تناقل المغاربة عبر مواقع التواصل الإجتماعي فيديو لشاب مغربي وهو يبكي حرقة على الحال الذي وصل إليه المنتخب المغربي لكرة القدم،بعد أن تلقى هزيمة مذلة أخرى أمام بلد افريقي مغمور في اللعبة اسمه تانزانيا. بكاء هذا الشاب المغربي الذي انتابه شعور بالمهانة و الذل كما كل المغاربة الغيورين على بلدهم و سمعته و تاريخه،جعلني أتذكر حكاية كانت الجدات المغربيات يحكينها لأحفادهن كي يناموا بسلام، وهي حكاية المنتخب الوطني المغربي و ما تزال هذه الحكاية لم تنس بعد و لله الحمد حتى هذا اليوم. تقول الحكاية أن المنتخب المغربي لكرة القدم قطع شوطا لا بأس به نحو الحضيض، وتمكن من تسجيل خطوة جد محترمة في طريقه للخروج من التاريخ الرياضي الكروي نهائيا وإلى غير رجعة إن شاء الله..و بالتالي لن يعود هناك نقاش بأن هذا المنتخب المحترم لم ولن تقوم له قائمة أبدا، ليس على المستوى العالمي فحسب بل على المستوى الإفريقي أيضا. من المضحك المبكي في آن واحد أن فرقا مغمورة من خارج التاريخ باتت تنزل بهذا الفريق أشر هزيمة وكأن لاعبيه في قارعة الملعب، مجرد ديكور لا يحرك ساكنا ولا يسكن محركا. من المضحك المبكي أيضا أن هناك دول لا تجد حتى خبزا تطعمه لشعوبها،لكنها تنزل بفريقنا هزائم كروية نكراء،و لم تبقى غير الصومال لم تفز علينا مع احترامي لهذا البلد الذي بدا يتعافى من الحرب. و من المضحك المبكي كذلك أننا أصبحنا على قناعة بأنه بأنه لو كانت هناك مقابلات بين منتخبنا المغربي و بعض أصغر الأندية في أدغال أفريقيا ، لمني فريقنا بما تيسر وتعسر من نوافل الهزائم. و لعل ما يثير في نفسي خليطا من الخجل والضحك هو لقب "أسود الأطلس" الذي ألصقه بعض المغفور لهم بهؤلاء الفتية المساكين و هم اصبحوا عاجزين حتى عن تحقيق تعادل أمام فريق من اليرابيع أو الضفادع فكيف بالحديث عن الأسود ؟ اثنان فقط أساءا كثيرا للأسد في هذا العصر،الرئيس السوري باسمه "الأسد" و هو يفترس أحشاء شعبه،و المنتخب المغربي باسم "الأسود" و لاعبوه في الواقع يموؤون كالقطط. سامحكم الله يا مخترعي هذا اللقب الميمون.. ماذا أصاب هذا الفريق؟ أحيانا يبدو قويا في بعض المباريات الودية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولكن ما إن ينزل إلى ميدان النزال الجاد حتى ترى فرائص أسد الأطلس ترتعش وكأنه يرقص على هارلم تشيك. أعتقد أن للتربية السياسية و الوطنية علاقة بما يحدث في ملعب ما يسمى كرة القدم.. وهذا ما يدفع اللاعب ميدانيا لإبداء نوع من الأنانية في التعاطي مع الكرة. بل و قد تبلغ به النرجسية حدودا يضيع فيها فرص الفوز،فقط لإرضاء الرغبة الفردية الهائجة في أن يسجل الهدف بنفسه، دون أن تشوبه مشاركة من أحد سواء كان من داخل الملعب أو خارجه. هذه الرغبة الفردية في الواقع ليست نابعة من الذات بشكل خالص، ولكن جزءا كبيرا منها نابع من عقيدة اللاعب تجاه الجمهور، فهو يعتقد بأن الجمهور لن يعطيه أي اعتبار في حال ما إذا لم يكن هو صاحب الهدف بشكل مباشر. و لا عجب أن نجد بعض اللاعبين يواجهون صعوبات نرجسية كبيرة في مشاطرة الكرة مع زملائهم داخل الملعب، لأن كل واحد منهم يفضل أن يسجل الهدف بنفسه، لأنه ببساطة يدرك بأن جمهوره لا يعرف بعد كيف ينظر إلى الفريق على أنه كيان اجتماعي واحد متكامل، بل يدرك جيدا بأن هذا الجمهور "الخرف" له نظرة تحليلية إلى الفريق الكروي، أي أنه لا يرى داخل الميدان إلا مجموعة من الأفراد. وعندما نقول مجموعة من الأفراد فهذا يعني أن هناك ما يجعل كل واحد منهم مستقلا عن الآخر حتى داخل الميدان وحتى والجميع يسعى لتحقيق هدف واحد يعود بالفائدة المعنوية والمادية على الجميع. وبالرجوع إلى أسودنا أود القول بأن التسيير قد ارتكب خطأ تاريخيا من وجهة نظري حينما أقصى المدرب الوطني بادو الزاكي، وأعتقد أن معنويات اللاعبين و حتى الجمهور كانت حينها في خط تصاعدي في عهده، رغم أنه لم يلبث إلا عشية أو ضحاها قبل أن يلقى به إلى خارج الملعب. لنكن واضحين و نسمي الأشياء بمسمياتها..من يعرف المستوى الذي بلغته الرشوة والفساد المالي في المغرب لن يجد صعوبة في التخمين بأنه ربما تكون هناك مؤامرة في شكل صفقات واتفاقيات وعادات سرية بين بعض المسيرين وهؤلاء المتداربين الأنصاف، لاسيما الأفشلين من عيار المشؤوم "غيريتس" خيب الله ثراه،و "الطاوسي" الذي انتظرنا أن ينفش ريشه فإذا بالفرق المغمورة "تريشه" بكل سهولة و دون مقاومة. لا أستبعد مثل هذه الأمور لأنني أعرف مستوى الفساد وثقافة الرشوة والأنانية ومختلف الأمراض الأخلاقية التي تسود بعض أنصاف الأميين القائمين على شؤون الوطن و المواطنين. و أبدأ من الموظف البلدي وهلم بلادة إلى ما شئت من الطبقات، خاصة وأن التوظيف في هذه أو تلك المجالات لا يأتي وفق معايير الكفاءة بل وفق معيار واحد وهو مدى وقوفك وقعودك مع المرشح المحلي ل"شياخة" البلدية أو المقاطعة الخ.. فإذا كان "نباحك" أثناء حملته الانتخابية، قد بلغ عنان السماء الدنيا فلا شك أنك ستصبح موظفا مرموقا حتى وإن كنت تواجه كل الصعوبات في كتابة اسمك، لأن خدمة المواطن هي آخر ما يمكن أن يفكر فيه المسؤول النمطي في هذه البلدان التعيسة كما يعرف الجميع. لست هنا للقول بأن باقي الدول عبارة عن مدن فاضلة، ولكن بصدد الحديث عن هذا المغرب بلدنا الذي نحبه و نعشقه و نريد لرايته ان تكون خفاقة عاليا،و عليه نقول إن الفساد والرشوة والقهوة و "اللقوة" قد بلغت فيه سدرة المنتهى. وهذا كله ينصهر ويصاغ منه مسخ رياضي يطلقون عليه "المنتخب الوطني المغربي"، لا بل يطلقون عليه "أسود الأطلس" كما قلنا. الخلاصة أن كل ما يرتبط برياضة كرة القدم له ارتباط وثيق بالظواهر السلبية التي تعشش في البلاد،و بناء منتخب وطني مغربي قوي و صلب لا يبدأ من البحث عن مدرب و لا عن لاعبين و لا عن تربص إعدادي و لا من "زعتر"..بل من اجتثاث الفساد و المفسدين من منبعهما. و مادام لم يتم ذلك فلن يكون لنا منتخب مغربي كما نريده أن يكون..حتى و لو "ريشنا" الطاوسي. * صحافي و إعلامي مغربي مقيم في باريس