أظهرت "المحنة" التي عاشتها الدبلوماسية المغربية، في الفترة الأخيرة، الأدوار المؤثرة التي لعبها الملك محمد السادس في اتجاه الضغط على الولاياتالمتحدةالأمريكية لسحب مقترحها إلى مجلس الأمن الدولي، والقاضي بتوسيع صلاحيات بعثة الأممالمتحدة "المينورسو" لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء. وبدا جليا أن ما يمكن تسميته ب"دبلوماسية الملك" قد تفوقت كثيرا، وبأشواط عديدة، على الدبلوماسية الرسمية متمثلة في الوزارة المعنية بملف الصحراء، وحتى ما يصطلح عليه بحكومة الظل متمثلة في مستشاري الملك ومحيطه القوي، كما اجتازت دبلوماسية الملك ما يسمى بالدبلوماسية الموازية التي ترتبط بالمجتمع المدني أو البرلمان أو الجمعيات ذات الصلة. وحسم الملك، بفضل تدخلاته الشخصية ومراسلاته ومكالماته الهاتفية، مستجدات ملف الصحراء لتعود الأمور إلى نصابها بعد أن أثارت المسودة الأمريكية "حمية" المغاربة وجعلت قلوب الكثيرين منهم تبلغ الحناجر، لأنهم رأوا في مشروع القرار بتوسيع مهام "المينورسو" مسا بسيادة البلاد على أراضيه الصحراوية. وكان الملك قد بادر، فور حدوث "أزمة" الصحراء، إلى بعث رسالة إلى الرئيس الروسي بوتين، وإلى الرئيس الصيني أيضا بواسطة وفد رفيع المستوى مكون من شخصيات رئيسية ثلاثة هي الطيب الفاسي الفهري وسعد الدين العثماني ومحمد ياسين المنصوري، ثم اتصل هاتفيا بالرئيس الأمريكي باراك اوباما، لتسحب الإدراة الأمريكية بعد ذلك مشروع قرارها، وهو ما هللت له صحف ووسائل إعلام مغربية بكونه "انتصار" دبلوماسي كبير للمغرب. علاقات ملك ومجهودات دولة الدكتور عبد الحميد بنخطاب، أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق بفاس، قال في تصريحات هاتفية لهسبريس إن القول بأن دبلوماسية الملك انتصرت في موضوع المقترح الأمريكي صحيح بنسبة كبيرة، ذلك لأن المؤسسة الملكية في المغرب لها علاقة وطيدة وعلاقات شخصية هامة مع رؤساء الدول والقوى الغربية. وأفاد بنخطاب بأن علاقات الملك محمد السادس مع زعماء هذه البلدان تتسم بكثير من المودة والاحترام المتبادل، فضلا عن الامتداد الزمني لهذه الروابط الإنسانية، مشيرا إلى أن القادة السياسيين يمكنهم استثمار هذه العلاقات الإنسانية في تحقيق أهدافهم وغاياتهم في بعض القضايا الدبلوماسية الهامة. واستدرك المحلل ذاته بأنه رغم هذا "النصر" الدبلوماسي فلا يتعين تضخيم هذا الجانب، لأن الأمر يتعلق أيضا بعلاقات سياسية تجمع دولا بدول، فالمغرب حاول تعميق مكانته خلال أزيد من 30 عاما داخل المنظومة الدولية التي تسمى ب"الدول الحرة" والسائرة في طريق الديمقراطية. وزاد بنخطاب بالقول إن مكانة المغرب هذه أهلت المغرب لتدبير مشاكله بشكل سلسل في حالة حدوث أزمات سياسية، مردفا بأنه لا أحد في هذه الدول يريد أن يخسر مكانة المغرب ضمن مجموعة الدول الحرة، وهي المكانة التي لم تتأتَّ بسهولة للمغرب، بل من خلال مسار تنموي طويل. وخلص بنخطاب إلى أن المغرب استطاع أن يقطف ثمار مجهودات المغرب في انفتاحه على الديمقراطية، واحترامه لحقوق الإنسان وعمل على ترسيخها وتطويرها في البلاد، الشيء الذي جعل محاولاته للتراجع عن المقترح الأمريكي تُكلل بالنجاح.