ليس يخفى على كل ذي بصيرة، أن الإنسان الواعي في هذه الدنيا يكون بين موقفين: فإما أن يكون عالما أو متعلما، والعلاقة التي تربط بين العالم والمتعلم هي العلم، رباط رفيع المستوى، وعالي المكانة. ولما رأيت فضل العلم، وشرف صاحبه، ومكانته في الدنيا والآخرة، أحببت أن أوجه هذه الرسالة إلى كل طالب علم لينتفع بها، ويجتهد في توطيد علاقته بأستاذه بما يتناسب ورفعة العلم، فتعلو بذلك همته في تحصيل العلم وإتقانه، ويعمل بما تعلم؛ إذ العمل ثمرة العلم، وخير العلم ما نفع صاحبه. فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سَلُوا اللَّهَ عِلْمًا نَافِعًا، وَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ» (سنن ابن ماجه، حديث رقم: 3841). أي طالب العلم ! إذا تأكدت حاجتك للعلم، وعلمت أن العلم لا يؤخذ ابتداءً من الكتب، بل لابد لك من أستاذ تتقن عليه مفاتيح الطلب، لتأمن من الزلل، فعليك إذاً بالأدب معه؛ فإن ذلك عنوان التحصيل والفلاح في الدنيا والآخرة. وأنت حين توقر معلمك فإنما تطيع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتلتزم بشريعة الإسلام التي أوجبت عليك ذلك، فطاعتهم ليست مقصودة لذاتها، بل هي تبع لطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ (سورة النساء، من الآية 59(. أي طالب العلم ! إنك خُلقت في زمن التيه والتمرد، زمن تغيرت فيه المفاهيم!! وتحطمت القيم، وانقلبت الموازين!!..فالصواب أصبح خطأ !والتواضع غدا ضعفا! والانحلال صار حرية! فإذا أردت أن تنتفع بتجربتي، فاحذر كل الثقافات الدخيلة، والشعارات الزائفة. والزم الحق والصدق والعدل قولا وعملا، تَفُز برضا ربك ومحبة نبيك عليه السلام، وتنل عطف أستاذك. ولئن كان أستاذك خلوقا متواضعاً معك، لما يعرفه عن حقيقة الإنسان، فعليك أن تحمل في قلبك له التقدير والامتنان . وليكن محل إجلال منك وإكرام وتقدير، فقد قيل: إن المعلم والطبيب كليهما لا ينصحان إذا لم يكرما واعلم أن الشافعي -رحمه الله- عُوتِب على تواضعه للعلماء، فقال: أهين لهم نفسي فهم يكرمونها ولن تكرم النفس التي لا تهينها. وإذا كان أستاذك مضحياً بوقته وباذلاً من جهده، فعليك أن تثابر وتجاهد نفسك، حتى تنال حظك من العلم، وتبلغ المجد. لا تحسبن المجد تمراً أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تَلْعَقَ الصَبِرَا فاصبر وصابر، فصبر طالب العلم إلى نهاية العمر. قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (سورة آل عمران، الآية 200). وإذا كان أستاذك يحترم شخصك، ورأيك وإمكانياتك، ويتيح لك فرصة التعبير عن قناعتك، فعليك أن تكون عند حسن ظنه المربي، مبادراً في كل عمل إيجابي، لبقا عند طرح آرائك، متجنباً الإكثار من السؤال لا سيما مع شهود الملإ؛ فإن ذلك يوجب لك الغرور وله الملل، ولا تناديه باسمه مجرداً، بل قل: يا أستاذي. أي طالب العلم ! إني لأحبك، وأرجو صلاحك وفلاحك، فأصلح سريرتك يصلح الله علانيتك، والزم كتاب ربك وسنة نبيك عليه السلام؛ فإن فيهما صلاح نفسك، ونقاء قلبك، وسمو أخلاقك، ونبل عواطفك، وفلاحك في الدنيا والآخرة. أسأل الله لي ولك التوفيق والسداد، آمين .. آمين .. [email protected]