في احتفالاتها بخمسينية "الاستقلال الذي حل أو رحل المهم أنه مر بسرعة" بتعبير محمد فلاك الكوميدي الجزائري المنفي في فرنسا. هلل مسؤلو الاعلام لدى الدولة الجزائرية لتمكنهم من استرجاع 100 ساعة من أرشيفها السمعي البصري الذي ظل حبيس بناية المعهد الوطني للسمعي البصري بفرنسا INA. لمن يع قيمة الزمن التلفزيوني الذي يقاس بالثواني وأجزائها سينظم الى أصوات المهللين بالنصر المبين لوزارة الاعلام الجزائرية، لقد تمكنت هذه الدولة - في انتظار انتزاع الاعتذار عن عقود الاحتلال الفرنسي - من استعادة رصيد مهم من تاريخها، وبعقلية البروباغندا الممجدة للمجاهدين، اتشح التلفزيون الجزائري بلون الفضة أثناء الاحتفالات بذكرى مرور 50 سنة على استقلال الجزائر، نسبة مهمة من الصور التي بثها هذا التلفزيون كانت ضمن المئة ساعة المستعادة من فرنسا والتي غطت بالصوت والصورة سنوات الاحتلال الى مابعد 1962 تاريخ الاستقلال. في المغرب، ما يزال الغموض يكتنف مصير ارشيفنا المنفي، مثله مثل الكثير من اللبس الذي صاحب معاهدة اكس ليبان في مجموعة من بنودها، سادة الاعلام في بلادنا لم يسلكوا بعد مسلك اهل الجزائر، لم يطالبوا بأرشيفنا المسموع والمرئي من الأم فرنسا، وإذا حدث واستعادوه سرا، فلماذا لم يجد طريقه الى البث التلفزيوني والاذاعي خلال الاحتفاء بمناسباتنا الوطنية وما أكثرها؟ لماذا يقتصر هذا الاحتفاء على صور مكررة افتقدت مع حالات العود لعنصر التشويق الذي يصاحب عادة مثل هذه الانتاجات؟ مرة أخرى تكون شبكات التواصل الاجتماعي خير أنيس لمن تتحكم فيه نوستالجيا الماضي؛ عبر قنوات يوتوب وديلي موشن وغيرها من الوسائط كثير، يمكن الاستجابة لبعض من النهم التاريخي لفئة تحاول اقتفاء أثر المغرب قبيل وأثناء وبعد الحماية الفرنسية، مجرد نقرات بسيطة على النت كفيلة بالاطلاع على صفحات من تاريخنا المنفي وأحداثه المنسية أو التي أريد لها أن تنسى!!: حقبة الجوع المتداولة باسم "عام البون"، لقاء أنفا بين قادة العالم آنذاك، طقوس بيعة السلاطين، الاضطرابات السياسية والاقتصادية والاجتماعية على عهد الاستعمار، مرحلة الاستقلال ومحطات التفاوض التي لم تقف كتب التاريخ الرسمي الا عند محطة واحدة هي اكس ليبان، فترة مخاض وميلاد المغرب المستقل صوتا وصورة، حركة القبائل وصورة عدي أوبيهي بسلهامه قرب بلدته "كراندو" وهو يلمح تمرده على سطوة حزب الاستقلال ينهار كقطع الدومينو، " موغا" الفرنسي عراب الهجرة نحو الشمال وتصدير المغاربة من ذوي السواعد لبلدان أوروبا قصد اعادة اعمارها وترميم ما تصدع من أبنيتها إبان حروبها الكبرى، حرب الرمال مع الجارة الجزائر، محاولات الانقلاب وفشلها وما تبعها من خرجات اعلامية كاريزماتية للحسن الثاني... كل هذه الأحداث لم يتناقلها المغاربة الا سمعا، عبر حكايا الجدات قرب مواقد النار في ليالى الشتاء الطويلة، أو على لسان الكهول بجوار المساجد فيلحظات انتظار الاذان، الى أن جاءت حقبة العفريت الأزرق " الانترنت" ليتم الانتقال بتاريخ المغرب الحقيقي من العهد الشفهي الى مرحلة الاطلاع عليه بالصوت والصورة. ولأن الذهنية الاستعمارية تكون دائما محكومة بالبراغماتية، فان الجمهورية الفرنسية لم تجعل الارشيف السمعي البصري للبلدان التي استعمرتها أو التي رصدتها كاميراتها مشاعا، فالولوج الى المواد التاريخية التي يحتفظ بها الموقع الالكتروني للمعهد السمعي البصري www.ina.fr ليست سوى لقطات مجتزأة، أما النسخ الكاملة لهذه المواد فهي حصر لمن يدفع عبر البطاقة البنكية العابرة للقارات. بصوت العقل، شكرا فرنسا، لولاك، لما استطعنا النفاذ الى جزء مهم من تاريخينا، ولا انحصر أفقنا المعرفي في ما يجود به تلفزيوننا الوطني من مواد تاريخية طالها مقص الرقيب فأصبحت مبتورة بلا متن ولا سند، شكرا فرنسا لأنك لم تمنح المغرب أرشيفه يوم أطلقت يديه وأعطيته حريته؛ لو فعلت، لضاع كما ضاعت أو ضيعت وثائق تاريخية من خزانته السمعية البصرية، فالماسكون بتلابيب التواصل لدينا مهووسون جدا ب"النشاط الفني"، حتى إنه في بدايات تلفزيوننا، كانوا يسجلون السهرات واللقاءات الفنية على أشرطة تضم تسجيلات لأحداث وقضايا سياسية اقتصادية واجتماعية وثقافية ورياضية ما كانت ذات أهمية على عهدهم. سنة 2011، نطق سادة الاعلام والسينما في بلادنا، تحدثوا عن سياسة أرشيفية حديثة سيتم تبنيها! عن رقمنة الارشيف وعن ثورة في المجال!، نطق أيضا خازن الذاكرة الحقوقية للبلد وحاميها من الفقدان، المجلس الوطني لحقوق الانسان، دق ناقوس الخطر ودعا الى: "وضع سياسة وطنية لحفظ الذاكرة السمعية البصرية باعتبارها عنصرا أساسيا لحق الجميع في الولوج الى المعلومة"... كل هذا اللغط وهذه الجهات لم تجهر بعد بالمطالبة باسترجاع كلي للارشيف السمعي البصري المنفي في فرنسا على خطى السلطات الجزائرية!!، ولنفترض أنه عاد، أين وكيف سيبث؟ هل بإمكاننا يوما الاطلاع عليه كاملا غير منقوص؟ للأسف سيظل هذا السؤال مشفوعا بعلامة الاستفهام، على الأقل على المدى المنظور، لأن الراسخون في علم الدعاية ببلادنا مازالت تتحكم فيهم عقلية غوبلز وزير الاعلام على عهد ألمانيا النازية ... وحدها قناة الجزيرة تستطيع النفاذ الى ارشيفنا المرئي والمسموع وتضمينه في وثائقيتها وبرامجها الموجهة لأهل المغرب ... أما صانعو القرار في بلادنا، فليس لهم بعد ذلك إلا رصيد محترم جدا من أشد عبارات الإدانة والتنديد بما تسوقه عنا الجزيرة وأخواتها. *صحافي