كيف يصمت ذلك الصوت الشجي.. وترحل تلك الصورة الطفولية البريئة.. والابتسامة الآسرة.. والروح المسكونة بحب الوطن.. والنفس المعذبة بهموم الناس.. والقلم المارد الثائر.. الذي أخرجه الربيع ليخط بمداده الذهبي كلمات ليست كالكلمات، وينظم قصائد رثاء لحال أمتنا.. ويجعل الوطن يحتفل بالأمل، ونرى شمس الربيع تطلع على أصحاب الكهف.. فتزّاوَرُ عن كهفهم ذات اليمين، وإذا غربت تَقْرضُهم ذات الشمال.. فكنا نحسبهم أيقاظا فإذا هم رقود.. لقد قضّ المارد مضجعهم فأخرجوا "العفاريت" ليعيدوه إلى الفانوس.. لكنهم لا يعلمون أن المارد إذا خرج لن يستطيع أحد أن يعيده.. فهو لم يكمل المهمة التي خرج لأجلها.. وإطلالته الأخيرة لن تكون إلا مع آخر نفس يتنفسه... ستكتبين.. ولن تنتحري.. ولن تقطعي شرايين حبرك، وتتركيها تنزف خيباتك لآخر ورق..لا تحرقي أناملك لأنها تجيد العزف على أوتار الكلمة الحرة.. فاتركي المارد حرا طليقا.. ولا تشاركي في لعبتهم القذرة، في وأد الأمل وزرع الألم.. وحملتهم لإحالة الربيع إلى خريف.. لا تنزلي عن فرسك.. ولا تلق بسلاحك الذي أرعد فرائصهم، وهز حصونهم، لا تترجلي حافية.. حتى تنتهي معركة الكرامة والحرية والعدالة.. ولا تلتفتي خلفك، وانظري فقط إلى أمامك.. إلى الربيع الذي زرعت فيه زهورا لا زالت متفتحة، يفوح أريجها بطيب ندي.. لا تتخلي عن أحلامك، وعنفوان شبابك.. لا تتركي منصبك فارغا إلى جانب صفوة الأقلام والأعلام.. ضم صوتك إلى بشرى الصمود والمقاومة والعزم والإيمان.. "حصار وضغوطات وتمييز وقهر والقلم لا يزال غزيرا عذب المداد، فلا رجوع إلا إلى الأمام، ولا صمت إلا للإفصاح، ولا ركوع إلا لله". خُذي نَفَسًا من هذه الروح الوثابة والنفس الأبية والإرادة الصلبة والإيمان العميق.. فهي وإن كانت شديدة في عتابها.. لكنها تبرّعت بدمها النقي.. لتعيد لجسدك نضارته.. ولروحك الإيمان المتقد بالأمل.. وتطرد عنك الأرواح الخبيثة المرتجفة من قلمك. لا تتركي قلوب معجبيك ومحبيك تتألم من هجرانك وفقدانك.. بعدما عثروا عليك في دهاليز القطب المتجمد.. ووجدوا فيك شمعتهم المحترقة لكي تضيء مناطق العتمة في حياتهم.. أنت إنسانة مؤمنة.. أعيدي شحن بطارية قلبك بالإيمان بالحقيقة الأزلية: لو اجتمعت "عفاريت" الجن و"تماسيح" الإنس على أمر، فلن يصيبنا إلا ما كتب الله علينا.. رُفعت الأقلام وجفّت الصحف...