كل ليلة أحاول أن أكتب شيئا. أهيئ نفسي لهكذا حدث مهم. أشتري رزمة أوراق بيضاء و قلما أسود وأحضر فنجان قهوة وأظل أنتظر ذهاب كل من في المنزل إلى النوم، فعندها فقط يسود صمت جميل أختلي فيه بأوراقي وأمارس معها طقوس عشق من نوع خاص. غالبا لا يحدث ذلك إلا بعد منتصف الليل، ولكني في كل مرة أنام دون أن أكتب شيئا. ليلة البارحة أردت أن أكتب قصيدة، فأبى الشعر أن يطاوع رغبتي. تذكرت كلام صديقي محمد سعيد وهو يكيل لي الإهانات دون أن يقصد: هذا ليس زمنا للشعر، فبالأحرى أن يكون زمنا لشعر الغزل والحب والهيام. لماذا لا تفعل مثل عبد الواحد وتكتب قصصا قصيرة؟! سامحك الله يا محمد سعيد، بسبب كلامك مزقت الورقة وهي حامل في شهرها الأول بقصيدة أنثى كان مطلعها يقول: امتهني الحب واعشقيني.. ما الذي تنتظرينه لتشعلي حرائقك وتشعليني.. كسرت القلم وكدت أمزق كل ما كتبته قبل ذلك من قصائد وأشعار. ولكني لم أستطع، كنت سأمزق ذاتي وأسقط ممالك عشقي وأهدم قصور أميراتي، ولذلك نمت. نمت دون أن أكتب أي شيء. حقيقة لا أفهم هذا الرفض للشعر، حتى أنه يخيل إلي مرارا أنني أعيش بين السحب وحيدا. لا أستطيع أن أفهم هذا التنكر وهذا الجحود لأجمل وأرقى ما في حياتنا. الشعر هو الخير والجمال، هو المرأة والحب والغناء، هو الطهارة والصفاء، هو الربيع والعصافير والفراشات وقوس قزح. الشعر هو ذاك الذي يأتي ولا يأتي، هو الحلم والأمل، هو الإبداع... ولا يهم بعد ذلك في شيء أن يكون هذا الإبداع قد كتب نثرا أو تفعيلة، كما لا يهم في شيء أيضا أن يكون المبدع مثقفا أم لا، والمثقف مبدعا أم لا. باستطاعة الشاعر أن يبدع في الرسم ويكتب المقالة والقصة ويؤلف رواية، وبإمكانه أن يدلو بدلوه في النقد والفلسفة لكن من النادر أن نجد العكس. أنا لا أعيب على أحد سوء ذوقه إن كان لا يتذوق الشعر، ولكني أعيب عليه سوء ظنه وجهله إن كان لا يفهمه فيرفضه متعللا بالزمن. فعلا، هذا زمن الزيف والعيش بالمزمار والدف كما قال أحمد مطر في مدخل لافتاته، ولكن الشعر سيبقى حاضرا ومعاصرا لكل الأزمنة. أيها الشعر معذرة إذا لم تنتفض الحبيبة لكلماتي.. ولم تعلن للعالم عشقي لها وغرامي. أيها الشعر معذرة إذا لم يتذوق القارئ قصائدي.. ولم يشتر مع الخبز دفاتري. *كاتب وصحافي [email protected]