عندما يشرع حزب الأصالة والمعاصرة، الذي كان المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة، أحد مؤسسيه الكبار بعد مغادرته لأسوار وزارة الداخلية، في عملية التسويق الدولي لصورته السياسية، من خلال تكثيف اللقاءات الثنائية والجماعية، مع ممثلي البعثات الدبلوماسية المعتمدة في المغرب، في فنادق خمس نجوم، وفي مقره المركزي في طريق زعير بالرباط، فهذه مؤشرات سياسية دالة، على أن الحزب الذي وفد إلى الحياة السياسية المغربية عام 2009، بات مطمئنا في الداخل، وأن قادته، أصبح يتملكهم إحساس بأنهم تجاوزوا حالة الخطر الشعبي الذي هدد كيانهم السياسي، مع بروز سفير الربيع العربي في المغرب " حركة 20 فبراير" التي رفع شبابها ونسائها مطلب ارحل في وجه صقوره المؤسسين داخليا، استعاد الحزب بريقه السياسي وخرج من لحظة الكمون المؤقت، واستأنف مهام ضبط حياته السياسية الداخلية من خلال عقد عدد من المؤتمرات الإقليمية والجهوية بوثيرة غير مسبوقة، بل انه شرع في وضع الأسس الكفيلة ببناء تحالفات سياسية تمهيدية، لخوض المعركة الحاسمة في مواجهة الحكومة التي يقودها غريمه الإسلامي، حزب العدالة والتنمية، بعد اكتساحه لنتائج الانتخابات التسشريعية ليوم 25 نونبر 2011. رهانات إستراتيجية الاختراق السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة، في ظل حكومة عبد الإله ابن كيران، تختلف عن استرتيجيته السابقة " تحالف جي 8" والتي أجهضها سفير الربيع العربي في المغرب ممثلا في حركة 20 فبراير. الحزب الذي خاض حروبا سياسية وإعلامية، مع عمدة مدينة فاس والكاتب العام للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، حميد شباط، قبل توليه الأمانة العامة للحزب، لم يعد حزبا سلطويا يسعى إلى التحكم، و لا طاحونة مدمرة تؤتي على الأخضر واليابس، من وجهة نظر هذا الأخير، بعد جلوسه على كرسي الأمانة العامة لحزب الاستقلال خلفا لعباس الفاسي، بل أصبح حزبا محترما، مثله في ذلك مثل جميع الأحزاب، له مشروعه السياسي الديمقراطي لخدمة الوطن! التقارب بين حزب معارض وآخر في السلطة، لا يقتصر فقط على علاقة البام بحزب الاستقلال، بل يمتد إلى علاقة هذا الأخير بحزب الحركة الشعبية. وكلنا يتذكر كيف انتقل هذا الحزب بين عشية وضحاها، من حزب معارض لحكومة عباس الفاسي، التي رفض التحالف معها رغم تمكينه من خمس حقائب وزارية، إلى حزب مشارك في الحكومة بحقيبة وزير دولة " صاكاضو" بمبرر المصلحة العليا للوطن، لمجرد أن حزب الأصالة والمعاصرة، قرر الانتقال من موقع الدعم والمساندة لحكومة عباس، إلى موقف المعارضة، مع الاحتفاظ بوزيره في التعليم، أحمد اخشيشن، وزيرا في الحكومة، وهو المنطق الذي يتعارض اليوم مع مواقف الياس العمري، الذي تساءل في أكثر من مناسبة، عن كيف يمكن للإنسان أن يجمع بين حلاوة السلطة وشرف المعارضة في انتقاده للسلوكيات السياسية لحزب العدالة والتنمية؟ على المستوى الخارجي، رسم حزب الأصالة والمعاصرة لنفسه توجها استراتيجيا تنافسيا ببعدين رئيسيين: أولا: تكثيف علاقاته الخارجية وأخذ مبادرات دبلوماسية لم تتخذها حتى الحكومة المغربية " تقريب وجهات نظر الفصائل الفلسطينية " في الوقت الذي عجزت فيه تاريخيا كل المبادرات العربية الرسمية "من بيروت إلى الدوحة" على إنهاء حالة الانقسام الداخلي الفلسطيني، و"زيارة إلى المعارضة البورمية لإدانة المجازر التي يتعرض لها المسلمين هناك" مع العلم أن سلطة القرار بشأن وقف المجازر ليس بيد المعارضة. والغاية من وراء كل هذه المبادرات والمساعي الدبلوماسية، التي يقوم بها الأمين العام مصطفى بكوري، لن تخرج على تأكيد حضور الحزب وإبراز انشغالاته بالقضايا القومية ذات الصلة بالعروبة والإسلام، وهذا حقا سياسيا مشروعا بالنسبة لحزب الأصالة والمعاصرة، أسوة بباقي الأحزاب المغربية الأخرى. ثانيا: تسويق صورة الحزب دبلوماسيا، كقوة اقتراحيه عقلانية في البلاد، وكحزب مستقل عن السلطة، يجمع بين الأصالة والمعاصرة، ويوازي في فعله السياسي والمؤسساتي، بين انشغالات الداخل، وهواجس الخارج، في إطار سياسة قائمة على التنوع والانفتاح. وهذا التسويق يتخذ أسلوبين: 1 أسلوب اللقاءات الجماعية، في إطار تنسيق حزبي أو تحالف ظرفي في مواجهة الحكومة التي يقودها الإسلاميين، مثل اللقاء الذي عقد مؤخرا بأحد الفنادق المصنفة بالعاصمة الرباط، مع أكثر من أربعين دبلوماسي معتمد في المغرب لشرح مواقف كل من حزب الأصالة والمعاصرة " رأس حربة" والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والاتحاد الدستوري والتجمع الوطني للأحرار " كومبارس سياسي". وقد كان لافتا للانتباه، خلال هذا اللقاء، أن طبيعة الرسائل، التي حرصت أحزاب هذا التنسيق الرباعي إرسالها للخارج، رسائل واضحة في تبخيس عمل الحكومة وضعف أدائها التشريعي السياسي، ولا تحتاج إلى مجهود مضني، لمعرفة غاياتها وأبعادها والمقصود منها والجهة المستهدفة من ورائها. 2 أسلوب اللقاءات الثنائية، إما بطلب من الحزب وهذا حق مشروع في إطار الدبلوماسية الموازية للأحزاب السياسية، أو بطلب من الجهة التي يستضيفها هذا الأخير. وغالبا ما يتم التركيز في مثل هذه اللقاءات، على مسار الحزب، ومشروعه السياسي، ونظرته لقضايا الداخل والخارج، ومواقفه من قضايا مختلفة مثل الدستور وحقوق الإنسان والمرأة والديمقراطية والانتخابات. البعد الأساسي في هذا التوجه الاستراتيجي، لحزب الأصالة والمعاصرة، الذي لا زال مطاردا من قبل خصومه السياسيين، بلعنتي التحكم والسلطوية، بحكم ظروف تأسيسه، وكيفية اكتساحه للانتخابات الجماعية لسنة 2009، ومصادر تمويله التي تغطي كل تحركاته في الداخل والخارج... بعد يتوخى من خلاله الحزب تجميل صورته السياسية من الندوب التي لحقته مع بروز حركة 20 فبراير، التي قلبت حساباته رأسا على عقب، ودفعته إلى الانكماش السياسي المؤقت في انتظار أن تمر العاصفة ...وتقديم نفسه للآخر " الخارج" بالحزب الوسطي والمعتدل، الذي يستطيع، الموائمة بين خصوصيات البلاد، والتأقلم مع روح العصر ومتطلباته، في ظل عالم متغير يرفض الانغلاق والتزمت. من جانب آخر، التفاؤل الذي يطبع تصريحات عدد من القياديين في الصفوف الأمامية للحزب، بشأن المستقبل السياسي لحزب الجرار، والدعوات التي يتم التأكيد من خلالها، وفي مناسبات كثيرة، على ضرورة استعداد قواعد الحزب ومناضليه للمرحلة المقبلة، معطيات إذا تم ربطهما بالتصريحات التي تتهم هذا الحزب، بالوقوف وراء الاستهداف السياسي والنقابي الذي تتعرض له حكومة عبد الإله ابن كيران مند تنصيبها من قبل البرلمان، أمور تطرح أكثر من علامة استفهام، حول مصير حكومة سياسية منتخبة. هل بدأ حزب الأصالة والمعاصرة يستشعر قرب نهاية حكومة ابن كيران؟ هل بات هذا الحزب متيقنا من هذه النهاية؟ وبأسي وسيلة يمكن لحكومة منتخبة أن تسقط؟ دستوريا لا يمكن للحكومة أن تسقط ،إلا إذا استقال رئيس الحكومة، وقد يترتب على هذه الاستقالة إعفاء الحكومة بكاملها من قبل الملك، وتواصل الحكومة المنتهية مهام تصريف الأمور الجارية إلى غاية تشكيل الحكومة، وهذا أمر جد مستبعد في الوقت الراهن. كما يمكن حل الحكومة من خلال إجراء سحب الثقة من الحكومة، وهذا الأمر يتطلب التوفر على الأغلبية في مجلس النواب، وهي الأغلبية التي تتوفر للحكومة من خلال التحالف الرباعي الذي يضم كل من حزب الاستقلال والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية والعدالة والتنمية. فهل يستطيع حزب الأصالة والمعاصرة ترجيح كفة الأغلبية إلى المعارضة؟ في السياسة كل شيء ممكن، لكن بالنظر إلى تقاليد وأعراف اللعبة الديمقراطية في بلاد يعد فيها الملك "رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة"، يبقى خيار اللجوء إلى قرار سحب الثقة، خيارا صعبا ومحفوفا بمخاطر المس بالاختيار الديمقراطي، بوصفه أحد الخيارات الأساسية للملكة، التي يصونها الملك.