نادية لمهيدي، أستاذة بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، حاصلة على الدكتوراه في علوم الإعلام والاتصال بجامعة باريس الثانية، كاتبة سيناريو، مستشارة دولية في الإعلام والتواصل، اشتغلت مع عدد من المؤسسات الغير الحكومية كاليونسكو والمؤسسة الكندية للتنمية العالمية في برامج لتدريب وتأهيل الصحفيين، كما قدمت مجموعة من الأبحاث حول صورة المرأة المغربية في الإعلام من بينها دليل: "نساء المغرب: قصص نجاح خفية" بشراكة مع مؤسسة "كفينفو" من الدنمارك. لمهيدي تجيب، في هذا الحوار، عن أسئلة متعلقة بواقع المرأة المغربية في الإعلام التي تتجاهل الأدوار الجديدة للمرأة المغربية لتحصرها في الغالب داخل أدوار نمطية من تحضير وصفات الطعام والقيام بالأشغال المنزلية، كما تتحدث حول صورة المرأة "الساذجة" في السينما المغربية، التي غالبا ما يستغلها الرجل "الذكي" من أجل مصالحه، وتتطرق كذلك لواقع الحركات النسائية بالمغرب، بين إنجازاتها وإخفاقاتها... حوار مع امرأة، قضت جزءا كبيرا من حياتها، وما تزال، من أجل أن تصل المرأة المغربية لما يجب أن تصل إليه، على الأقل في أن يبتعد الإعلام عن الإساءة إليها، سواء بقصد أو دون قصد.. في واحدة من ندواته، تطرق مصطفى الخلفي إلى موقع المرأة المغربية كفاعل في الإعلام٬ مشيرا إلى أن عدد الصحافيات بالمغرب لا يتجاوز 27 % من مجموع الصحافيات الحاملات للبطاقة المهنية٬ في حين أن عدد الناشرات لا يتجاوز 3% من أصل حوالي 80 مقاولة صحافية٬ أي بنسبة لا تتعدى 5%، إلى ماذا تعزين هذا الضعف الكبير في تمثيلية النساء داخل الميدان الإعلامي؟ دعني بداية أحدثك عن مفارقة اكبر، تلك المتعلقة بأعداد الطالبات في معاهد الإعلام الذي يفوق بشكل ملفت زملاءهم الذكور و مع ذلك لا ينعكس ذلك على تواجدهن في السوق الإعلامية، حيث انتقلنا في المعهد العالي للإعلام و الاتصال من 0 طالبة حين إنشاء المعهد نهاية الستينات إلى أكثر من 80% من الطالبات في بعض الأفواج خلال السنين الأخيرة، ويحدث أن نجد أنفسنا مضطرين، كلجنة اختبار خلال مباراة ولوج المعهد، أن نلجأ للتمييز الايجابي لفائدة بعض الذكور لضمان تواجدهم في المعهد نظرا لاكتساح الإناث نتائج المباراة. بالرجوع إلى تصريح مصطفى الخلفي، فالأكيد أن التساؤل حاضر بشدة حول التفاوت بين نسب الصحفيات الحاملات للبطاقة المهنية وعدد الناشرات أي رئيسات المقاولات الصحفية اللواتي يستثمرن في مجال الإعلام المكتوب، فحتى المجلات النسائية التي تعنى بالشأن النسائي يديرها رجال. ما يلاحظ، هو أن الرأس المال النسائي يستثمر بالأساس في مجال الخدمات، الصناعة و الصناعات الغذائية، أما الإعلام فلم يجذب إليه بعد استثمارات الرأس المال النسائي. يلاحظ أيضا أن الناشرات المغربيات هن في الأصل صحفيات سابقات قررن خوض مغامرة التسيير و التدبير من خلال الاستثمار في مقاولة جديدة ما دام ولوج المرأة لمراكز القرار في المقاولات الإعلامية يبقى أمرا صعبا ولا يرقى إلى طموحات المرأة المغربية، لذا تظل المواد الإعلامية التي تصل للرأي العام المغربي و تشكل متخيلنا الجماعي ذكورية محضة، و نادرا ما تكون المرأة حاضرة في بداياتها الأولى لبعدها عن الإمساك بزمام القرار الإعلامي. ألا يعتبر الإعلام المغربي مسؤولا عن تقزيم أدوار المرأة في المجتمع، خاصة وأن غالبية مجلات النسائية، تتعامل مع المرأة كجسد وجسم وكفى، حيث تتفنن في تقديم وصفات الطبخ والماكياج وما إلى ذلك من الأمور التي قد تظهر سطحية مقارنات بانشغالات كبرى؟ الإعلام المغربي، بكل أشكاله وأنواعه، يصر على معاملة المرأة المغربية ككائن قاصر يفرض سلطته عليه، فالثيمات التي يتم تداولها بخصوص المرأة لا تكاد تراوح ثالوث الجمال، العنف، الجنس، و ما يجاورها من مواضيع مرتبطة بالدعارة و الشعوذة والاغتصاب، أما الثيمات المرتبطة بالتميز و النجاح وولوج مجالات جديدة والانخراط في أدوار غير نمطية، فنادرا ما نجد مكانا لها على أعمدة الجرائد و في شبكات برامج الإذاعة و التلفزيون. الغريب في هذا الشأن هو ظلم ذوي القربى، أي المجلات النسائية التي أضحت بعيدة جدا عن تموقع المرأة في المجتمع المغربي، فالمرأة المغربية على أرض الواقع، ونتيجة لعملها الدؤوب، تبتعد بسنوات ضوئية عن المعالجة الإعلامية في المجلات النسائية التي بقيت حبيسة تمثلات عقيمة لم تمتط قطار تدرج المرأة في أسلاك الترقي في الوظائف و في الأداء الرياضي ، الاقتصادي، العلمي... مدراء ومديرات المجلات النسائية يبررون هذا الأمر بكون ثيمة النجاح لا تحقق لهم المبيعات المنتظرة، حيث يُخضعون المواضيع النسائية لمنطق العرض و الطلب ضدا على ما تفرضه المسؤولية المجتمعية للوسيلة الإعلامية. إذا كان هذا حال المرأة في المجلات النسائية التي تهتم فقط بالموضة ووصفات الطعام، فهناك كاتبات لهن عدد كبير من المتابعين والمتابعات يدعون المرأة باستمرار إلى أن تكون تابعة للرجل، ويستمدن كلامهن من الشريعة الإسلامية، ما تعليقك؟ يصعب على الخوض في أمور الشريعة الإسلامية، إلا أنني كلما قرأت القرآن الكريم، أجده يخاطب الرجال والنساء سواسية، أكيد بتفاوت أحيانا في الواجبات و الحقوق، إلا أن المرأة حاضرة إذ نجد المرأة تجادل و تحاور وتعبر عن الرأي، أي كلام غير هذا فهو بدعة لا تعبر إلا عن رأي أصحابها و صاحباتها. بالنظر إلى اشتغالك في الميدان السينمائي ككتابة سيناريو، لماذا تصر السينما المغربية والأشرطة والمسلسلات التلفزيونية على تقديم المرأة في دور الضحية، وأن الرجل هو الذي يستغل سذاجتها دائما من أجل إرضاء نزواته الجنسية؟ ألا ترين أن هذه المعادلة تسطيحية مادام الشر ليس ذكوريا بامتياز والطيبوبة ليست كذلك أنثوية بإطلاق؟ تصر الانتاجات الدرامية في غالبيتها على وضع المرأة و الرجل في موضع تضاد و صراع بعيدا عن أية حبكة درامية تعكس شبكة العلاقات بينهما والتي يؤثتها كذلك الحب، الوفاء، والمعاملات التجارية..العلاقة بينهما هي علاقة مد وجزر وعلاقة تفاعلية لا يحكمها فقط الإستبلاد أو الاستغلال الجنسي... الغريب في هذا الشأن أن كتاب السيناريو والمنتجين رجالا ونساء، يشتركون في هذا المس بكينونة المرأة في الدراما المغربية، الكثير منهم يبدو تقدميا في حديثه وشعاراته، إلا أن العكس الذي يحصل خاصة بالنسبة إلى كتاب السيناريو الذين يسيؤون للمرأة بالفطرة إلا من رحم ربي. عمل بيداغوجي ضخم يجب أن يبذل في هذا الاتجاه، لإثارة انتباه صناع الدراما عندنا بهذه الإساءة التي لا يكادون يعون بها، مع ضرورة ذكر أن هناك من يقوم بها مع سبق الإصرار والترصد معتقدا أنها تصنع الفرجة و ترفع من نسب المتابعة. قلت إن السينما المغربية في الغالب تضع العلاقة بين المرأة والرجل في حالة تضاد، وإذا ما تأملنا واقع الانتاجات السينمائية المغربية، نجد أنها نادرا ما تتطرق لثيمات رومانسية، هل المشكل في السيناريو، في الممثل، أم في الثقافة المجتمعية السائدة؟ يجب أن نقر، بكون الدراما المغربية تعاني خصاصا كبيرا في كتابة السيناريو لدرجة أنه يصعب عد كتاب السيناريو على أصابع اليد الواحدة. الإشكال الثاني الكبير في الدراما المغربية هو تكرار نفس الثيمات و عدم استحضار القصص و الحكايات التي تتداول في المجتمع المغربي الحاكي بالسليقة، فواقع الإنتاجات الدرامية يفرز خللا أساسيا متعلقا بتقنيات الكتابة التي غالبا ما تتم بشكل فردي و منعزل بينما الأصح هو الاشتغال على شاكلة ورشات لتلاقح الأفكار و مسائلة المتخيل الجماعي. أما عن ندرة ثيمة الرومانسية في الانتاجات الدرامية، فكلامك صحيح ما دامت هذه الأخيرة تعاني من شح ملحوظ في جرعة الرومانسية، وهو أمر لا علاقة له البتة بالثقافة المجتمعية السائدة، بل مرجعه الاختلال في الكتابة للشاشة، وحتى إن وُجدت مشاهد رومانسية في الفيلم فهي تُكتب برتابة لا نجد لها تفسيرا، كما أن مخرجينا يصورنها بشكل ميكانيكي فظ. صراحة لا أدري سر خصام السينما المغربية مع قصص الحب و العشق، التي تعتبر من المواضيع السينمائية الجميلة والمشوقة المغرية بالمتابعة، ما دامت تعيد الاعتبار لأحاسيس الحب الجميل التي كان شعراؤنا على اختلاف مدارسهم يبدعون في رسمها. تقول الكاتبة المصرية نوال السعداوي إن المرأة العربية تعيش الوصاية منذ اللحظة التي ترى فيها نور الحياة: البداية بوالدها أو أخيها، مرورا بزوجها، وانتهاء بولدها، كل هؤلاء الذكور يضعون شرفها نصب أعينهم، هل تتفقين مع هذا القول؟ يمكن أن نضيف إلى اللائحة التي تتحدث عنها السعداوي: الإعلام و قادة الرأي الذين يصنعهم و الذين ينصبون أنفسهم أوصياء على شرف المرأة. لم يعد للشرف في وقتنا الراهن محددات جنسية، فالشرف يصاغ اليوم بصيغة الجمع أيضا لأنه أضحى أكثر ارتباطا بتحقيق الذات بعيدا عن الالتصاق المرضي بالجسد، وبجسد المرأة بالخصوص. حينما كانت نوال المتوكل تلتهم الأمتار في مضمار لوس انجلس وهي تركض للفوز بأول ميدالية ذهبية أولمبية لامرأة عربية مسلمة، مَن مِن المتفرجين كان يركز على ساقيها العاريتين؟ أظن بأن موضوع الشرف أصبح اليوم متجاوزا ولم يعد الرجل هو من يدود عنه باعتباره محتكره، بل على العكس، الشرف مرتبط بالشخص نفسه ذكرا كان أم أنثى. غالبا ما يتم رمي النساء الحقوقيات بأنهن يستغلن قضية المرأة من أجل منافع شخصية، وكثيرا ما ينظر بحذر إلى الخطاب الحقوقي النسائي الذي يتم ربطه بالعلمانية ومحاولة طمس هوية المرأة المغربية، في رأيك، ما هي أسباب عدم شعبية الخطاب النسائي؟ بداية لا أحد يناقش الدور الهام و الحاسم الذي لعبته الحركات النسائية لخدمة ملف المرأة للوصول للمكاسب القانونية و المؤسساتية التي وصت لها المرأة المغربية والتي تضعها في موقع جد متقدم مقارنة بمثيلاتها في العالم العربي الإسلامي أو على الصعيد القاري. إلا أنه لكل شيء إذا ما تم نقصان، وكبوة الحركات النسائية أن منها من استعمل القضية النسائية للتحايل على التمويل الدولي الذي وضع المغرب في موقع حرج لأكثر من مرة من خلال المبالغ الضخمة التي استخلصت تحت ذريعة خدمة القضايا النسائية والرقي بمكانتها المجتمعية دون أن يتحقق و لو النزر القليل مما تم الاتفاق عليه، إضافة إلى أنه ما أضر كثيرا بصورة الحركات النسائية، هو خدمة الأجندات الحزبية، فهناك الكثير من المناضلات وصلن لمراكز القرار أو صِرن وزيرات، ثم غيّرن خطابهن بين عشية و ضحاها ولم يقدمن إضافات لملفات كبرى كالمناصفة و صورة المرأة في الإعلام... ما هي الحلول لكي تخرج الحركات النسائية من هذه النظرة السلبية؟ أظنها لن تنبثق إلا من داخل هذه الحركات نفسها من خلال توحيد كلمتها بداية بدل التشتت الذي يعطل آلياتها ونجاعتها، ثم مراجعة الذات لاستدراك ما علق بسمعتها واسترداد مصداقيته التي كانت أكبر نقطة قوة جعلتها تحقق المكاسب الكبرى التي تُحسب لها. أليس المشكل في أن أغلب هذه الحركات النسائية تؤمن بالعلمانية، ونحن نعرف أن هذا المفهوم غير شعبي عند المغاربة ويرتبط على الدوام بما سلبي وما يُعتقد أنه تهجم على الإسلام؟ لا يمكن تصور الرقي بقضية المرأة المغربية بمعزل عن مواثيق دولية ومرجعيات كونية مع الحرص على احترامها لخصوصية المرأة المغربية ذات الثوابت العربية والإسلامية التي لا محيد عنها. ما أثر على القضية النسائية بالمغرب هو أن بعض الحركات النسائية أخضعتها لمرجعيات فكرية تستمدها من مسارها الفكري أو العقائدي، الشيء الذي جعلها رهينة بمصادر تمويل بذاتها وبأجندة معينة. صار لزاما أكثر مما مضى خدمة قضايا المرأة المغربية من خلال أجندة مغربية، فالرقي بتموقع المرأة في المجتمع خيار لا محيد عنه من أجل الوصول إلى الحكامة الجديدة التي يتطلع لها المغرب، وعلى قوى جديدة أن تدخل إلى فضاء المجتمع المدني المغربي للإلمام بشمولية القضايا النسائية التي يطغى عليها الجانب الحقوقي، ولا زلت شخصيا أتطلع إلى بروز جمعية نسائية تشتغل على تتبع صورة المرأة في الإعلام و التنبيه إلى التجاوزات الكثيرة التي تبثها وسائل الإعلام بشكل يومي.