست دعوة إلى " خرق القانون " كما زعم السيد الريسوني . 2) أن ما عبر عنه صاحب المقال من أننا ندعو إلى " الإباحية " و " الشذوذ الجنسي " و "الفتنة " و " الفوضى " و " انتهاك القانون " حينما نطالب بإلغاء أو تعديل القوانين المتعارضة مع الحريات المنصوص عليها في الدستور أمر مخالف لواقع الحال، و تمييع مقصود لخطابنا الحقوقي، حيث أنّ القوانين الماسة بالكرامة أو التي تهدف إلى التضييق على الحريات أو إلى تشديد رقابة الدولة على الحياة الخاصة للأفراد هي قوانين تقتضي التعديل و المراجعة أو الإلغاء لأنها لا تتماشى مع ما تعلنه الدولة من توجهات في إطار الإنتقال الديمقراطي. بخلاف القوانين العادية الأخرى التي ليس فيها ضرر لأي طرف من الأطراف. و في هذا الصدد نودّ التذكير بأنّ الدعوات المثيرة للفتنة هي تلك التي تدعو إلى المنع و المصادرة و تكريس قيم الإستبداد أو إشاعة الكراهية و الميز بين المواطنين، و هي التي تصدر عن بعض التيارات الإسلامية و فقهائها، و ينتج عنها مثل ما حدث بالقصر الكبير من أعمال همجية و عنف أدّى إلى خسائر كثيرة في الممتلكات و إلى اعتداء على حرمات البيوت بدون وجه حق. 3) أنّ السيد الريسوني قد أخطأ في استعماله لمفهوم " الحق في الإختلاف " الذي هو أحد مفاهيم المنظومة الديمقراطية، حيث أخرجه من سياقه و شحنه بدلالات تتعارض مع مضمونه، عندما دعا إلى " حقه " في الإختلاف مع من يطالب بإقرار الحريات، و الحال أن الحق في الإختلاف إنما يكون بالتعبير عن الرأي دون المس بحقوق الغير أو الدعوة إلى الإضرار به، فمن حق السيد الريسوني أن يوضح موقف الدين من الخمر و أن يقوم بالوعظ و الإرشاد كما يقوم بذلك غيره من الفقهاء، كما من حقه التعبير عن آرائه الفقهية بحرية، و لكن ليس من حقه أن يجازف باتهام غيره و التحريض ضده لأن ذلك رأي متطرف و مبالغ فيه و من شأنه نشر الكراهية بين الناس المختلفين، في الوقت الذي ينبغي فيه جعلهم يحترمون بعضهم بعضا بوصفهم مواطنين متساوين في الحقوق و الكرامة، رغم اختلافهم في شرب الخمر أو عدمه. 4) أنّ عدم تمييز السيد الريسوني بين الأطفال القاصرين و الناس البالغين هو أمر يدعو إلى الإستغراب، لأن الفرق الذي يعرفه جميع فقهاء القانون في العالم أجمع هو فرق في المسؤولية و الواجب، بسبب السن و عدم اكتمال شروط البلوغ و النضج العقلي. و هو أمر ليس مستغربا ممن دافع عن تزويج الطفلات القاصرات معتبرا رفع سن الزواج أمرا مخالفا للشرع، و هو بذلك يهدف إلى الإبقاء على القوانين التي تشرعن الإغتصاب و الإعتداء على الطفولة إرضاء لأنانية الرجال. 5) أن عدم تمييز السيد الريسوني بين الخمر و المخدرات يعود إلى خطئه في فهم طبيعة كل منهما، و كذا في قيامه بتغليب ظنه في التشبيه و علة الحكم، و الحال أن الذين يحاربون المخدرات في العالم أجمع يعرفون بأنّ الفارق بين الأمرين كبير، و لهذا يباع الخمر في المحلات التجارية بترخيص من الدولة، بينما يستحيل ذلك بالنسبة للمخدرات. و لا مجال للمساواة بينهما إلا لدى الذي لا يهمه إلا الإنتصار لنصوص دينية و لو على حساب حقوق الغير. 6) استعرض السيد الريسوني الكثير من مظاهر الإنحراف المتداولة معتبرا أن مصدرها هو استهلاك الخمور، و الواقع أن انتهاك قوانين السير و ضرب النساء و الأطفال أو الإعتداء على المارة هي أمور يعاقب عليها القانون سواء صدرت عن سكران أو غيره، بل ثبت بأن أغلبها لا علاقة له بالخمر لا من قريب و لا من بعيد، كما أنّ الكثير من الجرائم الشنيعة التي اشتهرت و التي منها ضرب إسلاميين لزوجاتهم أو قتلهم لهنّ لا علاقة لها بشرب الخمر بتاتا.