بينما كانت الأمطار تواصل تهاطلها بمدن الشمال، وتتواصل معها الدعوات بأن توقف السماء "كرمها"، حيث إن المغاربة دائما يطلبون "الشتا على قد المنفعة" لكونهم يعرفون مسبقا أن البنية التحتية لا تتحمل كثيرا من "الخير"، كانت الأجواء صافية في مدينة الداخلة، على هامش تدشين أول قنصلية أمريكية في الأقاليم الجنوبية، حتى إن السفير الأمريكي صعد فوق البناية التي مازالت في طور التجهيز لكي يلوح بيديه للجماهير التي تقاطرت إلى عين المكان. ولم يكن التواجد الأمريكي في الداخلة خلال نهاية الأسبوع، محفوفا بالزغاريد، سوى تكريس لقرار اعتراف البيض الأبيض بمغربية الصحراء، وتكريس لجدية مقترح الحكم الذاتي، وهذا ما يؤكده الأمريكيون في تحركاتهم الأخيرة، إلى درجة أن مساعد كاتب الدولة الأمريكي المكلف بشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ديفيد شينكر، لم يتردد في الإشادة بالمقترح المغربي خلال زيارته إلى الجزائر قبل يومين من حضوره بالمغرب لافتتاح قنصلية بلاده بالداخلة. وبينما يحاول البعض عندنا جر المواطنين إلى نقاش عديم الجدوى أمام تسارع المتغيرات الدولية حول "التطبيع"، وهل هو حرام أم حلال؟ يواصل الأمريكيون دفع العربة بما فيها نحو أفق اقتصادي وتجاري. ما يعني ضرورة استعداد المواطن المغربي لمواكبة هذه الطفرة الاقتصادية في الأقاليم الجنوبية، من خلال تسليح نفسه بوسائل جديدة للعمل، وبلغة جديدة للتواصل، لأن إنكار الواقع لن يكون إلا مقدمة للإقصاء من عجلة التنمية التي لم تعد تعترف بالحدود، بل بالجهود. الصحراء مغربية، والحكم الذاتي هو آخر حل مطروح أمام البوليساريو، وإلا فإن الجبهة ستتحول إلى مجرد جماعة إرهابية معزولة في الصحراء. أما العلاقة مع إسرائيل، فهي مؤطرة بعدم التنازل عن القضية الفلسطينية، ولا تتجاوز إلى حد الآن حدود افتتاح مكتب للاتصال. هذا ملخص الأحداث، وأي زيادة في الحسابات ستكون رؤية حمقاء، والمغاربة يقولون "الزيادة من راس لحمق". هل يتصور المتشبثون بقومية بائدة أن أمريكا ستوقف ساعتها لانتظار مصير نقاش فكري مع مجموعة رافضة للتطبيع؟ هل سيتم إلغاء المصالحة الخليجية لمجرد أن دونالد ترامب غادر البيت الأبيض؟ هل يعقل أن يوجد بيننا من مازال يحلم بإزالة إسرائيل من الوجود؟ هل يعقل أن يتم إلغاء كافة صفقات الأسلحة في العالم لمجرد أن هناك من لا يجيد الحساب؟ لكل مرحلة أسلحتها، ودبلوماسيتها، والدول لا تسير بالعواطف. لذلك، فإن رفع العلم الأمريكي في الداخلة إلى جانب العلم المغربي، لا يمكن قراءته سوى كانتصار دبلوماسي للمغرب، وبداية عهد جديد من التنمية. أما التشبث بالجهل، فلن يزيد الطين إلا بلة، وقديما قال العرب "رأس المال هو عملك، وعدوك هو جهلك"، والفاهم يفهم.