ياني سخيبر وكريمة ادريسي - إذاعة هولندا العالمية - بناية بيضاء رائعة، على تلة عالية هادئة، محاطة بالأشجار والأزهار، في مدينة طنجة. حين فتحت أمامنا بوابة البناية، استقبلتنا ضحكات بريئة للأطفال. كانوا قد تناولوا وجبة الغداء ويستعدون لقيلولة النهار. لعب وألوان زاهية وصور رائعة في كل مكان، تدل على أن المكان مملكة للأطفال فقط، ولا احد غيرهم. صعدنا معهم إلى الطابق العلوي، حيث غرف النوم موزعة حسب الفئة العمرية. أسرة بملاءات مزركشة، ولكل طفل لعبته المفضلة في السرير، يحتضنها ويستعد للنوم مبتسما. سعدوا بالزوار. يتابعوننا بنظرات فضولية. دينا في العام الثاني من عمرها، تهب واقفة في سريرها، وتهتف مرحة: هاااي!!! غصة في الحلق "حين أتيت إلى هنا، اغرورقت عيناي بالدموع"، تقول فاطمة (30 عاما) ، متطوعة من مدينة أمستردام الهولندية. قررت بعد ان زارت المكان أثناء إجازتها بطنجة، ان تبقى فترة، لتساعد في رعاية هؤلاء الأطفال. "أشعر بغصة في الحلق حين أعانق هؤلاء الصغار". دينا تمد ذراعيها متباكية لفاطمة فتحملها وتحاول تهدئتها، وتحكي انها حين وصلت هنا للعمل التطوعي، حكت لها متطوعة سبقتها إلى هنا، ان والدة دينا تركتها هنا لترتب أمورها المادية بالخصوص ثم تعود لتأخذها. في العام 1987 تأسس الملجأ من طرف محسنين. تشير الإحصائيات إلى أن الملجأ استقبل من العام 2000 إلى الآن أكثر من 700 طفل وطفلة من مختلف مناطق المغرب، معظمهم مولود خارج إطار الزواج. الكفالة استقبل الملجأ في العام 2012 حوالي أربعين طفلا. وصل معظمهم في اليوم الأول لولادته، ويقيمون في الملجأ فترة لا تتجاوز السنتين. وقد وجدت لكل واحد منهم تقريبا عائلة كفيلة إما من داخل المغرب او من خارجه، وفي انتظار إتمام الأوراق الرسمية لتسليمه، ولا بد أن تكون العائلة الكفيلة مغربية او مسلمة على الأقل. وفي مسطرة الكفالة يقوم قاضي التوثيق ببحث حول العائلة الكفيلة، بتعاون من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ورئيس الدائرة والشرطة. وحين يتبين أن العائلة صالحة، يمكنها أن تحتضن الطفل. ويحمل الطفل في الغالب اسم أمه وإذا كان مجهول الأبوين، فبإمكان العائلة الكفيلة أن تمنحه ما يُعرف ب "مطابقة الاسم"، حيث يُسجلّ الطفل باسم العائلة الكافلة، دون أن ينتسب إليها شرعياً، بسبب حظر التبني وهو حظر قائم على تحريم ديني إسلامي للتبني وفق التفسيرات الفقهية المعتمدة، ويتم ذلك بناء على طلب تقدمه العائلة إلى السلطات المختصة. لا احد يكفل المعوق هناك مجموعة من الأطفال الموجودين حاليا بالملجأ، يعتبرون في "وضع صعب"، مما يعني أن وضعيتهم معقدة نوعا ما، فلا يمكن تسليمهم للكفالة. منهم من تريد أمه أن تستعيده مثلا، ومنهم من اعترف به أبوه ويريده، وذلك يتطلب إجراءات صارمة. وهناك أطفال يكبرون بالملجأ دون ان يوجد لهم كفيل، فيبعثون الى قرى SOS Villages وهي "قرى" تتبع لمنظمات دولية لرعاية الأطفال، والموزعة ما بين مراكش والدار البيضاء والحسيمة. الا ان الحالة الاكثر بؤسا هي حالة المعوقين، فلا احد يقبل بأن يتكفل بهم. واذا حصل وحاولت عائلة كفيلة أن تعتني بمعوق، ففي الغالب تعيده بعد فترة وجيزة إلى الملجأ وتعتذر عن كفالته. هناك بالملجأ حاليا عشرة اطفال لا احد يرغب بهم. ثمانية منهم معوقون، واثنان مصابان بحالة الانطواء، اكبرهم يبلغ من العمر 13 سنة. كفالة من الملجأ يبدو موظفو الملجأ أسرة واحدة متماسكة، ومنهم من تكفل بطفل من هناك، مثل مديرة الملجأ التي تكفلت بطفل وطفلة، وتتوسع ابتسامتها وهي تخرج صورتهما من حقيبة يدها لتريها لنا. اما "الحاجة" اقدم موظفة بالملجأ، فقد تكفلت بطفل منذ ولادته، وهو الان يبلغ الثانية والعشرين. "لم اخف عن ابني الحقيقة ابدا منذ وصوله لسن الثالثة". وتؤكد الحاجة انه كلما كان البوح بالحقيقة مبكرا، كان افضل. "شرحت لابني بحنان ان امه اضطرت لان تتخلى عنه ليحظى بحياة أفضل لانها لم تستطع ان تقدم له تلك الحياة، وإنني أمه، لم الده من رحمي، ولكن من قلبي". حين تجد الشرطة مولودا في الشارع، تأخذه إلى المستشفى، وحين يفحص من طرف طبيب للأطفال ويتضح أن صحته جيدة يبعث إلى الملجأ. وبهذه الطريقة تعرفت الحاجة على ابنها. "احببته كما لو انه كان ابني واقنعت به زوجي. لا فرق بينه وبين بنتينا أبدا". خيبة امل ام حسن حظ؟ يستعد الملجأ اليوم ليوصل الخبر السيء لعائلة ارادت ان تكفل طفلا وكلفتها الاجراءات الرسمية لتسلمه دهرا. وها هي الان ستأتي هذا المساء لتأخذه ولكن ام الطفل جاءت هذا الصباح وقالت انها تريد طفلها. "ووجدنا له عائلة رائعة احبته واحتضنته وتأتي يوميا لزيارته وتضمن له حياة مريحة، ولكن الام مهما كانت وضعيتها صعبة، ماديا وامام المجتمع باعتبارها اما عازبة، الا ان لها الاسبقية في استعادة ابنها". نداء للمساعدة كانت الدولة تساعد الملجأ بحوالي 250 الف درهم في العام، ولكن هذه المعونة توقفت في السنة الماضية. وحين سألنا مديرة الملجأ ما إذا كانت المساعدات الحكومية قد توقفت بعد تشكيل الحكومة الحالية التي يقودها حزب العدالة والتنمية ذو التوجهات الإسلامية، أومأت برأسها علامة الموافقة دون تعليق. الان يتستفيد الملجأ من صدقات المحسنين من الداخل والخارج. ويوجه الملجأ نداء لكل من يقدر على المساعدة بما يضمن استمرار الملجأ على الصورة التي هو عليها الان، اذ ان تكاليفه ضخمة. ورواتب موظفيه فقط تبلغ 700 الف درهم سنويا.