هل يمكن أن نتصور من ناحية نظرية ،سياسة عمومية في مجال المجتمع المدني؟ ما الذي يمكن للمشرع و للقرار السياسي و للقانون وللدولة ،ان يفعلوه في مجال هو بالتعريف مجال المجتمع، المبادرة ،الحرية،والمواطنة؟ شرعية هذه الأسئلة ،مستمدة من سياق إطلاق الحوار الوطني حول المجتمع المدني ،و ما رافق ذلك من إختلافات معلنة ،بين مجموعة مهمة من الجمعيات ،و بين الحكومة ،حول منهجية التحضير و الاعداد. و الواقع ان سوء الفهم الكبير،بين الحكومة و المجتمع المدني، -ربما - يتجاوز قضية الأسماء و الثمتيليات الجمعوية،إلى مسألة أعمق -تحتاج الى نقاش داخل اللجنة المنصبة و خارجها- ألا و هي التصور الأولي الذي تحمله الحكومة لدورها في مجال المجتمع المدني ،و هو تصور يبدو أنه يحمل الى حد الأن ارهاصات أولية لنزوع نحو عودة منطق الوصاية،و لدينا مؤشرين على الاقل لذلك: المؤشر الأول،يرتبط بالخطاب الهجومي،غير المفهوم،الذي طورته حكومة ذ.عبدالاله بنكيران،على المجتمع المدني،خاصة في بداية ولايتها،حيث لأول مرة في تاريخ المغرب ،أصبح المجتمع المدني ،رديفا -غريبا-لمقالع الرمال،و رخص الصيد في أعالي البحار،و امتيازات العقارالعمومي!،و أصبح وزراء الحكومة لايتحدثون عن الجمعيات ، إلا لإتهامها بسوء التدبير،و غياب الحكامة،وعدم شفافية التمويلات،و طبعا كان منتهى هذا الخطاب المتحامل ،و غير المتناسب مع الحقيقة و مع التاريخ،هو الإعلانات التي لاتخلو من سوريالية عن لوائح دعم الجمعيات،في قياس غير موفق مع لوائح المأذونيات في قطاع النقل الطرقي،و في استبطان واضح لخلفية الربط التعسفي، بين العمل الجمعوي ،و الالتزام المدني ،و بين "الفساد" . المؤشر الثاني ،يتعلق بالمرسوم الصادر في يناير الماضي،و المتعلق بتحديد إختصاصات و تنظيم الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان و المجتمع المدني .لقد أضفى هذا النص المزيد من الغموض حول تصور الحكومة لسياستها تجاه المجتمع المدني،حيث أناط بهذه الوزارة مهمة"السهر على تعزيز حكامة(جمعيات المجتمع المدني)و تتبع و مواكبة نشاطها"و"اعداد السياسة العمومية المتعلقة بجمعيات المجتمع المدني و المنظمات غير الحكومية المهتمة بقضايا الشأن العام بتنسيق مع باقي القطاعات الحكومية". ان المرسوم،و هو يتحدث عن تعزيز الحكامة،و التتبع و المواكبة،لا يبدو منتبها للحدود بين تدبير سياسة حكومية في مجال المجتمع المدني،و بين تقمص دور الوصي و الرقيب على ديناميات مجتمعية حرة و مستقلة،غير قابلة للتنميط و النمذجة ،و الخضوع لأجندة الحكومات ،لانها في الأصل سلطة مضادة ،لاتشتغل الا في وجود الحرية كأصل،وكمنطلق . ان الخطاب ،اليوم،حول المجتمع المدني ،اذا كان يريد أن يكون مطابقا للحظة التاريخية،و للمرحلة التي تعرفها بلادنا في مسار بنائها الديمقراطي،لابد أن ينطلق اساسا،من تثمين التجربة الجمعوية المغربية في مجالات الديمقراطية،حقوق الانسان ،المواطنة،المساواة ،الثقافة ،التربية،و التنمية الاجتماعية والمحلية..،وبالتالي تحصين مكتسبات الفعل المدني ،والبحث عن تعميق فضاء اشتغاله بحرية اكبر ،و تقييدات إدارية أخف،و سلطوية اقل. وهنا فان التسليم -جدلا-بإمكانية تصور المجتمع المدني ،موضوعا للسياسة العمومية ،بأجندتها و فاعلوها و أهدافها ،لا يستقيم إلا بالحذر الواجب الذي يحتم إدراك تمفصلات العلاقة بين سياسات الحكومة في مجال المجتمع المدني ،و بين الانطلاق من مرجعية حاسمة و محددة ،ألا و هي مبدأ الحرية وقاعدة الاستقلالية،لانه لايمكن تصور مجتمعا مدنيا جديرا باسمه دون افتراض مسألتي الحرية و الاستقلالية،كمسألتين يشكلان هوية وظيفة ،و بنية ،هذا المجتمع المدني. خارج هذا التمييز المنهجي في بناء منطلقات هذه السياسة،فان الانزلاقات نحو النزوع الهيمني للحكومة ،و العودة الى منطق الوصاية على تعبيرات المجتمع،و الرغبة في التحكم فيها بخلفية ايديولوجية،تبقى واردة بقوة.