مرت سنة إذن على تنصيب حكومة الاستاذ عبد الاله بنكيران.الامر لا يسمح بالتأكيد بتقييم شامل و لكنه قد يكون مناسبة لاستخلاص بعض الملاحظات الأولية، حول تجربة حكومية طوقها السياق السياسي الوطني و الاقليمي،بكثير من التحديات و الرهانات،و علقت حولها كل الانتظارات و المطالب ،و حتى "الأوهام" التي عادة ما تفجرها اللحظات التاريخية الكبرى، و تغديها محطات و خطابات الاصلاح. واذا كان جوهر التعاقد السياسي لانتخابات نونبر 2011،قد تمثل في مطلب التغيير ؛تغيير السياسات و البرامج و الأجوبة الاقتصادية والاجتماعية؛مطلب لم يكن بعيدا عن اداء و أدبيات الحزب الذي يقود الحكومة،فان واقع الممارسة الحكومية و التدبيرية ،قد اكد اندراج مسار السلطة التنفيدية في اتجاه الاستمرارية و المواصلة ،اكثر من اعتماد نهج يسعى الى تكريس التغييرات و القطائع.الانكى من ذلك انتقل التعامل مع معطى "الاستمرارية"من خطاب "الاكراه"الى خطاب "التمجيد". منذ البداية اتضح ان الحكومة التي لجات في اسابيعها الاولى الى شعار "الحكامة"،الذي تحول الى مايشبه انجيلا جديدا للفريق الملتحق بالسلطة،لم تكن في الواقع تفعل سوى إخفاء عجز جماعي ،عن انتاج مشروع مذهبي/ سياسي ،يشكل مرجعية للعمل الحكومي،مما جعل خطاب الحكامة-بكل تهافته الايديولوجي و انشائيته المفاهيمية-يبدو "كاستعارة برنامجية"،غير قادر بطبيعته على تاطير اشتغال الحكومة ،و اعطائه "المعنى"الضروري و اللازم، لأي تجربة حكومية لا تريد ان تختزل في حزمة من الإجراءات و البرامج و التدابير،المفتقدة للتماسك و للانسجام العضوي. ولعل احد التفسيرات الممكنة لهذا العجز تجلى في طبيعة الفكر السياسي لحزب العدالة و التنمية ،الذي و جد نفسه مطالبا بانتاج خطاب حول "السياسات العمومية"و هو بالكاد يكمل انتقاله المعقد من"الدعوة"الى"السياسة". الاستناد الى أطروحة "الحكامة"و تلقيحها بنزعة "أخلاقية"،مع غياب تصور و مرجعية سياسية و مذهبية محكمة،جعل بعض الباحثين يحذرون من ان تتحول التجربة الحكومية -على عكس فرضيتهاالدستورية التأسيسية-الى فضاء تعيش فيه من جديد الأيديولوجيا التقنقراطية اعز أيامها،و تستعيد فيه البنية التقنو إدارية أمجادها القديمة. لقد بينت "معركة"مواجهة الفساد ،على نظرة اخلاقوية تبسيطية،تجعل من "الشخصي"و"السلوكي"والقناعات الذاتية للمدبرين"بديلا عن "الهيكلي"و"البنيوي"و"البنية التحتية للريع والفساد" . لقد رسخت تقاليد سياسية؛مرتبطة بنوع من توزيع السلط داخل اطراف السلطة التنفيدية،الانطباع بان التواجد في الحكومة ،مهمة يبقى الغرض الاساسي منها هو تدبير العلاقة مع الدولة ،و ليس بالضرورة تدبير الطلب الاجتماعي و إبداع الأجوبة السياسية و الاقتصادية، على أسئلة المجتمع ،بناء على التعاقدات الانتخابية.و هو امر لايبدو ان يتناسب مع الهندسة الدستورية الجديدة ،و مع التحولات التي عرفتها بلادنا. ان نجاح التجربة الحكومية الحالية،الحاملة للكثير من الإرادية ،مرتبط كذلك بوضع قائدها ؛رئيس الحكومة،الذي عليه ان يجرب قليلا الانزياح من حلبة"السياسة"،بحساباتها و حزبيتها و لغتها و أضوائها و "حرارتها"،الى حلبة"السياسات العمومية"بملفاتها و اجتهادها و تعقدهاو "برودتها". انتقال ضروري ،معناه كذلك ان يضع عبد الاله بنكيران ،نقطة النهاية على حملة انتخابية عمرت طويلا،و اًن لها ان تترك للزمن السياسي المغربي متنفسا للتفكير في قضايا البلاد ،بعيدا عن منصات الخطابة، و بلاغة "الجدل"،و الإنهاك اليومي للمعارك الصغيرة. بعد سنوات،لن تكون لازمة "محاربة التحكم ،الربيع العربي،و التماسيح "بديلا عن تقديم الحصيلة حول تجربة حكومية،تجربة لايمكن ان تدبر فقط بالتراشق الانتخابي بواسطة الجمل الصغيرة داخل التصريحات الصحافية،و بالمراوحة بين انتشاء ذاتي نتيجة "دور مفترض "في دعم الاستقرار بعدم النزول للشارع في 20 فبراير،وبين تهديد متكرر بالنزول الى نفس الشارع. مرت سنة إذن على الحكومة،فهل في مابقي من عمرها ،يترك عبد الاله بنكيران الزعيم الحزبي،الخطيب المفوه،السياسي المشاكس،المناضل "الهاوي"،المكان قليلا ،لعبد الاله بنكيران رجل الدولة ،المدبر المسؤول ،رئيس الحكومة،قائد السلطة التنفيدية.