قد يستهين العديد من المتابعين والمراقبين ل"الاستثناء المغربي" ما حدث للطالب الباحث والناشط المدني عبد الخالق بدري، بعد اعتقاله بالرباط على خلفية مذكرة بحث صادرة في حقه من النيابة العامة لمدينة لا تُذكر إلا في حالات جلها يُسيئ لهذا الوطن المكلوم، اسمها طاطا لا تكاد تجد أسرة فيها لم تقدم أحد أفرادها قربانا لاستقلال المملكة وحماية حدودها. القصة بدأت منذ شهر أبريل من السنة الماضية، بعد أن كتب الناشط الطلابي مقال رأي لا تزيد كلماتها عن 700 كلمة، على جريدة الجماهير "هسبريس"، ضمنه بعفوية وحرقة المناضل الغيور على بلدته ملاحظات ومقارنات لامست الوضع الاجتماعي بالخصوص بإقليم طاطا، حاول من خلالها استنهاض همم النخب المحلية من أجل فعل احتجاجي سلمي ينفض الغبار على إقليم تُبرز كافة المؤشرات أنه منسي فعلا ومهمش ومقصي فعلا، وأكد في مقالته أنه لا يريد بما كتب أن يؤسس لفعل عنفي أو ثوري، وإنما الوقوف فقط على ما سماه الفساد الميكرو المتجلي ببعض بقاع المغرب. كلمات بدري والتي بالتأكيد لم يكن يظن أنها ستكون سببا في اعتقاله بعد 10 أشهر من نشرها، وجدت من يتربص بها وبكل من يجرؤ على انتقاد السلطة وتعاطيها مع هموم المحرومين والكادحين الدراويش خاصة في مدن الهامش، لتلتقطها بسرعة وتلج بها إلى دهاليز التكييف من أجل التطويع، خدمة لأجندة واضحة قد تُنسج خيوطها في المركز لكن تطبيقها العابر للمدن وللقرى وربما حتى للبيوت يجد صداه هناك في الأطراف حيث لا صوت يعلو على صوت "المخزن" بلغة البسطاء. اعتقال طالب باحث فقط لأنه تساءل وحق له ذلك ، عن تأخر انتفاضة مواطنين بمدينة تعاني من نقص حاد في كل مجال، إلا في حب الوطن وعشقه، مشهد نشاز في خيار أعلن الذين رسموا مساره أنه استثناء مغربي، وقال الذين بشروا به أنه طريق ثالث، لذلك وجب أخذ الأمر في سياق معين وعدم التعامل معه على أنه ملف هامشي يخص مدونا هامشيا ومدينة هامشية، وعدم التساهل في البحث في الأسباب "العميقة" وراءه، حتى لا يضطر بعض مسؤولي "الطريق الثالث" للخروج علينا من جديد بتبريرات وتفسيرات هم أول من سيجد صعوبة في الاقتناع بها، خاصة أن هناك من ينتظر في رأس الشارع كل خطأ مهما كان صغيرا لتثبيت أحكام جاهزة في حق المغرب. ما حدث لعبد الخالق بدري يُسائل وزارتي العدل والحريات والداخلية بشكل مباشر، لأن النيابة العامة هي من أصدرت مذكرة البحث ولأن عامل طاطا عبد الكبير طاحون حسب محامين يتابعون الملف، هو من رفع شكاية بتهمة التحريض على التظاهر والاحتجاج، والأكبر من ذلك أن الحادث يسائل عددا من الشعارات التي ترفعها حكومة "الاستثناء المغربي"، حكومة الإصلاح في ظل الاستقرار، ويجعلها أمام امتحان الصدق ليس في رفع الشعارات ولا في النوايا، ولكن في إحساس رئيسها بإمكانية تحقيق هذا الإصلاح والذي لن تكون أرضيته الصلبة سوى الحرية في القول والعمل والكتابة أيضا. على العموم شكرا عبد الخالق بدري لأنك ذكّرت الغافلين أننا مازلنا في المغرب، وأن التغيير الذي تنشده وينشده معك من هم في سنك يبدو بعيد المنال، وشكرا لك كذلك لأنك أثبتت للجميع أن حريتك صودرت في عهد وزير للحريات هو في الوقت ذاته قيادي في المشروع الذي أنجبك، وشكرا لك أيضا لأنك ذكّرت المغاربة أن إقليما يُقال له طاطا يشغل مساحة مهمة من خريطة المملكة، ما يزال ينتظر النظر إليه بعين الحق لا بعين الشفقة، وشكرا لكم جميعا لأنكم قرأتم هذه الكلمات.