سيعرف المغرب في 2021 سنة انتخابية بامتياز نظرا لأن جميع المؤسسات المنتخبة ستنهي مدتها القانونية في غضون السنة المقبلة، ويواجه تنظيم هذه الاستحقاقات الانتخابية ثلاثة سياقات بارزة أولها أنها ستجرى في ظل استمرارية تفشي جائحة كورونا وأثرها على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ثانيها هو المستجد الهام المتعلق بقضية الصحراء المغربية وانعكاساته بشكل خاص على تطور البعد الجهوي في الخيار الاستراتيجي للدولة، وثالثها هو قرب تقديم النموذج التنموي الذي اشتغلت عليه اللجنة المكلفة بصياغته منذ تعيينها من طرف الملك في 12 دجنبر 2019. وفي ظل هذه السياقات تتجاوز رهانات الانتخابات المقبلة مسألة تجديد غرفتي البرلمان والمجالس الجهوية ومجالس العمالات والأقاليم والجماعات الحضرية والقروية والغرف المهنية، إلى إفراز مؤسسات قوية تكون في مستوى رفع التحديات المطروحة والمتمثلة تباعا في حسن تنزيل مستجدات القضية الوطنية على مختلف القطاعات الحيوية، ومعالجة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والصحية لأزمة كورونا، وتنزيل فعال وحقيقي لمختلف الأوراش التي ستطرحها رؤية النموذج التنموي الذي تنتظره كافة أطياف الشعب. في مقابل هذا الرهان تبدو العديد من المؤشرات التي تضعف تحقيقه وتصب أغلبها في احتمال تراجع نسبة المشاركة في العمليات الانتخابية المنتظرة، من أبرز هذه المؤشرات رفض بعض القوى المجتمعية لعودة تطبيع العلاقات مع إسرائيل وأثر هذا الرفض على الرأي العام الوطني والمحلي، ثم احتمال تفاقم الوضعيات الاجتماعية جراء استمرار انتشار جائحة كورونا وآثارها السلبية على المزاج العام للمواطن/الناخب، وذلك بالنظر للتطورات الجينية التي يطرحها فيروس كوفيد-19 وتحوره إلى صيغ أكثر انتشارا وفتكا، الأمر الذي سيفرض على أجهزة الدولة اتخاذ المزيد من إجراءات التباعد والحجر والإغلاق بالرغم من توفر لقاحات لم تتضح بعد درجة فعاليتها في إيقاف الفيروس، مما يرجح زيادة في ركود النشاط الاقتصادي والانتاجي وتراجع في نسبة النمو، دون إهمال المؤشرات التقليدية الأخرى التي تؤثر في نسب المشاركة وتلازم المشهد السياسي والانتخابي المغربي في سياقاته الاعتيادية خلال الاستحقاقات السابقة، من قبيل تزايد فقدان الثقة في الفاعلين السياسيين، وانعكاسات التعددية الحزبية السلبية على العرض السياسي والحزبي، وإشكاليات ممارسة السلطة، وغير ذلك من أسباب العزوف التي كرستها المحطات الانتخابية المتتالية. في خضم هذا التدافع بين عدة عوامل متضاربة منها ما يشجع على المشاركة ومنها غير ذلك، يبقى المطلوب هو تحفيز العوامل الإيجابية عبر توفير أجواء التعبئة السياسية وتحويلها إلى ديناميات مجتمعية ستساهم بشكل معتبر في خلق مناخ إيجابي وتهييئ الظروف المواتية للرقي بالعرض الوطني والتحسيس بأهمية المرحلة القادمة بهدف الرفع من المشاركة في كل الاستحقاقات المقبلة لتجسيد الاختيار الديمقراطي باعتباره رابع الثوابت الذي كرسه دستور 2011. فكيف السبيل إلى ذلك؟ في هذا الصدد وبالموازاة مع مشاريع القوانين التي ستحيلها الحكومة على البرلمان في الأجل المنظور تبرز ثلاثة مداخل أساسية لتحفيز المواطنين/ الناخبين على المشاركة في الاستحقاقات القادمة المدخل السياسي: تقوية العرض الوطني والمحلي ينطلق هذا المدخل أساسا من إبراز أهمية تقديم مشروع النموذج التنموي والاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه من طرف كل أطراف العملية السياسية، ومساهمتهما في تقوية العرض الوطني والمحلي بالنظر للنتائج المنتظرة منهما، والتي ستعود بشكل مباشر على كل فئات المجتمع على المدى القصير والمتوسط، فبخصوص النموذج التنموي فهو سيرسم معالم الخيارات الاستراتيجية للدولة المغربية للعقود القادمة، كما أنه سيطرح إعادة بناء أولويات التنمية في المغرب وفق مقاربات تتجاوز الثغرات السابقة وتستفيد من التراكمات الإيجابية التي سجلها المغرب خلال العشرين سنة الماضية (1999-2019) على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبنى التحتية والثقافية والعلاقات الخارجية. كما يمثل، من جهة أخرى، الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على أقاليمه الصحراوية تتويجا لمسار دبلوماسي شاق وطويل وخيار استراتيجي تبناه المغرب منذ اللحظات الأولى تجلى في الاهتمام وإعمار الأقاليم الجنوبية وإدماجها في الخيارات الديمقراطية منذ إجراء أول انتخابات جزئية في 1981 لتمثيل ساكنة هذه الأقاليم في برلمان الولاية التشريعية الثالثة، لتصبح اليوم قبلة للعديد من المؤسسات الاستثمارية ومحل اهتمام جل القوى الدولية التي سارعت لفتح قنصلياتها وتمثيلياتها الديبلوماسية في أفق شراكات استراتيجية ستعود على المنطقة بقيم مضافة على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. المدخل التشريعي: توسيع اختصاصات الجهة ودعم حكامة المؤسسات المنتخبة يرتكز هذا المدخل على مقاربتين، تتعلق الأولى بتوسيع اختصاصات الجهة والثانية بتقوية الحكامة المؤسساتية. فالمقاربة الأولى تنطلق من أهمية المتزايدة للبعد الجهوي في السياسات العمومية بعد الدعم الصريح والواضح من قوة عظمى للمقترح المغربي المتعلق بالحكم الذاتي في أفق التسريع بإيجاد حل نهائي ودائم لهذا النزاع المفتعل، هذا المعطى سيجعل من الانتخابات الجهوية القادمة أحد الرهانات الأساسية في تكريس خيار اللامركزية عبر مؤسسات منتخبة قادرة على النهوض بأوضاع الجهة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية وتنسيق مختلف المخططات الاستثمارية والمشاريع التنموية بين الدولة وشركائها الداخليين والخارجيين، من أجل ذلك يتعين أن تتوفر لدى جميع الأطراف خاصة الحكومة والبرلمان في هذه اللحظة الهامة رؤية مواكبة تعيد النظر في بنود ومواد القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات في اتجاه توضيح وتمتين صلاحيات واختصاصات مجالس الجهات وتوسيعها، خاصة ما يتعلق بالاختصاصات التي يجب نقلها من الدولة إلى مجالس الجهات كالتعليم والصحة والتشغيل والسياحة والبيئة والصناعة. فيما يخص المقاربة الثانية المتعلقة بالحكامة المؤسساتية فيمكن اقتراح جملة من الإجراءات التي تبعث بإشارات إيجابية لكل فئات المواطنين من شأنها أن تعيد ولو جزءا من الثقة في العملية السياسية وتهيئ الأرضيات لتنزيل برامج النموذج التنموي. ولعل البداية تهم توسيع حالات التنافي بين المسؤوليات التمثيلية والاقتصار على مسؤولية تمثيلية واحدة، على غرار النموذج الفرنسي قانون 14 فبراير 2014 الذي حد من تراكم مسؤوليات التمثيلية للوزير أو للبرلماني بخصوص رئاسة جماعة حضرية أو قروية أو رئاسة غرفة مهنية. وفي نفس الاتجاه وبالنظر إلى أن مجلس النواب تمكن في مرحلة كورونا من ضمان استمرارية أدائه التشريعي والرقابي بأقل عدد ممكن من النواب، تبدو إمكانية تقليص عدد أعضائه ممكنة، على غرار تجارب عدد من الدول التي أقدمت على نفس الإجراء كانت آخرها إيطاليا التي قلصت عدد أعضاء الغرفة الأولى من 630 إلى 400 عضو، كما يمكن طرح الاقتصار على اللائحة الوطنية للنساء، وأيضا من الأمور الهامة هي إقرار شروط إضافية تحفز الأحزاب السياسية على تقديم نخب مؤهلة في لوائح ترشيحاتها خاصة في الانتخابات التشريعية والجهوية تنسجم مع طبيعة اختصاصات وصلاحيات البرلمان ومجالس الجهة. المدخل التقني: التصويت الإلكتروني خيار وارد ارتباطا بالوضع الصحي الذي تفرضه استمرارية انتشار جائحة كورونا وتوخي المزيد من الحذر في تنظيم الاستحقاقات القادمة، خاصة في مرحلة الحملات الانتخابية والتواصل المباشر بين المرشحين والناخبين، لذلك يمكن للمغرب أن يتجه إلى تقنين استعمال التقنيات والوسائط التواصلية الرقمية في جميع مراحل العمليات الانتخابية، ولاسيما في عملية التصويت التي تعد أهم محطة تتوج المسلسل الانتخابي، وأذكر في هذا الصدد التصويت الإلكتروني عن بعد الذي سيساهم حتما في الرفع من نسبة المشاركة، بالرغم مما يطرحه من تحديات من أبرزها تأمين منصات التصويت الإلكتروني عن بعد من الاختراق، والاحتفاظ بقاعدة بيانات تتثبت مادية التصويت، والتقيد بالمقتضيات الدستورية المتعلقة بسرية التصويت وضمان دقة ونزاهة وشفافية العملية الانتخابية في كافة مراحلها. ومن شأن هذه التقنيات والوسائط الرقمية توفير منصة تفاعلية حديثة لدعم الدعاية الانتخابية لمختلف المترشحين وتمكنهم من الوصول إلى الناخبين وطرح أفكارهم وبرامج أحزابهم، كما ستمكن مختلف الناخبين من التعرف على لوائح المترشحين وإمكانية التصويت سواء في المراكز المعدة لذلك أو عن بعد. وفي هذا السياق يشير تقرير الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات لسنة 2017 أن عدد المشتركين في خدمة الانترنيت المتنقل وصل إلى 21 مليون مشترك، وأن 86% من المواطنين يتوفرون على هواتف ذكية، ما يعني أن نسبة كبيرة من المسجلين في اللوائح الانتخابية باستطاعتهم الانخراط في عملية الانتخابية الإلكترونية، وبالنظر إلى حتمية ارتفاع هذه النسبة بحلول سنة 2021 سيطرح البعد الرقمي في الانتخابات المقبلة كخيار مهم في الرفع من نسبة المشاركة. ومن خلال تجارب دولية عديدة اعتمدت التصويت الإلكتروني سواء على مستوى مراكز التصويت أو عبر التصويت الإلكتروني عن بعد (هولنداوكنداوإيطاليا وألمانيا وسويسرا وفرنسا مؤخرا…) أثبتت جل التقارير الصادرة بعد المحطات الانتخابية أن التصويت الإلكتروني ساهم في الرفع من نسبة المشاركة (كندا على سبيل المثال حينما اعتمدت التصويت الإلكتروني عن بعد في 2003 سجلت زيادة 20% في نسبة المشاركة)، لذلك يمكن للمغرب أن يخوض في الانتخابات القادمة تجربة التصويت الإلكتروني سواء في مراكز التصويت أوعن بعد بفضل الجهود المبذولة لمواكبة الرقمنة، وذلك منذ إقراره للعديد من القوانين ذات الصلة وإحداثه للعديد من المؤسسات التي تعنى بتكنولوجيا الاتصال والرقمنة، منها على سبيل المثال الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات في 1998 بموجب القانون 24.96، ووزارة الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي، ووكالة التنمية الرقمية، وترسانة قانونية متقدمة منها القوانين 09.08 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية و53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية و05.20 المتعلق بالأمن السيبراني، وآخرها مشروع قانون 43.20 المتعلق بخدمات الثقة بشأن المعاملات الإلكترونية الذي لا يزال قيد المسطرة التشريعية بمجلس المستشارين.