أسوء تجارة هي تجارة الدماء: اغتيال المعارض التونسي شكري بلعيد ، جريمة سياسية لا يمكن لأي مناضل شريف إلا أن يدينها ويعلن البراءة من منفذيها ، واستغلال هاته الجريمة البشعة وتوظيفها سياسويا جريمة أكبر لا تستحق سوى الإدانة والمقت ،المتاجرون بالدماء حملوا حركة النهضة المسؤولية على هذا الإغتيال ، رغم انها الحزب الحاكم الآن ، الذي قضى أغلب قياداته جزء غير يسير من حياتهم في السجون والمنافي ، وهو موقف غريب حقا إذ كيف يمكن أن يعمل حزب حاكم على إشاعة الفوضى في هذه الظرفية الحساسة التي تعيشها البلاد ، فذلك معناه تقديم هدية مجانية للأعداء قبل الخصوم ، رغم إدانة الشيخ راشد الغنوشي لهذه الجريمة ومعه حركة النهضة والحكومة برمتها ،ورغم أن مواقف الرجل وكتبه تشهد على فكره المتنور ، الا أن ذلك كله لم يكن ليشفع له مع دعاة العلمنة الشاملة ، البعض من أشباه الصحفيين ،والكتاب في بعض جرائد مغربنا الصفراء ، حاولوا أن يظهروا بمظهر المحللين المتابعين للأحداث واعتبروا أن هذا الإغتيال دليل على الفكر الرجعي لإسلامي تونس ليعمموا استنتاجهم بعد ذلك على كل الحركات الإسلامية ،من باب "ولاد عبد الواحد كلهم واحد " ، موقف يذكر بحصار الحركة الإسلامية بعد الأحداث الدامية ل16 ماي ، حيت تم تحميل الإسلاميين المسؤولية المعنوية على هاته الأحداث "طاحت الصمعة ،علقوا الحجام " . يحاول المتاجرون بالدماء أن يستغلوا هذه الجريمة ، لتخويف الشعب من الإسلاميين ،بل إن الهدف الرئيسي هو ربط المشروع الإسلامي بالعنف والإرهاب ، صحيح أن هناك تيارا دينيا متطرف في تونس ولد نتيجة القمع الذي مورس على الجميع ، و إفراغ المساجد والمؤسسات الدينية من محتواها ، فماذا ننتظر من بيئة كانت كان نظامها يعتبر الحجاب زيا طائفيا، ويسوم النساء سوء العذاب ويعادي كل مظهرا من مظاهر التدين ،" فمن يزرع الريح لا ينتظر سوى العواصف" ، لكن هناك أيضا تيار علماني متطرف بتونس ، لدرجة انه يجرد الإسلاميين من حقهم في المواطنة فهم ليسوا في نظره سوى عملاء لقطر والسعودية . العنف مدان وسلاح الجبناء ،و الإسلاميين عانوا أكثر من غيرهم من عنف وقمع الأنظمة التسلطية ، بدءا من اغتيال حسن البنا ، وإعدام سيد قطب رحمة الله عليه ، أما سجناء النهضة في تونس فقد وصل عددهم حوالي ثلاثين ألف سجين ،أي ما يعادل سكان مدينة مغربية بأكملها. من غير المفهوم أن تتهم النهضة وزعيمها راشد الغنوشي بمسؤولية اغتيال شكري بلعيد قبل أي تحقيق وقبل أن يقول القضاء كلمته ،جرائم الإغتيال السياسي ليست جديدة ، ويجب أن يتم التعامل معها بحكمة حتى لا تقع أشياء تأتي على الأخضر واليابس ، لا يستفيد منها سوى أعداء الثورة طبعا . التاريخ يذكرنا بإغتيالات سياسية خطيرة كان منفذوها من الأباء الروحيين لبعض علمانيي اليوم ،ضد رفاقهم ، هكذا عمل ستالين على إزاحة تروتسكي وطرده واغتياله بعد ذلك على يد أحد عناصر المخابرات بالمكسيك فهل كان ستالين إسلاميا ملتحيا ؟أم شيوعيا علمانيا مقدس عند البعض من رفاقه ملعونا من البعض الآخر ، ستالين قام باغتيال الآلاف وإبعاد الملايين قسرا من بلدانهم حتى يتسنى له تنفيذ سياساته البيروقراطية ، إلا أن بعض علماني ويساري اليوم لا يريدون أن يذكروا هذا العنف الممارس عبر التاريخ وينسبون دائما العنف للإسلاميين بكافة فصائلهم . لقد أبانت حادثة اغتيال شكري بلعيد حجم الاستغلال الماكر الذي مارسه بعض المتاجرين بالدماء ، الراسبين ديمقراطيا ، مما يجعل المسؤولية جسيمة اليوم على العقلاء من كافة التيارات لتوحيد الرؤى والخروج بتصور شامل يهدف إلى عزل فئة المتاجرين التي لا تعرف شيئا غير مصلحتها السياسية الضيقة ، كما أنه على الحكومة أن تقوم بإعمال القانون على كل من تبت ممارسته للعنف أو التحريض عليه من كل الأطراف ،و إلا فإن البلد مفتوح أكثر من أي وقت مضى على المجهول . [email protected]