من الدارالبيضاء- كريمة ادريسي/ إذاعة هولندا العالمية- "حين كنت حاملا، كنت اشعر بالضياع الكامل. كانت أحيانا تنتابني حالة ندم تصيبني بالاكتئاب. خسرت كل شيء، أحلامي ومستقبلي وأهلي. وفي بطني حياة لا اعرف كيف سأمنحها الحياة. ولكن بمجرد ما رأيت طفلتي، أحببتها جدا، هي أمل حياتي الان. ستعوضني يوما عن كل هذا الضياع". نورا، ام عازبة لطفلة في عامها الأول. شابة في الخامسة والعشرين، رائعة الجمال والأناقة. في عينيها السوداوين الواسعتين انكسار شديد، تخفيه بابتسامة خجولة لا تفارق محياها. كانت طالبة جامعية ذات طموحات كبيرة حين اكتشفت فجأة انها حامل من حبيبها الذي عشقته بجنون، وتواعدت معه على الزواج والمستقبل. انهار عالمها بالكامل، تركت الجامعة، طردت من البيت ووجدت نفسها بالشارع، تنام في محطات القطار مع رضيعة لم يتجاوز عمرها اياما قليلة. الطريق للإجهاض صعب جين تصل نورا إلى الحضانة لترى ابنتها قليلا قبل أن تعود إلى الجامعة، تتعلق الطفلة بها وتضحك وتمرح. تنهال عليها نورا بالتقبيل وتقول "هذه حياتي وهذه أملي.. ستنصفني حين تكبر وتعوضني عن حرماني ومأساتي. ارفض بعد هذا، أن يقتحم حياتي أي رجل كان ". كانت طالبة في الكلية، وتعمل لساعات محاسبة مساعدة لتغطية مصاريفها لأن عائلتها كانت فقيرة. حين عرفت نورا أنها حامل، فكرت في الإجهاض ولكنها لم تعرف اي الابواب ستطرق وإن عرفت فلن تستطيع ان تؤدي مصاريفه. لذلك سرعان ما تراجعت عن الفكرة. وكان الزواج هو الحل الوحيد امامها والذي بدا بدوره مستحيلا. ما كان في أحشائها ثمرة حب كبير، وكانت تعتقد أن حبيبها الذي كان موظفا، لن يتخلى عنها في هذا الظرف، إلا انه اختفى تماما من حياتها بمجرد ما عرف بحملها، ولم تعرف إليه طريقا. حين أطلعت أهلها على حملها، طردوها من البيت، فوجدت نفسها بالشارع. طرقت أبواب صديقاتها، فآوينها طيلة فترة حملها، وهو الأمر الذي صار مستحيلاً بعدما وضعت. في الشارع حين غادرت المستشفى بعد أربعة أيام، لم تجد أمامها إلا الشارع يؤويها. منحها بعض الخيرين من المستشفى نقودا لتأكل بها. كانت توفر تلك النقود لتأكل بها وتبيت في الشارع أمام البيوت، أو بمحطة القطار. كانت ترضع ابنتها. "كان حبا ووعدا بالزواج، أثمر هذه الفتاة، ولكن بمجرد ما عرف إني حامل اختفى." الان تعمل يوما وتدرس يوما آخر، أما ابنتها فتتركها طيلة أيام الأسبوع بحضانة جمعية التضامن النسوي التي تخصص جهودها للأمهات العازبات، والتي آوتها بعد وضعها وساعدتها على استعادة حياتها العادية، بالعودة إلى مقاعد الدراسة وتوفير فرصة للعمل. تأتي نورا كل مساء متلهفة لتأخذ ابنتها ولتعودا معا الى الغرفة التي تسكنانها. "حياتي سأكرسها لابنتي .. لن اعيش قصة حب مرة اخرى ابدا. علاقاتي الاجتماعية معقدة. ينظر الي الكل كما لو كنت امرأة فاسدة. يؤاخذونني دائما على كوني أما عازبة. اما الرجال فبمجرد ما يعرفون إني أم عازية، فيعتقدون إنني سهلة المنال. ويتقربون مني لهذا الغرض. ليتهم يعلمون كم اشمئز منهم ومن نظرتهم المتخلفة تلك". لن تتوانى نورا في الرحيل الى بلاد تحترم فيها حقوق الإنسان، وفيها للام العازبة نفس حقوق الأم "العادية". "كم أود أن اهرب بابنتي من هنا إلى بلاد غريبة وبعيدة، تحترمني كإنسانة، لها نفس الحقوق والواجبات مثل باقي البشر. إن عالمي الحالي، يبذل وسعه ليدفعني الى الفساد. فهل هناك جحيم أفظع من هذا؟". أمي عازية وأنا سأضمن حقها في بداية الربيع العربي، قرر ابن لام عازية ان يتبع خطى الشاب التونسي محمد البوعزيزي الذي أوقد شعلة ثورات الربيع العربي من بلدة في تونس، تدعي سيدي بوزيد. اعتقد "عادل" ان حرق النفس هو الحل الوحيد ليتخلص من "الإهانة وتعب الحياة". حين اخبر أمه بما ينوي، وصلت مذعورة إلى جمعية التضامن النسوي تطلب المشورة، وتبكي دموعا ساخنة امام المساعدة الاجتماعية. ابنها فوق العشرين، متفوق في الدراسة، وهي كرست كل حياتها له، بالعمل في البيوت. حين تقدم لامتحان القبول لدى كلية الشرطة والدرك، فاز بامتياز. كان أمله ان ترتاح امه، وان يعمل هو ويواصل دراسته في القانون ليصبح محاميا يوما ما، ويدافع عن أمه وقريناتها وعن نفسه وأقرانه من أبناء العازبات. بدا لوهلة حين تم قبوله بكلية الشرطة وكأن الطريق بدأت تتعبد امامه. لكن حين طلبت منه أوراقه الشخصية وبياناته، اكتشفت الكلية انه "لقيط" حسب التسمية المستخدمة في الدوائر الرسمية ولا يحق له ان ينتمي للكلية على ذاك الاساس. يقول عادل:"صبرت بلا حدود لمناداتي ب"ولد الحرام"، "ولد الزنا"، تحملت الفقر وألمي لرؤية امي تهان وتعمل خادمة في البيوت لأجلي.. ولكنهم يغلقون كل الأبواب أمامي .. ويحرمونني من حقي في الحياة. لم اكن ارى حلا أمامي إلا أن احرق نفسي وانتهي". بعد تدخل جمعية التضامن النسوي، تراجع عادل عن قرارع بالانتحار، وهو عازم الآن على تحقيق حلمه في المحاماة. يريد أن يقف يوما مثل وقفة مارتن لوثر، ليصرخ بحلمه.. وحينها سينحني المجتمع خجلا مما جناه عليه وسيقدم له الاعتذار.. تماما كما يحدث في فرنسا الان.