إن الوضع السياسي المغربي بعد دستور 2 يوليوز 2011 وما تلته من انتخابات تشريعية جعلته سياسيا في منزلة ما بين المنزلتين: المنزلة الأولى: مرحلة ما بعد الانتخابات التشريعية: فالحكومة الحالية عجزت عن تفعيل الدستور وهمشت في البداية المرأة أثناء تشكيل الحكومة وبعدها الأقلية التي أعطاها الدستور الجديد مشروعية ممارسة الرقابة الفعلية في تدبير الحكومة لسياساتها ونشر الخروقات، التي تمارسها أمام مؤسسات الشعب والإعلام بكل صوره، لكن الصراعات الداخلية للأحزاب، والتي وقعت بسبب ممارستها للديمقراطية داخل أحزاب الأقلية والأغلبية، جعلت البعض منها يترك الباب مفتوحا لانفراد الحكومة بالقرارات الهامة، وجعل بعض أحزاب المعارضة مغيبة في بعض الأحيان، بسبب صراعاتها الداخلية لممارستها الديمقراطية الداخلية التي سادتها كمرحلة انتقالية، فاستفادت الأغلبية من هذا الوضع، وعملت على تكريسه، بإثارة سيل من التهم، الى بعض رموز قيادات الأحزاب، وأصبحت الحكومة، تعطل الدستور، تحت ستار أنها ملكية، أكثر من الملك، في حين أنها كانت في المعارضة، كانت تطمئن الشعب المغربي بأنها من المدافعين على الشرع والسنة وتطبيق القانون، وعلى اعتبار أن الله والوطن والملك، لهم لوحدهم دون غيرهم، في حين، ان هذه المبادئ، حقوق مشاعة لكل المغاربة، ولا يمكن لأي مؤسسة او شخص، ان يدعي بأنه ملكي أكثر من الملك، وانه أكثر حبا لله والوطن، لكون ذلك يعد مزايدة سياسة ليس الا. لان المغاربة وبدون استثناء، جبلوا على هذه المبادئ منذ خمسة عشر قرنا، وان محاولة الانفراد بها كمطية لممارسة الاستبداد، وكمطية للانفراد في ممارسة السلطة، وتعطيل للمؤسسات الدستورية، التي أتى بها دستور 2011، وتجميد العمل بالدستور عن طريق التسويف، والتعطيل، وجعل الشعب المغربي ينتظر انطلاق العمل بالدستور، الذي أتى مقرا بكل المكونات السياسية والمدنية، من نقابات وهيآت مهنية وهيآت المجتمع المدني وأحزاب سياسية غير ممثلة والتي يمكن تصنيفها في موضع ما بين الأغلبية والأقلية حسب الدستور. إن الحكومة الحالية تحاول إقبار باقي المكونات السياسية، وجمعيات المجتمع المدني، وباقي الهيآت والنقابات، بعدة طرق، وذلك اما عن طريق الإقصاء، مرة، والتهميش مرة أخرى، واستدعاء البعض منها، دون الآخر مرة أخرى، متذرعة بأساليب عدة، مرة بدعوى ان تلك المكونات لا تتوفر على التمثيلية داخل البرلمان او مجلس المستشارين، او أنها لا تتوفر على أي وجود تمثيلي أو أن وضعيتها المادية غير سليمة، أو أن الوضع القانوني غير سليم، وكأنها لا تتوفر على وجود حقوقي، أو قانوني، ضاربة عرض الحائط ما أقره الدستور من تساوي في الحقوق، ما بين كافة المكونات السياسية والمهنية وهو ما حد من الإرادة السياسية التي يتشبع بها روح الدستور الجديد، والذي جعل الحرية والديمقراطية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الركائز الأساسية للمغرب الكبير، والذي هو نفحات الدستور الجديد، وإشعاعا لظهور المجتمع المدني وباقي المكونات السياسية الذي يتبناه كمبدأ عام، شعاره المساواة ما بين الجميع، فلا فرق بين ذكر وأنثى، وكائن كبير وصغير، أو مسيحي و يهودي، و مسلم، ومؤمن، وأمازيغي، وعربي، وصحراوي، وريفي، وجبلي، وموريسكي، إلا بالعمل الصالح والتقوى "إن أكرمكم عند الله اتقاكم" كما قال الله سبحانه وتعالى وكما كرسته المواثيق الدولية. وإذا ما كانت بعض دول الربيع العربي قد تعرضت فيها بعض الشخصيات السياسية للاغتيال، فان الحكومة في المغرب قد عطلت النصوص الدستورية وأجلت تفعيل مقتضياته هذا من جهة، ومن جهة أخرى تحاول اغتيال المكونات السياسية والمهنية ووأدها تارة باسم الله، وتارة بكونها ملكية أكثر من الملك، وتارة أخرى بكون الوطن لها وليس لغيرها، وان إصلاحه لا يتطلب مكونات سياسية، لا تتوفر على التمثيلية البرلمانية، وكل مكونات المجتمع المدني لان الأغلبية والأقلية يكفيان، وهنا ينبغي على باقي المكونات السياسية، وباقي مكونات المجتمع المدني، أن تلجأ الى التحكيم الملكي بسبب تعطيل المكتسبات التي انفرد بها المغرب في إطار التحول الديمقراطي الذي عرفه العالم، وبمباركة من أمير المؤمنين، الذي كان سباقا، وقائدا، لحمل مشعل التغيير، وحاكما، اجتمعت على يده كل المكونات، من اجل الإنصاف، والعدل بين كافة رعاياه، إن لنا في المؤسسة الملكية، التي حكمت المغرب، لخمسة عشر قرنا. اليد الطولى، للحد من التهميش، والإقصاء، ورد الحقوق، لكل المكونات السياسية والجمعوية، لان المغرب للجميع، وليس للأغلبية والأقلية، واللتان لا تمثل كل المغاربة، وان الملك مؤسسة تحتضن كل المغاربة، وهو المثل الأسمى والشعار الخالد. المنزلة الثانية: مرحلة ما بعد تشكيل الحكومة. لقد استبشر المغاربة خيرا بصعود وقيادة حزب العدالة والتنمية للحكومة، لكن ذلك بدأ يتبخر بتسويفهم للأماني، حيث قال الله عز وجل في حديثه القدسي "ليس الإيمان بالتمني، وإنما ما وقر في القلب وصدقه العمل" فالشعب المغربي في حاجة ماسة الى الشغل، والى إصلاح العدل والتعليم، وتطوير وتنمية القطاعات الأساسية، ورفع القدرة الشرائية للمواطنين، والقضاء على الفساد، وإشراك الشعب وتحسيسه بالتغيير، الذي أتى به الدستور، وإخراج الجديد الى ارض الواقع، دون مزايدات سياسية وخطابات فارغة، إن الأغلبية تتوفر على السلطة، لإخراج وتنزيل مقتضيات الدستور على ارض الواقع، وان أسلوب التماسيح والعفاريت، ما هو إلا أساطير الأولين، أكل عليه الدهر وشرب، وباعتبارنا احد مكونات هذا الشعب فإننا نشجب هذا الأسلوب، ونحمل الحكومة مسؤوليتها التاريخية، في تسويف الشعب المغربي، في تنزيل مقتضيات الدستور، بالهروب من تطبيقه بذرائع واهية. أصبح من الضروري على الأقلية وباقي المكونات السياسية والمهنية وجمعيات المجتمع المدني، أن تتقدم بطلب التحكيم الملكي. ان التحول الديمقراطي، الذي ظهر مع الربيع العربي، أفرز جوا ديمقراطيا، جعل المكونات السياسية، الغير الممثلة، وباقي الهيآت المهنية، وجمعيات المجتمع المدني، وجودا دستوريا يفرض ضرورة الحضور في كافة المحطات، وان تغييبها غير قانوني، وأن حزب الاتحاد المغربي للديمقراطية قد تم تغييبه في كافة المحطات الاستشارية والإصلاحية (كملاحظ) وباعتباره احد المكونات السياسية للمجتمع المغربي، فانه يتقدم الى الملك، بطلب إعادة الانتخابات التشريعية والجماعية والجهوية من جديد، لإيقاف المسلسل التسويفي، والتعطيلي، للديمقراطية الاقتصادية والاجتماعية، والتي هي نبراس الدستور، والتي تقتضي إشراك جميع مكونات المجتمع المغربي من أحزاب ونقابات وجمعيات المجتمع المدني ...