أثارتني بعض التعليقات على منشوراتي في الفايسبوك، والتي تعبر عن الحالة الذهنية والتشخيص النفسي لبعض المعلقين، فتجد بعضهم إذا رآى منك موقفا صلبا وقويا أثنى عليك وعلى صلابتك وجرأتك، واهتمامك بأمر المسلمين، وأرسل لك الدعاء الجميل بكل أنواعه و أساليبه، لكنه إذا رآك تكلمت في غير هذا الباب، مما له تعلق بالحياة وجمالها، رأيته مشمئزا نافرا، وفي أحسن أحواله مشفقا خائفا عليك من تغير الخطاب وتغيير (المنهج). وفي مقابل هؤلاء بعض الناس إذا رأوا منك تلك المواقف القوية قالوا عودة إلى الخطاب المتطرف ودعوة للتشدد و...، و إذا رأوا منك تلك اللفتات الحياتية الجميلة قالوا هذا هو الاعتدال الذي ننشده، والتفتح الذي نريده. وفي رأيي أن كلا الاتجاهين فقدا قيمة أساسية في الحياة، ومقوما مهما من مقومات الشخصية السليمة و هو التوازن في الحياة، ما أجمل أن يكون المرء متوازنا في حياته، بين احتياجاته الطبيعية والروحية، الحسية والمعنوية، بين رغباته وتطلعاته، بين جده ولهوه، بين حزمه ولطفه، بين قوته وضعفه، بين سريرته وعلنه. وما أحوج الأمة إلى دعاة إلى الله تعالى تتجلى فيهم هذه الصفة، حتى يتمكنوا من ملامسة هموم الناس، وعيشها والتفاعل معها، موازاة لحاجاتهم النفسية والشخصية. نريد داعية إلى الله تعالى يوازن بين حمله لهموم الأمة وتحدياتها ورهاناتها، وبين فرحه وسروره بما أجزل الله عليه من نعم، وأفاء عليه من خيرات الدنيا ولذاتها. داعية يوازن بين الصلابة في المواقف والجرأة في قول الحق عند الحاجة، وبين مراعاة الواقع والإكراهات و الموانع والعوائق. داعية يوازن بين تعظيم الكتاب والسنة و إجلالهما واتباعهما، وبين فهمهما وتنزيلهما على الواقع وتحقيق مناطهما. داعية يوازن بين تعظيم السلف ومعرفة سبقهم ومكانتهم، وبين استنساخ تجاربهم وتنزيل واقعهم على واقعنا ، وإكراهاتهم على إكراهاتنا، وسياقاتهم على سياقاتنا. داعية يوازن بين حزمه في الخطاب والعظة والتوجيه، ولطفه و حسن حديثه و أدبه مع الناس . داعية يوازن بين وقاره وهيبته وبين شاعريته و رقته و رهافة حسه، ينذر ويعظ على المنبر، و يعلن عن مشاعره ومحبوباته أمام الناس دون حرج أو تكلف. داعية يوازن بين جده عند الاقتضاء ، ومزحه ودعابته وقت التبسط والهزل. داعية يوازن بين عطائه في الدعوة، وبذله في الحركة ، وبين حصة من البلاي ستايشون يلعبها مع أبنائه أو فيلم هادف يشاركهم فيه تأثيرا وتأثرا. داعية يوازن بين ما ينبغي أن يكون له من احترام عند الناس، وبين مشاركته لأصدقائه في مباراة كرة قدم، أو نزهة في الغابة، أو جلسة هادئة على البحر. داعية يوازن بين غضبه عند انتهاك الحدود، وغيرته على الشريعة، وبين تلطفه مع زوجته وأبنائه، فخيركم خيركم لأهله. داعية يمضي ليله يسكب العبرات في محرابه، ونهاره في كسب رزقه وقوته وتحصيل معاشه. داعية يوازن بين قراءة ورده من القرآن، ونصيبه من الذكر، وبين مطالعاته لروايات المنفلوطي وروايات أجاثا كريستي ومذكرات هتلر. داعية يوازن بين ما ينبغي أن يكون عليه لباسه وزيه من احترام يناسب مكانته وموقعه، وبين حسن مظهره وجمال زيه وبهاء منظره. هذا هو الداعية الذي تحتاجه الأمة، والذي حتما سيجد قبولا واستجابة واسعة عند جماهير المدعوين. http://www.facebook.com/abohafss