أكد الدكتور محمد السروتي، الخبير في قضايا التنصير، في حوار مطول مع جريدة هسبريس الإلكترونية تنشر جزءه الأول، بأن "ظاهرة التنصير كما هو مُمارس على أرض الواقع لا يمكن أن تندرج ضمن الحرية الدينية"، شارحا بأن "التنصير الحقيقي يجري في القرى النائية، والمناطق التي تعرف أعلى مستويات الهشاشة الاجتماعية". وأفاد السروتي بأن "التنصير في المغرب يستهدف بشكل خاص الأطفال والأيتام، والشباب الواقعين تحت طائلة الفقر والحرمان، ويتخذ من الإغراء والتغرير أداته الفعالة لتوسيع نفوذه"، مردفا بأن "أفضل مقاربة لهذه الظاهرة هي بسد المنافذ التي يتم استغلالها مثل المرض، والجهل، والفقر". وزاد الخبير بأن المناطق التي يكثر فيها التنصير تكون بعيدة عن أي رقابة مغربية، ما يجعلها من أنشط المراكز من حيث استقبال الآليات والوسائل التنصيرية التي تأتي من المراكز الأم بمختلف الدول الأوربية. ولفت السروتي، في الحوار ذاته، إلى كون "مركز مليلية مثلا يساهم في القسط الأكبر في إعداد بعض الوسائل التنصيرية الأمازيغية"، كاشفا بأنه رغم استهداف المُنصِّرين للمناطق الأمازيغية المختلفة فإن "أدنى مستويات التنصير سُجلت في هذه الأوساط". تم أخيرا تداول أخبار حول عودة بعض مُنصري قرية عين اللوح بجبال الأطلس إلى أنشطتهم بالمغرب..ما تعليقك الأولي أستاذ محمد السروتي؟ إن قضية عين اللوح التي أثارت زوبعة إعلامية قبل أكثر من سنتين تعود اليوم من جديد إلى الواجهة، مع تغير في المواقع فبعد أن كانت إحدى الأطراف التي أشارت إليها جل التقارير التي تحدثت عن القضية واتهمتها بالتنصير، أصبحت اليوم تطالب برد الاعتبار والتعويض. بيد أنني في هذا المقام لست بصدد التعليق على مجريات أو مسار قضية تعرض الآن أمام القضاء أو في درجة من درجات التقاضي، قد يكون لها ما بعدها، خصوصا أن الحديث عن الأمر يفرض ضرورة الإطلاع على حيثيات الموضوع وتفاصيله، وانتظار الحكم النهائي للقضاء ليقول كلمته في النازلة، وهي التفاصيل التي تعذر علي الوصول إليها إلى حدود الساعة، هذا قبل أن تنشر بعض تفاصيله إحدى اليوميات المغربية قبل أسابيع، والذي مفاده مطالبة هذه الأطراف الحكومة المغربية بأداء تعويض ضخم يقدر بحوالي15 مليار وتحمليها مصاريف الدعوة. وعلى الرغم من صدور حكم ابتدائي للمحكمة الإدارية قبل حوالي شهرين، والذي ظل "طي الكتمان" لأسباب غير معروفة على الرغم من حساسية الموضوع وما طرحه من نقاش تجاوز السقف الإعلامي، وبدأت بوادره بتصريحات بعض المؤسسات الأجنبية وتأكدت في الآونة الأخيرة بحضور أطوار المحاكمة من طرف ممثلي سفارات الولاياتالمتحدةالأمريكية وهولندا وألمانيا وبريطانيا ونيوزيلاندا. إن القضية في طوريها الأول والثاني، يفرض اليوم ضرورة إعادة النظر في كيفية تعاملنا مع ظاهرة التنصير، فلا المقاربة الأمنية أثبتت نجاعتها في التعاطي مع التنصير، ولا الحد من توغله في مختلف المناطق المغربية، ولا غض الطرف عن بعضها، أو إحاطة المعطيات عنها بالسرية أثبتت صحتها. هذا الوضع يدعو اليوم إلى ضرورة التفكير في مقاربة تشاركية، منطلقها الأساس تمتين القيم المغربية السمحة وتعزيزها في المنظومة التربوية والثقافية، دون إغفال مواطن الهشاشة بإيلائها العناية والاهتمام الذي تستحق لتلتحق بركب التنمية. لقد أصبح من العيب أن تنقطع مناطق معينة في المغرب عن العالم الخارجي بأكمله في مواسم محددة من كل سنة... ومن العيب أن نشهد ولادات أمام أبواب المستشفيات أو سيارات الأجرة وحتى في الشارع العام... وأن تحمل الحوامل على الأكتاف مسافة طويلة للوصول إلى أقرب نقطة سالكة، ومن المخزي أن ينهار شخص في الطريق لعارض صحي، ولا تمتد له يد عون أو مساعدة من المارة... إن أي حديث عن مقاربة ظاهرة التنصير أو الحد من توغلها، في ظل هذه المنافذ هي مجرد صيحة في واد، ينمحي صداها بسرعة... وعليه فإن أفضل مقاربة للظاهرة هي بسد المنافذ التي يتم استغلالها فإن استغل؛ المرض، والجهل، والفقر... فعلينا تحسين جودة الخدمات الصحية، وتعميم التمدرس ومحاربة الهدر المدرسي الذي يلقي بحوالي 400 ألف طفل إلى الشارع سنويا، وخلق فرص العمل للشباب العاطل، وتعزيز قيم التضامن... إن الفراغ والجهل هو العدو الحقيقي الذي ينبغي أن يتجند الجميع لمحاربته، فإن تركت المساحات والفراغات فإننا في الأفق القريب لن نتحدث فقط عن التنصير وإنما عن ظواهر أخرى، ولن نكتفي آنئذ بالحديث عنها وإنما سنراها رأي العين بتداعياتها المختلفة. تباينت مواقف فقهاء مغاربة حول مسألة منع التبشير المسيحي بالمغرب والبلاد الإسلامية..الدكتور الريسوني قال إنه لا يتعين منع التبشير المسيحي...لأن الدول المسيحية لا تمنع بدورها التبشير الإسلامي...أما الشيخ الزمزمي فقد صرح لهسبريس بأن السماح للتنصير هو من أكبر المنكرات التي لا يجب السكوت عنها.. ما موقفك صراحة كباحث متخصص من قضية منع أو السماح بالتنصير داخل البلاد؟ كثيرا ما تُقدم صورة خاطئة عن قضية "منع التنصير"، حيث يتم تصويرها بطريقة سلبية مغلفة بطابع الاضطهاد والقمع كما جاء في إحدى المنابر الإعلامية الاسبانية وبعض التقارير الأجنبية... ولو كانت هذه هي صورة تعامل المغاربة لما بقيت لنا شواهد تدل على التسامح المغربي في عدد من المدن المغربية التي بها كنائس يرجع تاريخها إلى أمد بعيد، فلم تمتد إليها يد بهدم أو تخريب، ولعل من مفاخر المغاربة أن تجد بجانب الكنيسة مسجدا، ولنا أيضا مفخرة في بعض الاجتهادات الفقهية المشرقة التي وصلت درجة السماح بترميم بعض الكنائس أو بنائها من بيت مال المسلمين... وفي هذا الصدد هناك رأيٌ أورده الونشريسي في "المعيار المعرب" نسبه إلى أبي العباس أحمد بن محمد بن زكريا يقول فيه: "هدم الكنائس لا يَجوز بِمُقْتَضَى الشَّريعة المحمديَّة على رأي المُحقِّقين في الفقه المالكي... ولهذا يقول أبو الحسن اللخمي وابن القاسم: إنَّ القديم من الكنائس يُتْرَك ولا يُهْدَم"، وتعدَّدت هذه النَّماذج في كثيرٍ منَ المصادر النَّوازلية ك "المعيار" للونشريسي، و"أحكام قضايا أهل الذمَّة" لأبي الأصبغ بن سهيل... بل وأكثر من ذلك أن المسلم مطالب شرعا أن يعين زوجته الكتابية على أداء طقوسها الدينية.. أما بخصوص تصريح الدكتور الريسوني لإحدى المنابر الإعلامية، فأعتقد أنه ينبغي أن يتم النظر إلى التصريح كله، ولا ينبغي تجزيئه والوقوف عند "ويل للمصلين..." بغية تحقيق إثارة أو سبق إعلامي، فمن بين ما قاله د. الريسوني:" أننا لا ينبغي أن نمنع التبشير المسيحي، ما دامت الدول المسيحية تسمح للمسلمين بممارسة التبشير الإسلامي، والبقاء للأصلح عند تعادل الفرص"، فهل من تعادل الفرص أن تركز المنظمات التنصيرية جهودها في المناطق الهشة ثقافيا واقتصاديا... خصوصا أن هناك بعض الفضاءات المعروفة في مختلف الأوساط وهي مفتوحة أمام الجميع وفي وجه مختلف الأفكار والتيارات وغيرها، وهي الفضاءات الجامعية التي نتساءل عن غياب المنظمات التنصيرية عنها، قديما وحديثا... وأيضا هل من تعادل الفرص أن يضلل الناس وتقدم لهم الديانة النصرانية بطابع إسلامي كما تشهد بعض وثائقهم المنشورة... وفي المقابل أيضا أشار د. الريسوني إلى أمر أساسي يكتمل معه الموقف، وذلك حين قال "نعم هناك بعض الحالات لابد أن يتدخل فيها القانون والدولة بشكل صريح، مثل التغرير ببعض القاصرين أو خداع بعض المحتاجين والمضطرين، أو التجسس والتخابر لفائدة جهات أجنبية". وأعتقد أنه في ظل الحرب الضروس المعلَنة من قِبل المؤسسات الدينية التنصيرية، والمدعومة بمؤسسات الإعلام الغربية العملاقة، ومع عدم تكافئ الفرص، في ظل ضعف إمكانات "الحمايات الفكرية" في البلاد الإسلامية المستضعفة كان منع حرية التنصير؛ بمثابة "حماية الصناعات الوطنية الضعيفة" ماديا إذا صح التعبير في حال انعدام تكافؤ الفرص والإمكانات عند اجتياح الأقوياء للضعفاء. وما رأيك في من يقول إن المسلمين يُحرِّمون على الآخر ما يحلونه لأنفسهم؟ أقول لمن يقول إن المسلمين يحرمون على الآخر ما يحلونه لأنفسهم: إذا كانت الدول الغربية تنص في دساتيرها على أنها دول علمانية وعلى حرية الدعوة أو التنصير، وخاصةً في ظل نصوص الديانة النصرانية الصريحة التي تَدَعُ ما لقيصر لقيصر، فإن على كل فرد وافد إليها أو مقيم بها أن يحترم هذا الخيار الذي ارتضته هذه الدول لنفسها، وتسعى لحمايته بمنظومتها القانونية، وعليه فإن سمحت للدعوة الإسلامية أو للتنصير أو غيرهما، فقد احترمت نصوصها وقوانينها. ولقد رأينا مجتمعات غير إسلامية اتخذت لنفسها عقيدة فلسفية، مثل الماركسية في البلاد الاشتراكية والشيوعية، فحافظت عليها كمقوِّم من مقوِّمات الاجتماع ونظام الحكم، ومنعت بالدساتير والقوانين التبشير في مجتمعاتها بأية عقيدة مضادة لعقيدتها وفلسفتها وثقافتها... وشهدنا حتى بعض الدول المتقدمة منعت مؤلفات وكتابا من دخول أراضيها لسنوات طوال، حتى اضطرت بعض الهيئات في أمريكا مثلا لتنظيم مهرجان سنوي يسمى بمهرجان "أسبوع الكتب الممنوعة". إذن هاجس الاحتفاظ على خصوصية الهوية الثقافية أو الدينية ليس متعلقا بالمسلمين فقط؟ هاجس الحفاظ على "الخصوصية الثقافية أو الدينية أو الاجتماعية..." لا يشغل الدول الإسلامية وحدها كما يحاول أن يصوره من يستخفون بقضية المحافظة على خصوصيتنا الثقافية والدينية؛ فمن بين الإجراءات التي اتخذتها فرنسا للمحافظة على ثقافتها إصدار قوانين وتشريعات تلزم وسائل الإعلام المختلفة ببث ما لا يقل عن 60% من الإنتاج الثقافي الفرنسي بمختلف أنواعه، ولم يُدخل هذا الإجراء ضمن فوبيا الآخر، أو المبالغة في الخوف من صغائر الأمور على الخصوصية الثقافية. كما أن وثائق الحرب الثقافية السابقة بين المعسكرين الشرقي والغربي تحتفظ بعدد من الشواهد العملية في هذا الميدان، ومنها ما ذكرته الكاتبة الإنجليزية فرانسيس ستونور في كتابها (من يدفع أجرة الزمار) (who paid the piper) ، وهذا العنوان جزء من المثل الانجليزي الشهير الذي يقول: "من يدفع أجر الزمار يختر اللحن". وقد أشار الكتاب إلى توجيه وكالة المعلومات الأمريكية (USIA) بسحب ثلاثين ألف كتاب من مكتبة وزارة الخارجية الأمريكية التي يزورها سنويا ستة وثلاثين مليون زائر، واستجابت الوزارة لذلك الطلب، وتم بالفعل سحب آلاف المؤلفات لشخصيات وصفت بأنها مثيرة للجدل سواء أكانت لمؤلفين يحملون الجنسية الأمريكية أم جنسيات أخرى، رغم التشجيع الأمريكي المستمر لنشر حرية التعبير بين شعوب العالم. وفي المقابل هناك دول أخرى اختارت وجهة أخرى فنصت في دساتيرها على أنها دول "إسلامية" واعتبرت دين الإسلام؛ مقوِّما من مقوِّمات الاجتماع والسياسة والتشريع والنظام، ومن ثمَّ فإن زعزعته هي زعزعة لمقوِّم من مقوِّمات المجتمع ونظمه، وليس هذا هو حال الدين في المجتمعات الغربية التي أشرنا إليها آنفا، وما على الآخر في نظري سوى أن يحترم هذا الخيار... باختصار، ظاهرة التنصير كما هي موجودة على أرض الواقع، لا يمكن أن تندرج ضمن الحرية الدينية، فالتنصير الحقيقي يجري في القرى النائية، وفي المناطق التي تعرف أعلى مستويات الهشاشة، ويستهدف بشكل خاص الأطفال والأيتام، والشباب الواقعين تحت طائلة الفقر والحرمان، ويتخذ من الإغراء والتغرير أداته الفعالة لتوسيع نفوذه. فلو كان الأمر يتعلق بمجادلة نظرية، أو بحوار علمي يبدي فيه كل طرف وجهة نظره، لما استدعى الأمر أي إجراء لا من السلطة ولا من غيرها، لأن اليقين راسخ لدى عموم المغاربة، بأن النصرانية لا تمتلك من انسجام المعتقد وتماسكه ما يجعلها قادرة على أن تبسط مفاهيمها الدينية، فبالأحرى أن تقنع المغاربة بالدليل والبرهان... فلو كانت المنظمات التنصيرية صادقة في دعوتها للدين لكان العالم الغربي الهارب من الدين، أولى بهذه الدعوة من المجتمعات الإسلامية المؤمنة أصلا، لعلها تستطيع تقليص نسبة الانعتاق والهروب المتزايدة من الدين في المجتمع الغربي. وهل يمكن المقارنة بين "التبشير المسيحي" و"التبشير الإسلامي" إن صح التعبير..هل يمتلكان نفس المقومات والإمكانات المادية واللوجيستيكية؟ ولمن تميل الكفة؟ كثيرٌ من المسلمين يحارون في الجواب المنطقي والخالي من العصبية عن هذا السؤال إذا وُجه لهم: لماذا تمنعون حرية التنصير في بلادكم الإسلامية، في الوقت الذي تدعون فيه إلى الإسلام في البلاد الغربية، وتنشرون فيها دينكم الذي يحرز انتصارات ملحوظة في خارج عالم الإسلام؟!. والرأي عندي أننا لا بد أن نصارح هؤلاء السائلين بالفروق الجوهرية بين مكانة الإسلام في الدول الإسلامية، وموقف هذه الدول منه وبين حال الدين في المجتمعات الغربية، وموقف تلك الحكومات العلمانية من الدين، مطلق الدين، والفارق بين منهاج الدعوة إلى الإسلام ومناهج التنصير والمنصِّرين. ثم إن موقف الدول الغربية من الدين هو موقف "طبيعي" إذا ما استحضرنا تجربته التاريخية المرير مع الدين، وهي تجربة كانت تجربة أقل ما يقال عنها أنها بئيسة إلى أقصى حد.. فقد كان الدين بالنسبة إلى هذا العالم ظلاماً وجهلاً واستبداداً وغلظة وانصرافاً عن عمارة الأرض، ووقر في حسّ الدول الغربية من خلال تجربتها الخاصة أن هذا هو الدين. ولذلك كان من الطبيعي أن نفرت منه، ثم هاجمته وأبعدته عن واقع الحياة، وحسبته في نطاق ضيق في ضمائر الناس، وهي في هذا معذورة من ناحية، ولكنها من ناحية أخرى غير معذورة. كيف ذلك..؟ هي معذورة في النفور من ذلك الدين والسعي إلى تقليص نفوذه ونزع سلطانه، وحبسه في أضيق نطاق ممكن.. بل نبذه والخروج عليه جهرة .. ولكنها غير معذورة في أن يكون هذا موقفها من الدين، مطلق الدين... لذا فمن المقاربات التي أعتبرها جاحدة أن يتساوى التنصير والدعوة، فبينهما فوارق في الجوهر والمنهاج، ويمكن التمثيل ببعض الأمور، فهل وجد أحد من دعاة الدعوة الإسلامية من اشترط اعتناق الإسلام لتقديم الخدمات الإنسانية والاجتماعية، أو ربطه بهجرة أو مال... أو حتى قدم منشورات دعائية تضليلية، تهاجم أو تزدري أي دين آخر... كما تقدمها بعض المؤسسات التنصيرية. برأيك..ما هي المناطق الجغرافية في المغرب الأكثر استهدافا من لدن المبشرين المسيحيين؟ ولماذا تحديدا هذه المناطق؟ إن اتسام بعض المناطق في العالم بمميزات معينة يجعلها أكثر عرضة لظاهرة التنصير من غيرها، فيمكن مثلا الحديث عن الموقع الجغرافي لبعض المناطق خصوصا الحدودية منها، ومن خلالها يمكن رصد الامتداد التنصيري إلى ما هو أبعد من منطقة الانطلاق. ففي شمال المغرب، وبحكم وجود مدينة الناظور قرب مدينة مليلية المحتلة؛ التي تعد مركزا تنصيرا مهما لمختلف الطوائف البروتستانتية وغيرها خصوصا منظمة "شهود يهوه" الأمريكية، ومنها تمتد الأنشطة التنصيرية شرقا إلى مدينة وجدة وغربا إلى مدينة الحسيمة. أما عن مدينة سبتةالمحتلة فيمكن الإشارة في هذا الصدد إلى تقرير إعلامي إسباني نشرته صحيفة البايس للكاتب لويس مانويل أزنار، تحدث فيه عن امتداد الأنشطة التنصيرية لمنظمة "الصليب الأبيض" من مدينة سبتة إلى كل من طنجةوالحسيمة، حيث أشار إلى مشاريع اجتماعية لإيواء الأطفال المعدمين ومشروع "بيت الأسرة"، وعن تفكير جدي لاستثمار بناية الكنيسة ومرافقها في مثل هذه المشاريع، خصوصا بعد إخلاء إحدى البنايات التي كانت مقر لسكن الراهبات الفرنسيسكانيات. هناك اهتمام خاص بالشرق المغربي..ما أسباب ذلك في نظرك أستاذ السروتي؟ في الشرق يمكن الإشارة إلى مدينة وجدة بحكم محاذاتها للجزائر التي شهدت حركة تنصيرية سجلت نسب خطيرة وغير مسبوقة، خصوصا في المناطق القبائلية... وتكفي الإشارة إلى أن أغلب المؤسسات التنصيرية في الجزائر مهتمة بالمنطقة الشرقية من المغرب، ويمكن الإشارة إلى جمعية الكتاب المقدس التي يترأسها "كاميف بيار" وهو من مواليد وجدة، ومقرها في قلب العاصمة الجزائرية، ومن تجليات العمل التنصيري تأسيس مكتبة "الحدود" التي أشرف على تسييرها المنصر البروتستاني "ماكنتون"، والذي عمل خصوصا على استقطاب طلبة جامعة محمد الأول، وقبلها كان مشرفا على مكتبة لوازيس بفاس. إن الاهتمام بالمنطقة الشرقية راجع بالأساس إلى اعتبارها نقطة ارتكاز لمحور رابط بين منطقة القبائل الجزائرية ومناطق الأطلس المغربية، والتي يمكن اعتبارها من الأهداف التاريخية للمؤسسات التنصيرية لما تشهد من ضعف مهول في بعض الخدمات الصحية والاجتماعية، يجعلها تعيش عزلة وتهميشا محكمين، ويترك الفرص سانحة والظروف موائمة للامتداد التنصيري فيها، فبالأمس القريب كانت قرية "عين اللوح" نواحي مكناس وتداعياتها التي لازالت لم تكتمل بعد، وقبلها كانت قرية "أمزميز" نواحي مراكش التي ضبطت فيها مجموعة مكونة من حوالي 20فردا، وقد تم اكتشاف هذه المجموعة بعد ضبط أحد الأجانب متلبسا بنشر النصرانية حيث كان يستهدف مجموعة من الأطفال والنساء بالمنطقة. وفي المناطق الجنوبية نُشر تقرير حول تصاعد أنشطة كنيسة "صخرة المسيح" الأمريكية بمخيمات تندوف، وتحويلها إلى بؤرة استقطاب لفعاليات نصرانية من إسبانيا وفرنسا وجنوب إفريقيا، وهي الكنسية التي خصصت مشروعا قائما للنشاط في المخيمات واعتمدت منذ 1999 برنامجا لزيارات واحتضان الأطفال الصحراويين من قبل العائلات الأمريكية. ما خصوصية هذه المناطق بالتحديد، وهل الاستجابة للتنصير تكون بقدر الاستهداف؟ حقيقة الاهتمام التنصيري بهذه المناطق ليس بالخبر الجديد، نظرا لموقعها الاستراتيجي الهام، فبعضها من الناحية جغرافيا هي امتداد طبيعي للأراضي المغربية، ومن الناحية الإدارية غير خاضعة للسلطة الإدارية المغربية كما هو الشأن بالنسبة لمليلية وسبتة، الشيء الذي يجعلهما مرتعا لمختلف المنظمات التنصيرية، من قبيل "شهود يهوه" من الولاياتالمتحدةالأمريكية، و"الكنيسة الكونية" من ألمانيا، إضافة إلى هيئات بروتستانتية مختلفة أغلبها من إسبانيا وهولندا وسويسرا... وضعية هذه المناطق، البعيدة عن أي رقابة مغربية، يجعلها من أنشط المراكز من حيث استقبال الآليات والوسائل التنصيرية التي تأتي من المراكز الأم بمختلف الدول الأوربية، خصوصا من "مؤسسة نداء الرجاء" بشتوتغارت بألمانيا، والتي عادة ما تكون آلياتها مكتوبة باللغة العربية، أما تلك المكتوبة بالدراجة المغربية أو الريفية... فعادة ما تكون بعض المراكز الاسبانية هي المختصة في ذلك، بيد أن مركز مليلية مثلا يساهم في القسط الأكبر في إعداد بعض الآليات التنصيرية الأمازيغية؛ من قبيل ترجمات النصوص الإنجيلية، ودبلجة بعض قصص العهدين القديم والجديد... بل أحيانا يتم بهذه المراكز الإشراف على إعداد وإخراج بعض الأفلام الأمازيغية التنصيرية، وأيضا تسجيل بعض الحلقات الإذاعية ليتم إعادة بثها من المقرات الرئيسة للإذاعات التنصيرية في أوربا خصوصا تلك الموجهة إلى شمال إفريقيا...ولا يقتصر عمل هذه المراكز على هذه الجوانب فقط، وإنما يمتد ليشمل الخدمات الاجتماعية والصحية... إضافة إلى أنها تلعب دورا كبيرا في علمية التواصل مع المتنصرين المغاربة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. وفي رأيي، لابد من التمييز بين درجة التعرض ودرجة الاستجابة للحملات التنصيرية؛ فلاشك أن المتتبع لظاهرة التنصير في المغرب يلاحظ بأن هناك تركيزا على المناطق الآنفة وخصوصا الأمازيغية، ويشهد لذلك الكم الهائل من المطبوعات الموجهة للمناطق الناطقة سواء بالأمازيغية، أم السوسية أم الريفية... لوجود عوامل إعداد وتهيئة كما عبر عنها المنصر" ديفد أ. فريزر" في وثائق مؤتمر كلورادو، لكن من المفارقات أن بعض هذه المناطق هي الأقل استجابة وإقبالا، وذلك بشهادة التقارير التنصيرية نفسها التي تتحدث عن أن أدنى مستويات التنصر تسجل في الأوساط الأمازيغية... ونموذج ذلك الأرقام التي أوردها مشروع كوشا PROJECT" JOSHUA" التابع لمركز الولاياتالمتحدة للبعثات التنصيرية العالمية...