في السنة الماضية، وتحديدا في شهر فبراير الذي أثير فيه النقاش حول مستقبل حركة 20 فبراير، استشرفنا أربع سيناريوهات أو خيارات يمكن أن تختارهما هذه الحركة، - خيار الاستمرار في دعم الطابع الاحتجاجي للحركة وتأكيد هويتها كحركة اجتماعية تستوعب مجمل التعبيرات الاحتجاجية وتمتد إلى الأحياء الهامشية. - وخيار التحول إلى تعبير سياسي، ذي طبيعة جبهوية يضم الحساسيات التي تتقاسم أو تتقارب على مستوى بعض التوجهات السياسية. - وخيار جذري يطالب بإحداث تغيير في بنية النظام السياسي ويحاول استنساخ تجربة الثورة الشعبية في تونس ومصر، ونقلها إلى المغرب. - وخيار الضغط المجتمعي لإسناد تجربة التحول السياسي ومكافحة الفساد والاستبداد. اليوم، وبعد مرور سنة كاملة، برزت متغيرات جديدة، أعطت للتحديات التي كانت تواجه الخيارات الثلاثة الأولى مفعولا أكبر، حتى صارت أقرب إلى الاستحالة منها إلى الإمكان. فلم تستطع حركة 20 فبراير أن تتحول إلى حركة اجتماعية بسبب عجزها عن تجميع مكونات الحراك الاجتماعي وفي ظل تنامي المطالب الفئوية، كما أنها عجزت عن التحول إلى تعبير سياسي بسبب التناقضات الفكرية والسياسية التي تطبع مكوناتها هذا فضلا عن أثر ذلك على التنظيمات القائمة التي ساهمت في إعطاء زخم لحركة 20 فبراير، كما أن محاولات تحويلها إلى خيار جذري باءت بالفشل بسبب حالة الشلل التي أصابت الحركة بعد انسحاب جماعة العدل والإحسان منها وضعف بقية مكوناتها عن تحمل المسؤولية السياسية في هذا التحول. هل يعني ذلك أن حركة 20 فبراير انتهت مطلقا، وصارت أشبه أن تكون بذاكرة يتم الاستئناس بها عند الحديث عن لحظة التحول السياسي في المغرب ودور الحراك الشعبي في تسريعها؟ بالتأكيد لا، فرغم المؤشرات الظاهرة التي تبرز تراجع هذه الحركة عن لب أي دور سياسي أو اجتماعي في المغرب، فإنه لا يزال بالإمكان لهذه الحركة أن تستدرك الفرصة، وتعيد ترتيب أوراقها لاسيما إن أعادت تقييم الموقف، وحددت لنفسها مهمة جديدة تضمن بها شرعية جديدة وحضورا سياسيا جديدا. فإذا كان التحول إلى تعبير سياسي أو جدري خيارا فاشلا من الأصل، وإذا كان التحول السياسي الذي عرفه المغرب قد أعاق تحول حركة 20 فبراير إلى حركة اجتماعية احتجاجية، فإن هناك إمكانية لهذه الحركة أن تعيد التموقع في المشهد السياسي، وذلك بأن تركب الخيار الرابع، وتصبح ضميرا سياسيا لتجربة الانتقال الديمقراطي، تسند متجهاتها نحو الإصلاح وتسدد انحرافاتها وانزياحاتها وتخلق حالة الدعم الشعبي لمواجهة الفساد والاستبداد. يمكن لحركة 20 فبراير وبسرعة كبيرة أن تسترجع بريقها، وذلك بألا تكون بديلا عن الأحزاب، وإنما تصير الجسر الذي يجمع كل الشرفاء من كل الأحزاب والمكونات المدنية لخلق حالة شعبية ضاغطة تحارب الفساد وتمنع أي عملية للارتداد عن الديمقراطية، وتتعامل مع التجربة الحكومية بمنطق الضمير الشعبي اليقظ الذي يقف على مسافة منها، يراقبها ويضع معايير إسنادها ومحاسبتها، ولا يقف أبدا على الحياد، بل يخوض المعارك من أجل إسنادها إن اتجهت في مسار مكافحة الفساد وإرساء الحكامة والديمقراطية، ويخوض نفس المعارك ايضا إن هي انحرفت عن تحقيق الانتظارات المطلوبة منها. أمام حركة 20 فبراير اليوم، فرصة أخيرة لإحياء دورها السياسي، إلى جانب دورها التاريخي الرمزي، وإلا فإنها ستنتهي كما انتهت حركات أخرى، وستصبح مجرد ذاكرة رمزية للحكي والاستئناس بدل أن تصير ضميرا شعبيا حيا يبرر وجوده في كل وقت بمحاربة الفساد والاستبداد ودعم مسار الإصلاح ونقد التجربة وتقويمها وإسنادها.