أحسنت الزميلة "المساء" وهي تصف ب"اللغط الإعلامي الفارغ" النقاش الدائر حول صورة عميد الأمن المركزي والمرأة المنقبة والتي نشرتها "الجريدة إياها" منذ أيام، خصوصا بعد أن أضافت إلى هذا الوصف وصفا آخر لمن انتقدو ا التوظيف الخاطئ أو المهيج للصورة حيث نعتتهم ب"الضعفاء في الثقافة الإعلامية والجاهلين بأخلاق المهنة. "" طبعا من حق الزميلة إياها أن تصف من تشاء بما تشاء، ومن حقها اليوم - وهي تتربع على عشر المبيعات المضحك في المغرب - أن توزع صكوك الغفران والتألق في الميدان الصحفي على أصدقائها وخصومها ومنافسيها. هل قلت منافسيها؟ أسحب بسرعة، فلاأحد يستطيع اليوم منافسة "المساء". لاأحد يتخيل ولو لوهلة واحدة أن هذه "الزميلة العزيزة" قابلة للدخول في سباق استقطاب القراء ونيل ثقتهم طالما أنها فرت بعيدا عن البقية، وحسمت لقب الدوري الصحفي منذ دورات عديدة، تاركة لبقية الجرائد أن تتنافس حول المركز الثاني المؤدي للمشاركة في إحدى المنافسات القارية أو العربية على حد تعبير المذيع الرياضي المبتذل.. . أسحب المنافسة وأستبعدها، وإن كنت مجبرا على العودة بقليل ترو لهذا "اللغط الإعلامي الفارغ" الذي أثارته هذه الصورة، مع الإشارة إلى قيمة ماتفعله صورة واحدة حين تستطيع أن تثير كل "هذا اللغط" الذي لن تثيره بكل تأكيد مائة مقالة من تلك التي يكتبها بعض الذين على بالكم، غير أن هذا ليس موضوعنا بكل تأكيد. لنعد إلى لغطنا الإعلامي الفارغ الذي أوضح للزملاء في "المساء" أن زملاءهم في الجرائد الأخرى يعانون من "ضعف الثقافة الإعلامية والجهل بأصول المهنة"، ولننس تماما الحديث عن زفاف مزعوم في القصر الكبير لمثليين جنسيين كاد يتحول إلى كارثة وطنية، ولننس وكيل الملك الذي وجد نفسه بقدرة قادر يلعب دور النكافة داخل هذا العرس، ويزغرد ويرقص ويطبل قبل أن نكتشف أن لاوجود لأي وكيل ولأي عرس ولأي شيء على الإطلاق، ولنتذكر فقط أن الحكم الذي تلا هذه "الفالطة" كان قاسيا أكثر من اللازم، ولنتغاض عن سلخ ملفات مجلات فرنسية وتقديمها في الصفحة الأولى باعتبارها عملا مهنيا كبيرا استطاع فتح ملف الدعارة في المغرب، وزلزل عروش مافيا بيع الأجساد ، وأيقظ المغاربة وأظهر لهم الحقيقة المطلقة التي لم يكونوا يعرفونها أبدا. لننس كذلك صورة تبين الشابتين المغربيتين اللتان تنتظران قرب محطة قطار ما في مدينة ما واللتان تحولتا في تعليق أول إلى "عاهرتان ينتظران وسيطا لكي يذهب بهما إلى أمير خليجي"، ثم تحولتا في تعليق ثان في الصفحة الأولى من الجريدة إياها إلى "طالبتان تنتظران سيارة أجرة"، قبل أن تتحولا في التعليق الثالث والأخير إلى "شابتان مغربيتان تعانيان من مشاكل النقل". هل قلت "الضعف في الثقافة الإعلامية والجهل بأصول المهنة"؟ لاأعتقد، لم أقل شيئا، لنعد حقا إلى اللغط الإعلامي الفارغ إياه. ماالذي حدث بالتحديد؟ الذي حدث هو أن الجريدة إياها نشرت صورة تظهر امرأة منقبة ساقطة أرضا وهي تحمل رضيعا على ظهرها، ورجلا اتضح فيما بعد أنه عميد أمن مركزي يبدو كأنه هو الذي أسقطها. ثارت ثائرة الجميع، وعبر الكل عن سخطه مما وقع، قبل أن تبدأ بعض ظلال الشك في الزحف على الصورة وتعليقها، وقبل أن يتضح أن العميد لم يسقط المرأة أرضا إلا بعد أن جرته من ربطة عنقه، حيث قام بدفعها وبعد أن حرصت على رميه بالحجارة. الجرائد التي كلفت نفسها عناء التحقق من الواقعة، وتقديمها لقرائها وفق الحقيقة، والتي أخذت مهلة من الوقت قبل أن تصدر أحكامها القطعية الجاهلة هي التي وجدت نفسها في الختام توصف "بالضعف في الثقافة الإعلامية والجهل بأصول المهنة"، أما الجريدة التي كتبت إن عميد أمن مركزي انهال بالضرب على سيدة منقبة تحمل رضيعا ولاحول ولها ولاقوة، وأضافت بعد هذا التعليق كلمة "بدون تعليق" فهي جريدة رائدة للغاية تعتقد أن المغرب وتاريخه بدآ عندها بالتحديد، ولاتكاد تتصور أن مغربا ما قد عاش قبل أن تصدر، ولاأن المغرب ذاته قد يستطيع العيش بعدها ذات يوم إذا ما- لاقدر الله - أقفلت أبوابها. عندما نتحدث عن الأنا التي تكبر كثيرا إلى أن تصبح محور العالم، نقول - نحن المغاربة البسطاء - "الله يستر"، وعندما نرى بأعيننا - نحن الصحافيون هذه المرة - نقاشا مثل اللغط الإعلامي الفارغ الذي نخوض فيه الآن، نقول إن الأمر فعلا يتعلق بلغط إعلامي فارغ، أصبح منذ مدة هو المسيطر على المشهد الصحفي الوطني، وأضحى له مريدوه ومحبوه الذين لايستطيعون تخيل المغرب اليوم دون هذا اللغط الإعلامي الفارغ الذي لايضيف شيئا على الإطلاق لكنه يحسن لعب دور اللغط الإعلامي الفارغ، لذلك لايتوانون عن تشجيعه، وعن مده بكل أسباب البقاء، بل وعن محاربة من يعتقدون أنهم قد يستطيعون في يوم من الأيام منافسته. هل قلت منافسة مرة أخرى؟ أعتذر للأسياد وأسحب بسرعة، وأعود إلى ماوقع مجددا. مواقع جهادية في الأنترنيت قالت إنها أحست بوخز الضمير يوقظها من النوم بعد أن رأت هذه الصورة، وقدرت رأس العميد المركزي للأمن بعشرة آلاف دولار أي بمايقارب عشرة مليون سنتيم مغربية عدا ونقدا - لاغلا على مسكين - وأعطت مجاهديها في "المواقع المختلفة" مهلة من الزمن لكي يأتوها برأس الرجل على طبق لانعرف طبيعة معدنه، انتقاما لأم بلال (هذا هو إسم المرأة المنقبة منذ نشر تلك الصورة) ونصرة للجهاد والمجاهدين في بلاد الغرب الإسلامي وفي كل البلاد. هل نتحدث مجددا عن "الضعف في الثقافة الإعلامية والجهل بأصول المهنة" أم نضرب صفحا و"صرفا" عن الموضوع كله، ونقضي الحاجة بتركها مرة أخرى لحال سبيلها؟ في الحقيقة "مانعرف"، لأن المسألة بدأت تأخذ أبعادا أكبر من تلك التي توقعناها لها في البدء، وتحولت إلى أداة تهييج حقيقية لمجتمع أغلبيته أمية، وأصبحت تضعنا اليوم أمام خطر السلامة الجسدية لكل واحد منا. ومنذ أن تحدث مصطفى الرميد في الجريدة إياها عن قطع يد السارق، وعن العودة إلى تطبيق الحدود، أصبح المرء يتحسس رأسه في اليوم عشرات المرات لكي يطمئن أولا على بقاء هذا الرأس في مكانه، ولكي يسأل الرأس ذاته إن "لم نكن قد دخلنا أخيرا في المغرب - بإذن الله وقوته - عصر الجهاد الأنترنيتي المرافق للجهاد الصحفي المكتوب المهيء للجهاد الفعلي الذي قد يساوي فيه رأس الواحد منا عشرة ملايين أو يدا تقطع لأن نائبا برلمانيا - ياحسرة - قرر لها ذلك". باختصار، أخرج من هذا "اللغط الإعلامي الفارغ" مثلما دخلته أول مرة، مهللا، مكبرا، حالقا رأسي، ومنتظرا مع المنتظرين الزمن الذي وصل علي مايبدو والذي كان سيدنا الحجاج الثقفي أول من بشر به: زمن الرؤوس التي أينعت وحان قطافها، بسبب هذا اللغط الإعلامي الفارغ الذي أتى لكي يقطع مع "الضعف والضعفاء في الثقافة الإعلامية والجهل والجاهلين بأصول المهنة". وفقكم الله لماتريدونه ويرضاه، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق حين يبدأ بلد ما في الغليان من كل جهة، وحين تنتفض الأطراف البعيدة منه فجأة، وبعد كثير صبر وانتظار، علينا أن نحسن السمع لصرخاتها ولنداءات استغاثتها قبل أن يفوت الأوان. الناس في المغرب عادة لاتلجأ إلى الصراخ إلا حينما تنتفي عنها أي إمكانية في النجاة، فحذار، حذار . كاريكاتير سعد جلال