تعتبر بل هوكس Bill Hooks من أبرز الباحثات الأمريكيات التي انشغلت بالقضايا النسائية، وذلك بفضل ما تمارسه من نقد تقافي للفكر السائد داخل المجتمع الأمريكي. فهي لم تهتم بقضية المرأة فقط، بل انشغلت، تحديدا، بالمرأة السوداء وما تجره معها من إرث مثقل بالعنصرية والألم والصراع والعنف الثقافي داخل المجتمع الأمريكي. غير أن ما يميز أعمال هوكس هو اهتمامها المتواصل بإقامتها جسورا للتواصل مع فئات عريضة من المجتمع، لأن التنظير ليس يكفي لوحده ، بل ينبغي أن يوازيه البحث عن وسائل وسبل لإشاعة ثقافة جديدة تساهم في إزاحة العديد من التصورات المتحكمة في نظرة الجماعات البشرية ، والتي ليست في نهاية الامر سوى مكونات ثقافية ترسبت داخل النسيج الاجتماعي بما يتضمنه من تصورات وفروق وتمايزات. فهوكس، التي أصدرت ما يزيد عن الثلاثين عملا، وحاولت من خلال عمل يحمل عنوان» النسوية للجميع« أن تبتعد فيه عن كل ما هو أكاديمي صرف، متجنبة التنظير والمصطلحات الأكاديمية، بهدف بفتح جسر للتواصل مع المرأة والرجل في آن. فهي ترى أن المرأة لن تحقق لوحدها ما تطمح إليه، وإنما تظل في حاجة إلى إشراك الرجل من خلال دفعه إلى إعادة النظر في العديد من التصورات، خصوصا أن المعني بالمسألة، هو الرجل الذي يشكل السلطة البطريركية المهيمنة ، والتي لايمكن القضاء عليها إلا انطلاقا من تغييرالأنماط الثقافية للعنف والتسلط والبطريركية التي يتمثلها الرجل من خلال سلوكاته وممارساته تجاه المرأة. وترى الباحثة أن المسألة النسائية تهم الجميع، رجالا ونساء ومن مختلف الأعمار. لذلك حاولت أن تعيد طرح المسألة من زاوية عملت فيها على إعادة تعريف الحركة النسائية وما تطمح إليه، وما هي أهدافها، على اعتبار أن هناك سوء فهم ومغالطات يتم الترويج لها من قبل وسائل الإعلام، التي تهيمن عليها البطريركية والنظرة الذكورية . إذ تمكنت هذه الآلة من إشاعة نظرة مغلوطة، فصارت النسوية تعني لدى العديد الدعوة إلى المثلية والعنف المضاد وإقصاء الرجل، كما تتضمن رغبة المرأة في أن تلعب دور الرجل على جميع المستويات، داخل الحياة العامة والاجتماعية. والحال، كما ترى هوكس، إنها حركة بعيدة كل البعد عن الشذوذ والعنف والتعصب. فما المقصود بالنسوية إذا؟ وما هي أهدافها ومراميها؟ وما هي وسائلها وتصوراتها وطرائق اشتغالها؟. ترى هوكس أن النسوية حركة تدعو إلى وضع حد للإستغلال الجنسي وللإضطهاد، وهو التعريف ذاته الذي سبق لها أن أوردته في كتابها »النظرية النسوية من الهامش إلى المركز«. و يتضمن هذا التعريف إقصاء لكل فهم يرمي إلى معاداة الرجل، ومن تم فإنه يعني أن الحركة النسوية منشغلة بالجنسانية ، لأنه في المقابل، ليس هناك أي تبرير لدونية المرأة على هذا المستوى، وهو ما يترتب عليه انتفاء وجود أي مبرر للهيمنة الذكورية. يقودنا كل ذلك إلى فهم الحركة على أنها سعي إلى وضع نهاية للبطريركية، ومن ثم هي طريقة أخرى لتحديد فهم جديد للمؤسسة الجنسانية. وهكذا تلخص هوكس في مقدمتها لهذا الكتاب إلى أن الحركة النسوية تجتهد لأجل وضع حد للعنصرية وللجنسانية والإمبريالية ، ومن ثم ينبغي للحركة النسوية أن تقوم بتوعية الرجال بمطالب النساء لأنهم لا يعرفون عن الحركة سوى »أنها معادية للذكورة«، وبهذا يفهم الرجل الحركة بأنها حركة عداء وصراع، والحال أنها حركة ترمي إلى إماطة اللثام عن جوانب ظلت مغيبة ومهمشة ومقصية من مجال التفكير. تحاول هوكس أن تتبع بشكل مختصر مسار الحركة النسائية، وهي ترى أنه على الرغم مما قطعته من أشواط، فإن صدى تحرير الوعي المجتمعي من التصورات النمطية حول المرأة يبقى دون المستوى المطلوب. لإن شريحة واسعة لا تفهم بالضبط ما المقصود بالجنسانية ، بل حتى أولئك الذين يفهمون ويدركون الحمولة الدلالية للمفهوم فإنهم يعتقدون أن المسألة لا يمكنها أن تمثل جوهر الإشكال، في حين أن تسليط الضوء على هذه النقطة، بالذات، يعني وضع اليد على مكمن الداء، أي إن هيمنة وسائل الإعلام البطريركية تساهم في ترسيخ نمط من الوعي الذكوري المحكوم بالبطريركية ، الأمر الذي يجعل النسوية أمام مهمة مواجهة التفكير السائد أنماط الوعي الجنساني المهيمن على المجتمعات. الرفع من درجة الوعي ( التغيير والتبات في العاطفة) إن الحركات النسوية قد صنعت ولم تولد . فالمرأة نشأت في مجتمع يؤمن بالقيم والتصورات الجنسانية التي تهيمن عليها البطريرية والذكورية. ولعله من الواضح أن المجتمع المحكوم " بالجنسية الذكورية" يستفيد منها الرجل ويحقق مكاسب لفائدته على حساب المرأة . ومن تم كان الضروري على المرأة أن تتغير أولا قبل أن تعمل على تغيير البطريركية، باختصار: ينبغي الرفع من مستوى الوعي النسائي . إن الثورة النسائية التي تهدف إلى الرفع من درجة الوعي تشدد على ضرورة معرفة كل شيء حول البطريركية ونسقها وطرق هيمنتها واشتغالها، وكيف اكتسبت البعد المؤسسي، وكيف تحافظ على استمراريتها، وكذا فهم الطريقة التي يهيمن بها الرجل ، وكذا وعيه الجنساني، وطبيعة الوعي الجنساني السائد، وكيف ظل -هذا النمط- يتجلى على مستوى العديد من جوانب الحياة منتجا وعيا حول الطرق التي ظلت تجعل من المرأة ضحية، ومستغلة ومضطهدة. غير أنه ينبغي التشديد على مسألة غاية في الأهمية، ظلت مغيبة في تاريخ الحركة النسوية وعليها أن تتجاوز خطأها في المستقبل عن طريق إشراك الرجل. فمن دون إشراك الرجال في النضال الذي تخوضه الحرك،ة فإنها لن تحقق أي تطور ملحوظ . كما ينبغي الاشتغال على تصحيح الافتراض المتجذر، عميقا، في الثقافة النفسية، بأن النسوية حركة مضادة للرجل. أي، إن النسوية مضادة للجنسانية. والرجل الذي يتخلص من امتيازات »الرجولة،« و انتصر للنسوية، ذاك هو الرفيق النبيل في هذا النضال . ويبقى، إلى جانب ذلك، أن المسألة الهامة من خلال الرفع من مستوى الوعي لدى الجماعات هو أن تواجه المرأة إنسانيتها الداخلية. وأن تواجه خضوعها للتفكير والفعل البطريركيين إلى جانب وقوفها الفاعل مع التحول الذي تعرفه الحركة النسائية . مؤدى ذلك، أن على المرأة أن تحرص على تغيير "العدو" الداخلي الذي يسكنها قبل أن تخوض في مواجهة "العدو" الخارجي" . وليس هذا العدو سوى التفكير والسلوك الجنسانيين وما ينتج عنهما من تهديد لكيان المرأة. أما إذا ظلت الحركة النسوية ترفع شعار "السياسة النسائية" من غير أن تناقش جنسانيتها وتعمل على تغييرها، فإن الحركة في مجملها ستظل غير واضحة الملامح. إن الفكرة المركزية التي تنظوي عليها أطروح هوكس، هي تحديدا: من الذي نقصده بالعدو الداخلي؟ إنها جنسانية المرأة الداخلية . فالمرأة ،كما هو معلوم، صارت »أنثى« بفعل هيمنة التفكير البطرييكي داخل المجتمع. إذ إن النمط الفكري الجنساني السائد يجعل المرأة رهينة «ثقافة» وحكم جاهزين، فهي لا تحكم على كل آخر ( نقصد الرجل)، من غير أن تحتكم إلى العاطفة أو مفهوم العقاب كرد فعل تجاه أي عنف صادر عن أي شخص. ولهذا يساعدنا التفكير النسائي على عدم تعلم المرأة انتقاد ذاتها كما يجعلها عاجزة عن تحقيق حرية لتكسير الفكر البطرييكي الموجود في لاوعينا. إن المجال الذكوري ظل مهيمنا وواضحا من خلال عدة تجليات في الثقافة البطريركية . بحيث ظل يفترض أن الرجل ، داخل الجماعة، ينبغي له أن يظل حليفا للرجل وأن يدعمه ويعضده ليكون فاعلا مركزيا دخل الجماعة ، فيجعل الفضيلة قيمة متعالية عن الأفراد. في حين أن المجال الأنثوي لم يكن له وجود بحيث لم يكن مسموحا له أن يكون داخل سياق الهيمنة البطريركية، لذلك ظل يعتبرفعلا من أفعال الخيانة . وهنا يرجع الفضل إلى الحركة النسوية التي خلقت السياق الذي مكن المرأة من إيجاد مجال أنثوي لتتحرك فيه. هكذا فإن التحولات التي طرأت على الحركة النسوية قد اتخذت مكانها داخل الجامعات، منذ في بداية السبعينيات، كما وجدت مكانا لها داخل البيت والعمل . ففي البداية كانت تحفز النساء على عدم الاهتمام بذواتهن وبأجسادهن باعتبارهما ملكية للرجل، من أجل المطالبة بالتحكم في الجنسانية النسوية ، ومن أجل تحقيق تحكم فعال وحقوق منتجة ، ومن أجل وضع حد للإغتصاب والتحرش الجنسي. فكان على المرأة أن تتحدى واقعها ونمط الفكر المهيمن وأن تحقق تضامنا فاعلا وقويا . من أجل وضع حد للتمييز بين الرجل والمرأة وعدم المساواة بينهما. الجسد الأنثوي: إنتاج الحقوق إن الاستغلال الجنسي للجسد الأنثوي كان وراء ظهور حركات متطرفة مطالبة بالحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية والجنسية. وهو ما جعل الجسد الأنثوي يعرف حروبا على عدة واجهات: واجهة الدين (من حيث هو سلطة كنسية -في الغرب) مادام أن المرأة تختزل في الجسد، وتحولت إلى سوق وأداة سوق، تعمل الرأسمالية على استغلالها وتدجينها. لهذا فإن الحركات النسوية تعمل جاهدة من أجل إعادة السيطرة والتحكم في الجسد الأنثوي من قبل من يملكه، وهو الذات النسوية. ولهذا لم يكن الحق في »الإجهاض« سوى شكل من أشكال التحرر . لأن المرأة إذا ما فقدت حقها في جسده،ا فإن ذلك ينعكس على كل أبعاد حياتها، ويزيد من تقليص حريتها وحقوقها، وهو ما تعمل الرأسمالية على المحافظة عليه، من خلال قيمتي »الجمال« و»الحب« اللتين يتم تسويقهما كسلعة من قبل الخطاب الإشهاري، وهو ما يجعل الأمر غاية في التعقيد، لدى المرأة، في أن توحد بين الحب والجمال، وبين الأسلوب في الرخاء والاسترخاء. إذ على المرأة أن تدرك بأن »صناعة الموضة«، التي تهيمن عليها النظرة الذكورية، تبدع أساليب مختلفة من الأشكال التي تلبسها الأجساد الأنثوية، والتي تجعل منها مجرد »شيء« قابل للتداول والاتجار والاستغلال والاستهلاك من قبل السلطة المهيمنة، وهي سلطة الذكورة. وإلى حين تراجع المرأة عن صناعة الجمال، والموضة، وإلى حين تحقيق إبداع منتج ومتواصل، وثورة دائمة، فإن المرأة لن تكون حرة. فالمرأة لم تعرف، بعد، الدرجة التي تحب فيها جسدها وذاتها بعيدا عن النظرة الذكورية التي تخترقها..!