قد لا تدري بعض اطياف المعارضة حجم الدعم الذي تحشده - دون ان تدري- لحكومة عبد الاله بنكيران،تفعل ذلك عندما يدفعها فقرها المدقع في الخيال السياسي ،الى مجاراة رئيس الحكومي في نمط تواصله ،فتسقط في حالة من الضحالة و البهلوانية المثيرة للاشمئزاز؛ليس بسبب نقص في الاحترافية -فالصراع ليس السياسي ليس مجرد تناظر خطابي-بل بسبب عجز بين في المصداقية. تفعل ذلك عندما يدفعها غياب الاستقلالية الحزبية ،الى نوع من محاولة تجريب معارضة الحكومة باسم الدولة!،فتسقط في خانة المقاومات المصالحية ،لبقايا "القوة الثالثة "،التي طالما تحدث عنها الفقيد عابد الجابري. تفعل ذلك عندما تركب بلا روية،خطاب محاربة الفساد ،دون ان تنتبه الى انها ابنة غير شرعية للفساد السياسي ،و انها ترعرعت في ريعه ،و شبت على امتيازاته و عطاياه،و ان وجودها نفسه مدين "للسيستيم" الذي صنع كائنات انتخابية ،منذ سنوات الرصاص،و رعاها بكل اليات الزبونية الاقتصادية ؛من رخص المقالع الى العقار العمومي،مرورا بكل انواع الامتيازات و المصالح . تفعل ذلك عندما تتجاهل التاريخ ،و تتناسى ممكنات التجربة و حدودها و اكراهاتها،فتسقط في خانة المعارضة المنبرية،التي يبدو الفاعل السياسي معها ،ليس فقط ،كما لو لم يتح له قط ،أدنى مرور بدواليب التدبير،بل و كما لو انه لن يتاح له قطعا ذلك في المستقبل! تفعل ذلك عندما تتجاهل قواعد "المنهجية الديمقراطية"و أسس التناوب الديمقراطي.فتسقط في خانة الباحثين عن معارضة الدسائس و الالتفاف على قرار صناديق الاقتراع. لكن كل هذه النوعية من "المعارضات"،لا تسمح للحكومة بالابتعاد عن قواعد اللياقة الواجبة في التعامل بين المؤسسات، ولا باللجوء الممنهج الى توزيع تهم الفساد على كل صوت معارض. بالرغم من كل هذه النوعية من المعارضات، فمن موقع المسؤولية التنفيدية ،لا يتصور تحول الجدل السياسي الى اتهامات بالفساد،لان هذه الاتهامات موضوعها هو محاضر النيابة العامة و ساحات المحاكم. مع الاسف،ليس من مصلحة البلاد في شيء ،ضعف المعارضة.في ذلك اختلال للتوازن السياسي و المؤسساتي،و هو ما من شانه استحواذ الشارع على كل مساحات الفراغ داخل الحقل السياسي ،عدا ذلك فان معارضة ضعيفة تعنى طريقا مفروشة نحو تغول الحكومات و كل الانفلاتات السلطوية. قد يشعر الفريق الحكومي للعدالة و التنمية ،بقدر من "التفوق الاخلاقى" على باقي الفاعلين ،تفوق لا يعود فقط الى منسوب المشروعية الانتخابية غير المسبوق ،بل و كذلك الى نزاهة مفترضة في "الوسائل" خلال العمليات الانتخابية. الذي تفعله المعارضة الفاقدة للمصداقية،بكل وسائلها هو بالظبط تغدية هذا "التفوق الاخلاقي" لدى الحزب الذي يقود الحكومة-على الاقل-،ثم لدى جزء من الراي العام الذي يصبح بالتدريج مقتنعا بان اي "فشل متوقع"للحكومة يعود بالأساس الى "الاخرين"الذين لم يتركوها تعمل! انه نفس "التفوق الاخلاقي "الذي طالما ميز المعارضة الاتحادية خلال السبعينات و الثمانينيات ،في مقابل حكومات بعجز فادح في المشروعية السياسية،و لعله جزء من ذلك التفوق الذي حصن بدايات تجربة حكومة التناوب ،خاصة تجاه معارضة قادمة من قلب الأخطاء المفضية للسكتة القلبية. لذلك فرصيد هذا التفوق ،ليس راسمالا ابديا غير قابل للاندثار،انه على العكس رصيد مهدد بالنضوب و التآكل و التبديد،و الأهم ان الاطمئنان الى هذا التفوق قد يقوي نزعة الفكر الوحيد لدى الحكومة،التي قد تعوض تعقد الواقع ،بنظرة "مانوية"للحقل السياسي ،تفصله الى شطرين :النزهاء داخل الحكومة او اللصوص خارجها ! قد لا يكون المرء بالضرورة ،لصا او عفريتا او تمساحا او حتى بعوضة،و مع ذلك قد يحدث ان يكون معارضا للحكومة. فقليل من سعة الصدر! و كثير من المتابعات القضائية تجاه من ثبت تورطه في ملفات الفساد!