صدم العالم من الطريقة التي تدخلت بها القوات الجزائرية من أجل إنهاء عملية احتجاز الرهائن الغربيين والجزائريين من يد كتيبة الموقعين بالدم، التي يقودها مختار بلمختار، في قرية عين أميناس كرد فعل على تعاون الجزائر مع فرنسا في حربها ضد فلول القاعدة في مالي، بعد أن ترددت طويلا في الموافقة على الانخراط في الحملة الفرنسية لمنع أتباع الجماعات المتطرفة من بسط هيمنتها على دولة فاشلة مثل مالي، حيث اعتمدت مجموعة التدخل الخاصة، المعروفة باسم (GIS)، سياسة الأرض المحروقة، وعدم اللجوء إلى أي نوع من التفاوض من أجل تحرير الرهائن الغربيين الذين قتل منهم أكثر من 37 رهينة. أمريكا وبريطانيا ودول أخرى عبرت عن انتقاداتها مباشرة للطريقة التي تدخلت بها مجموعة التدخل الخاصة التابعة للمخابرات الجزائرية، والتي تتكون من 1000 عنصر مجهزين بأحدث الأسلحة وخاضعين لتداريب خاصة في روسيا وأمريكا وفرنسا. من جهة أخرى، قالت مصادر مطلعة ل"أخبار اليوم" إن القيادة السياسية، ممثلة في الرئيس بوتفليقة، لم يكن لها أي دور في إدارة الأزمة، وإن المخابرات العسكرية هي التي اتخذت قرار القضاء على المسلحين ورهائنهم بدون مفاوضات، وهو الأمر الذي أحرج الدبلوماسية الجزائرية في العالم. الجزائر جارتنا، وهي قدر جغرافي وسياسي وجب أن نتعايش معه، وأن نفهمه، وأن نبحث عن سبل للتطبيع معه، أو على الأقل لكي لا نصطدم به. قبل أسابيع من مغادرة ألان جوبي وزارة الخارجية الفرنسية، كنت أحد أربعة صحافيين مغاربة التقوا ألان جوبي في شهر مارس من السنة الماضية، أثناء زيارته للمغرب بعد 3 أشهر من وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكومة، فسألته، في جلسة مفتوحة في مقر السفير الفرنسي بالرباط، عن دور محتمل أو مطلوب لفرنسا من أجل قيادة محاولة تطبيع جديدة بين الأخوة الأعداء، المغرب والجزائر، خاصة وأن الأجواء آنذاك كانت توحي بأن قصر المرادية بدأ يتضايق من الإحراج الذي يسببه إلحاح المغرب على فتح الحدود المغلقة منذ 17 سنة. رجع ألان جوبي، وهو واحد من الساسة المخضرمين، إلى الوراء، وتنهد قبل أن يجيب عن سؤالي قائلا: "اسمع، الجزائر بلاد صعبة، وحتى فرنسا لديها معها خلافات معقدة، فيها جانب نفسي وآخر تاريخي وثالث سياسي، ونحن لم نصل معها إلى لغة تفاهم مشتركة رغم كل التاريخ الذي يربط شعبينا بحلوه ومره، ولهذا صعب أن نلعب دورا في التطبيع بينكم وبينهم". ثم أضاف وزير خارجية فرنسا: "لا تنس أن الجزائر لا تقبل منا، نحن بالذات، أي وساطة بينكم وبينها، لأن مسؤوليها يعتبروننا متورطين إلى أبعد حد في دعم المغرب في موضوع الصحراء على حساب الجزائر". "الجزائر بلاد صعبة، ولم نجد معها لغة دبلوماسية مشتركة إلى الآن"، هذه جملة تلخص كلاما كثيرا للذي يريد أن يفهم خصوصية جيراننا، فإذا كانت فرنسا، وهي قوة عالمية كبرى، لم تعثر على لغة مشتركة بينها وبين الجزائر، فكيف نستطيع نحن ذلك؟ إنها جملة تساعد على فهم خلفيات العداء المستحكم بين الجارين. وجهت سؤالا إلى وزير خارجية مغربي سابق التقى بوتفليقة أكثر من عشر مرات، وتعرف إليه منذ أيام التحرير في الستينات، عن سر العقدة المستحكمة بين المغرب والجزائر، فكان رده: "إخواننا الجزائريون لا يريدون أن ينسوا آثار حرب الرمال رغم مرور نصف قرن عليها، هذا واحد. ثانيا: لم يستسيغوا اتفاق المغرب مع موريتانيا حول الانسحاب من جزء من الصحراء، ومازالوا يتوهمون أن المغرب حرمهم من الإطلالة على الأطلسي عبر الجنوب، وأن الإسبان لما أوقفوا زحف فرنسا في الصحراء ومنعوها من الوصول إلى مياه الأطلسي ارتكبوا خطأ كبيرا، وهم مكلفون اليوم بتصحيح هذا الخطأ التاريخي. ثالثا: مازالت النخبة العسكرية والسياسية ترى أن قوة الجزائر في ضعف المغرب، وأن أي إنجاز يتحقق في الرباط يزعج في العاصمة الجزائر، إذ كيف لبلاد لا غاز فيها ولا نفط أن تكون بنياتها التحتية، مثلا، أفضل من بلاد لديها مليارات من الدولارات من عائدات الغاز، ولا تعرف كيف تحولها إلى نسب نمو؟ هذه هي القصة باختصار، والباقي تفاصيل". فما هو الحل؟ كل من سألتهم عن الجواب، وفيهم الأخضر الإبراهيمي، حكيم الدبلوماسية الجزائرية، يقولون إنه الزمن، ويجب إعطاء الوقت للوقت، كما كان يقول الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا ميتران. مادامت نخب الستينات مازالت تحكم الجزائر، فلا حل في الأفق، ويجب ترك ملاك الموت عزرائيل يتكفل بحل هذه العقدة بطريقته الخاصة. إنها أقصى درجات العبث وموت الإرادة، أن نترك ملك الموت يحل مشاكلنا. * مدير نشر "أخبار اليوم المغربية"