ربما يكون أي موقف قادم من جانب كوريا الشمالية بمثابة اختبار حاسم لما إذا كانت سياسة "التريث الاستراتيجي" التي يتبعها معها منذ فترة الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد بدأت تستنزف. ومع تزايد التوقعات بأن تتبع كوريا الشمالية تهديداتها العدائية بعمل عسكري استفزازى في الاأام المقبلة، قال مسؤولون أمريكيون إن الولاياتالمتحدة وضعت خطة امنية جديدة مع حليفتها كوريا الجنوبية وكثفت الضغط على الصين لبذل مزيد من الجهد لكبح جماح بيونج يانج. وأضاف المسؤولون أن إعادة النظر في الموقف الأمريكي تجاه كوريا الشمالية يشمل تعديل قواعد الاشتباك للرد على اي هجوم بقوة أكبر من ذي قبل لكن مع تفادى اندلاع حرب شاملة.. وحتى في هذه الحالة يظل السؤال هو: هل يمكن لسياسة "التريث الاستراتيجي" التي تهدف لعزل كوريا الشمالية أن تتصدى لتحد أثار واحدة من اخطر الازمات في شبه الجزيرة الكورية منذ انتهاء الحرب بالمنطقة في عام 1953؟ فشلت إدارة أوباما حتى الآن في وقف تقدم بيونجيانج النووى.. ومنذ تولى أوباما الرئاسة أجرت كوريا الشمالية تفجيرين نوويين تحت الارض وعددا من التجارب الصاروخية المحظورة.. كما اخفق اسلاف اوباما في كبح برامج كوريا الشمالية النووية.. ولكن اوباما يجابه درجة أكبر من عدم اليقين بسبب زعيم كوريا الشمالية الشاب كيم جونج اون الذي اطلق سلسلة من التهديدات المخيفة ردا على عقوبات الأممالمتحدة والمناورات العسكرية المشتركة بين واشنطن وسول. واعترف مسؤول كبير في إدارة أوباما بأنه "ربما كان هناك العديد من الحسابات الخاطئة.. ندرس موقفنا واستراتيجيتنا في ظل سلوك كيم جونج اون". وإذا التزم كيم بقواعد اللعبة، كما يتوقع صناع السياسة في الولاياتالمتحدة، فسوف تجري بيونج يانج تجربة إطلاق صاروخ أو اثنين، منتصف الشهر الحالي، تزامنا مع عيد ميلاد مؤسس الدولة الراحل كيم ايل سونج، جد الزعيم الحالي.. فيما قال المسؤول الكبير الذي طلب ألا يذكر اسمه: "ختام مبهر بالألعاب النارية يضع حدا لمنحنى التصعيد.. سيناريو ممكن بكل تأكيد". وقال مسؤول آخر بالإدارة الأمريكية إن قوات الولاياتالمتحدةوكوريا الجنوبية لن ترد إذا اتجه الصاروخ للمياه الدولية، ولكن ستتأهب لإسقاطه إذا هدد كوريا الجنوبية أو اليابان او أهدافا أمريكية في جوام.. غير ان المسؤولين الامريكيين لم يستبعدوا احتمال أن تشن كوريا الشمالية هجوما على سفينة كورية جنوبية أو موقع حدودي، وحذروا أن من شأن ذلك دفع كوريا الجنوبية إلى "رد انتقامي متناسب" رغم أخذ الاحتياطات أملا في تفادي صراع عسكري مفتوح. والترتيبات الأمنية الجديدة، التي كانت صحيفة نيويورك تايمز أول من كشف النقاب عنها، تهدف لطمأنة كوريا الجنوبية التي تحلت بضبط النفس بعد ان باغتها الشمال بهجومين في 2010 بإفساح المجال أمامها للرد عسكريا على اي استفزاز جديد.. ولكن ثمة مخاطر، إذ كتب جيمس شوف، الخبير في شؤون آسيا في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، إنّ "مثل هذ الوضع قد يقود لتفجر الموقف في شبه الجزيرة عند ابسط استفزاز مفاجئ". وتريد الولاياتالمتحدة ان تذهب الصين -وهي أقرب دولة يمكن وصفها بأنها حليف لكوريا الشمالية- لمدى ابعد من مجرد تعنيف بيونجيانج وان تطبق العقوبات التي فرضتها الأممالمتحدة والتي تفاوضت مع واشنطن بشأنها في الآونة الاخيرة.. ويدرك المسؤولون الامريكيون وجود حدود لرغبة الصين في تشديد العقوبات على كوريا الشمالية خشية أن يقود انهيار جارتها الفقيرة لتدفق اللاجئين على اراضيها وما يمكن أن يتبعه من عواقب كارثية. لكن استعراض القوة الامريكي في اجواء شبه الجزيرة الكورية وحولها يبعث برسالة للصين مفادها أن فشلها في كبح بيونجيانج قد يؤدي لتواجد عسكري امريكي أكبر في المنطقة وهو ما تعارضه بكين.. وحتى مع تصاعد التوترات وتعديل إدارة أوباما سياستها وفقا لذلك فانها لم تبد اي إشارة تنم عن تخليها عن سياسة "التريث الاستراتيجي" برمتها. وقال المسؤول البارز "المهم اننا نسمح لكوريا الشمالية بتحقيق ادنى استفادة من هذا الوضع".. ولم تلق دعوات تسمية مبعوث امريكي رفيع المستوى دعما يذكر من البيت الابيض.. إذ أحجم أوباما عن الرد شخصيا على تهديدات كوريا الشمالية وهي استراتيجية تهدف لحرمان كيم جونج اون من إثارة اهتمام الرئيس. وتحول الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش من انتهاج سياسة متشددة تجاه كوريا الشمالية في ولايته الأولى إلى تقديم تنازلات تهدف لتعزيز الدبلوماسية خلال فترته الثانية فرفع كوريا الشمالية من قائمة الدول الراعية للارهاب وألغي تجميد حسابات مصرفية لعائلة كيم. وتولى أوباما منصبه في عام 2009 متعهدا بتقارب أكبر مع كوريا الشمالية ومد يده لخصوم بلاده. ولكن بعد أربعة أشهر اطلقت بيونجيانج صاروخا منتهكة قرارات الأممالمتحدة لتنحرف العلاقات بين البلدين عن مسارها من جديد. وترسخت سياسة "التريث الاستراتيجي" لتبدأ لعبة الترقب على الصعيد الدبلوماسي وركزت واشنطن من خلالها على العقوبات والإدانة في حين تركت الباب مفتوحا امام تخفيف العزلة المفروضة على كوريا الشمالية إن هي احسنت التصرف. غير ان بيونج يانج مضت في سبيلها وألغت محادثات دولية وأجرت تجربة نووية ثانية. وفي عام 2010 اتهمت بإغراق سفينة حربية لكوريا الجنوبية ثم قصفت جزيرة جنوبية. وجاءت أحدث بادرة تقارب في 2012 بعد أشهر قليلة من تولي كيم جونج اون مقاليد الحكم حين عرض أوباما مساعدات غذائية مقابل اعلانها وقفا مؤقتا للتجارب النووية وتجارب إطلاق الصواريخ طويلة المدى. ولكن الاتفاق انهار في غضون اسابيع إثر اعلان بيونجيانج عزمها اجراء ما وصفته بعملية اطلاق قمر صناعي في حين قال مسؤولون امريكيون انه تجربة لاطلاق صاروخ باليستي. ورغم أن الادارات المتعاقبة ولت اولوية للامر فإنه يعتقد ان الشمال نجح في جمع بلوتونيوم يكفي لانتاج حوالي ست قنابل في حين يقول خبراء ان امام بيونجيانج سنوات كي تنجح في تطوير رأس نووي.. وفي فبراير شباط خلصت مجموعة للابحاث في الكونجرس إلى ان سياسة التريث الاستراتيجي تهدف بالضرورة "لاحتواء انشطة الانتشار النووي في كوريا الشمالية وليس تقليص برنامجها النووي".. وأضافت المجموعة في تقرير "وراء هذا المنهج توقع قوي بأن كوريا الشمالية لن تتخلى عن قدراتها النووية." لكن التقرير أشار إلى ان هذه السياسة تتيح أيضا لكوريا الشمالية "التحكم في جدول الاعمال" في اشارة لكيفية تلاعبها بالولاياتالمتحدة وحلفائها بحيث تأتي تحركات هذه الدول كرد فعل لما تقوم به بيونج يانج. وفي مؤشر على مدى تعقيد مشكلة كوريا الشمالية يبدو ان حتى معارضي اوباما من الجمهوريين لا يجدون حلا افضل. وقال السناتور لينزي جراهام، الذي عادة ما ينتقد الرئيس الديمقراطي بشدة، في برنامج "واجه الصحافة" علي محطة "إن.بي.سي" قائلا. "إنني أقدّر ما تفعله هذه الإدارة".