يطالعنا من حين لآخر الأخ الفاضل الأستاذ خالد الرحموني بمقالات رأي، تنبئ عن عمق في التفكير، وتبشر بحس سياسي، وتخبر بتجربة نضالية. هذه المقالات أعتبرها إضافة نوعية في ساحة الفعل الإعلامي والسياسي، التي ما أحوجنا إليها ونحن نتدافع في مفترق طرق يتطلب منا انخراطا واعيا وحضورا متوثبا ومواكبة فاعلة. وكان آخر ما استمتعت به، مقاله " الممكن السياسي في المرحلة بين منطق المعارضة السياسية وحماية قضية الإصلاح الديموقراطي" الذي قرأته بتأن، ووجدت فيه من القدرة على التحليل وحشد الشواهد والتسلح بالمنطق واستصحاب الماضي واستشراف المستقبل، ما يبشر بقلم واعد، سيكون له شأن بعد حين إن شاء الله. ووقفت طويلا عند سحر تركيب "العنوان"، ووجدتني أنجدب إلى النسج على منواله، لكن لا لأكتب فيه، ولكن لأشبع من خلاله شغفي بقضية، أكاد أجزم بأنها تضمُر في منظومتنا يوما بعد يوم، وتتراجع شيئا فشيئا ضمن ترتيب أولوياتنا المتزايدة والمتجددة، وخاصة على مستوى الكسب الثقافي والفكري كتابة وتأليفا، وجدتني أصوغ عنوانا يترجم هذا الشغف، ويعبر عن هذا الاهتمام فكتبتُ: " الممكن السياسي في المرحلة: بين منطق الممانعة والتمكين للانبطاح"، وأنا أتحسس من خلال هذه الثنائية، تجلياتها في قضايا تمس المستجدات التي فرضتها مشاركتنا السياسية، ومساهمتنا في التدبير الحكومي، وانخراطنا في تسيير الشأن المحلي، حيث أجزم أن حاجتنا إلى أقلام واعدة يقظة، من شأنها الوقوف على هذا الثغر الذي نخشى أن نؤتى منه ولو عن غير قصد منا، إنها قضيتنا المركزية التي حازت ولا تزال من الإجماع ما يكتب لها الحياة والاستمرارية، إنها قضية فلسطين والأقصى وما يستتبع ذلك من آليات المقاومة والتمكين للقضية في النفوس أولا، ثم في الواقع ثانيا. وحدثت نفسي أنك واحد ممن تقدر على أن تكون من حمَلة مشعلها، القيمين عليها، الذائدين عنها، المنشغلين دوما بإثارتها، ذلك أن مستجدات الساحة السياسية أحسب أن لها من الأقلام ما يكفي ويزيد، لكن الصامدين في خندق التطبيع، الذين يقتاتون من على موائده، ويتعيشون من أعطياته، الذين لا يكلون ولا يملون، من نعرف منهم ومن لا نعرف، أصبحوا جبهة تحتاج إلى جبهة مضادة، يقظة، مستعدة، أصابع أفرادها على زناد أقلامهم، لا يصرفهم شغل ولا يلهيهم طارئ. و من باب الرقابة الذاتية، لا من باب سلخ الجلد وها هي أبواب " العمل السياسي " قد أشرعت أمامنا، بممكنها ومستحيلها، بسهلها وعصيها، نخشى أن ننصرف تدريجيا عن إنماء رصيدنا في مقاومة التطبيع، وأن يتراجع صوتنا فيه، وأن يتقلص فيه عطاؤنا... والأخطر من هذا كله، أن نعجز عن صناعة الخلف، لا كفرا منا بالقضية، ولكن قد نساق إلى هذا النفق المظلم سوقا رغما عنا، وهاهم أقوام أبناء الأرض والقضية، عاشوا لها عقودا، حتى إذا نما فيها رصيدهم، وأدركهم الهرم وهم من رجالاتها، ولم يبق بينهم وبين النصر إلا شبر أو ذراع، تنكروا لما كانوا له في الأمس القريب حماة وأنصارا... وإذا كنت أربأ بنا أن نصير إلى ما صاروا إليه، فلا أقل من الأخذ بالأسباب، والعمل على فتح نقاش مستمر يبقي القضية جذوة حية في قلوبنا، متداولة في ساحاتنا، لا تخبو ولا يعلوها رماد. وعليه أستاذ خالد، ليكن لك و لشباب من طينتك في هذا المجال مساهمة، ولا يصرفنكم الانشغال بالحالة السياسية ومستجداتها التي لا تنتهي، تذكّر أن لهذه القضية حقا مقدسا لا يقبل النسيان، تذكر أخي أننا اجتمعنا عليها يوما ما، نتعلم أبجدياتها كما كنا نجتمع على تعلم الصلاة ومكارم الأخلاق، ولذلك لا ينبغي أن تضمر أو تخبو في نفوسنا وفينا عرق ينبض بالحياة. أخي خالد، أنظر من حولك، فالتطبيع في كل مجال، في الفن، في الرياضة في التجارة والمال والاقتصاد... فمن له إن سخرنا كلنا أقلامنا لغيره من المعارك، من له إن صرفنا اهتمامنا بطوارئ مستنزفة يفضي بعضها إلى بعض في متتالية رهيبة تسرق منا الأوقات والجهد والاستعداد. أخي خالد، هذه دعوة كريمة لك، ولمَ لا، لأمثالك من أبناء هذه المدرسة الرائدة التي تعلمنا في مدارجها أن العمل لقضايانا الوطنية، لا يصرفنا عن الاهتمام بقضايا الأمة، فلتكن قلما في معتركها، صوتا مدويا في نصرتها، وحي على خير عمل.