لم يكن خبر سرقة قرص صلب من المقر العام لحزب العدلة ولتنمية ليمر هكذا،دون تعليق، وكأن الأمر يتعلق بعملية نشل مألوفة لهاتف محمول غفل عنه صاحبه. انه قرص الحزب الحاكم ،أو قل حتى حيز من ذاكرة رئيس الحكومة؛لأن أثمن ما يوجد في مقر عام هو ما يخص الرئيس؛ولا يتصور في لص يلج مقرا حزبيا عاما أن يفكر في غير هذا. منطقيا نفترض أنها سرقة سياسية لأن من يرغب في المال يقصد الأبناك. وعليه فرغم أن العمل البوليسي هو المطلوب للقبض على سارق الذاكرة الرقمية للرئيس فان التحليل السياسي لا يعدم زوايا-ولو ساخرة- يتسلل منها للقبض على الغابة بعد اعتقال الشجرة التي تخفيها. هما قرصان:صلب ومرن؛ولكل اشتغله... المناسبة شرط ؛ونحن في فجر السنة الجديدة ،وليس في كل المغاربة الا من يتوق إلى أداء حكومي فعال وشفاف يوفر لنا ،ولو الحد الأدنى من الحماية ،في مواجهة أزمة عالمية تذهل حتى أقوى الاقتصاديات. من سرق القرص الصلب ؟ لنبحث أولا في القرص المرن: ذلك القرص الذي لم يُسرق من رئيس الحكومة،و الذي يلازمه حيثما حل و ارتحل؛في الداخل كما في الخارج. كلما استمعت إليه يصدر عن هذا القرص إلا وقلت في نفسي: أخيرا مُتِّعت الشريحةُ الواسعة من المواطنين برئيس يبادلها فهما بفهم. ثم أتساءل: والبقية من رجال الدولة ،و الأكاديميين والمثقفين، ورجال السياسة والاقتصاد، هل يتركون هَملا ،لا رئيس لهم؟ لم يحدث ،في تاريخنا السياسي الحديث، أن كان رئيس الحكومة موضوع تنازع معلن بين الشعبوية والنخبوية؛كل واحدة تريده لنفسها. ها قد حصل ؛وها هو الربيع العربي ينتصر لأولاد حاراتنا؛وهاهي حتى الزعامات الحزبية التقليدية تنهار كجبال الجليد القطبي. لا تستعجلوا الفرح لأن القاموس السياسي المُحمَّل في عدد من الأقراص المرنة،يتضمن الكثير من المصطلحات التي تقول الشيء ونقيضه تماما؛فهي من قبيل المشترك اللفظي الذي يدل على الشيء وضده. وهذا ما يفسر كوننا استمعنا الى تصريح حكومي ،في فجر الولاية الحالية ،لا يتضمن أدنى تحفظ على مسار التنمية في بلادنا ؛باعتبار-على الأقل- ارتباطنا بمنطقة الأورو المأزومة. بالعكس استمعنا الى نسبة نمو باذخة جعلت كل من لم يصوت على حزب الرئيس يندم ،أخلاقيا،أشد الندم. لم نستمع الى أرقام الأزمة في الوظيفة العمومية ،مما جعل الخريجين المعطلين يغيرون –تصديقا-على ا لفضاءات العامة في العاصمة ؛ ومنهم من فكر حتى في حمل لوازم السفر الى الوظيفة.مسألة وقت فقط مادام هناك التزام حكومي سابق،وحكومة جديدة واعدة. هل هم المخطئون،في نَفْرتهم،صوب الوظيفة،أم الحكومة، وهي تُعفَى الوزراء من كل اجتهاد؛مادام الرئيس يرى بأن الرزق على الله،حتى في التدبير المدني. كل شيء من عند الله فما الحاجة إذن إلى الحكومة؟ لا شيء ثابتا في القرص المرن؛حتى القرارات الحكومية تزول بزوال الرجال.لا استمرارية للإدارة وللمرفق العمومي.القرارات تنزل منجمة ،حسب الحاجة. لم نستمع أبدا,في التصريح وفي الحملات الانتخابية، الى التضحيات المنتظرة من المواطنين ،وبصفة خاصة الفئة الوسطى,في ما يتعلق بأثمنة الطاقة ؛بل جرى على الألسن ،في ركاب التصريح،وبعده، حديث عن كنوز من النفط المغربي ،صادقة هذه المرة. وقد استمتعنا كثيرا بمرونة هذا القرص وهو يُطَمئِن-ضدا على الجميع،حتى جداتنا في البوادي- بأن الدرهمين الخفيفين لن يكونا ثقيلين في موازين تغذيتنا. صدقت الجدات –حتى لا أحاجج إلا بهن – وأخلف الرئيس وعده. كل هذا من المشترك اللفظي الذي نسيناه ونحن نستمع الى التصريح الحكومي في البرلمان. وعليه فقد غدا واضحا أن شعبوية اللسان ،والسياسة، لا تعني شَعْبِيتهما. حتى "ومن عاد فينتقم الله منه" أصبحت تعني :ومن يعد نجزل له العطاء،أولا،ثم نفوض أمره لله بعد ذلك: إعفاء تام من الضريبة على الثروة ؛دون برهنة علمية وعملية على أن ريع الإعفاء،هذا، أتى الدولة خراجها؛لنقول نِعْم الحكمة ؛ونواصل البحثَ عنها في كل قرارات الحكومة. إعفاء تام –حتى لكبار الفلاحين- من الضريبة الفلاحية. حينما شرَّع المرحوم الحسن الثاني هذا الريع ،كان تأكيدا منه–وهو الفلاح الكبير- على أن الثورة المغربية إما أن تكون فلاحية أو لا تكون؛في مواجهة ثورة اشتراكية صناعية مزعومة عند الجيران. نقف اليوم على أثر هذا القرار الحكيم في كل ضيعاتنا وأسواقنا ومطابخنا ؛وقد يجوع حتى أثرياء النفط ولا يجوع المغاربة. نَعِيم نحمد الله عليه ،وعلى ثقافته التي جعلت استمطار السماء مما نحيي به بعضنا البعض. لكن ألم يحن الوقت بعد لتساهم الضريبة الفلاحية في مداخيل الخزينة، في اتجاه التخفيف من وطأة بعض الضرائب اللامبررة ؟ من قبيل الضرائب على المعاشات،وهي مستحقة للمتقاعدين، بموجب اقتطاعات من رواتبهم أيام النشاط؛وهي رواتب سبق أن خضعت للضريبة على الدخل. ومن قبيل الضرائب المثناة على رخص السياقة المستبدلة ؛وهي رخص سبق للدولة أن شهدت بدوامها.وهلم ضرائب وصولا حتى الى ما تدفعه القروية الفقيرة حينما تلج السوق الأسبوعية بدجاجاتها؛في الوقت الذي يُعفى أثرياء الفلاحين، ومنهم من يدخل حتى الأسواق الدولية بحمولات سُفُن من الغِلال؟ لم تجد إحدى القرويات بدا من لي عنق الدجاجة،على الطريقة المسيحية ،وإلقائها بعيدا ؛حينما طولبت بدراهم"الكمرد"في الباب. وهي مبكرة الى السوق-والطير في وكناتها- خططت لكل الثمن لتغطية بعض الشاي والزيت والسكر...لم تفكر أن للدولة نصيبها في الدجاجة . لا أبدا الشعبوية لا تعني الشعبية ؛إن لم تعن نقيضها تماما. أكل هذا في القرص المرن؟ نعم وفيه أيضا "ليلى والحكومة" ؛تلكم القصة الرائعة التي حللتها ،باقتدار،حسناء أبو زيد. رئيس حكومة يجيب بأكياس من الحقوق ينثرها في البرلمان بسرعة الصوت ؛دون أدنى نية في تحقيقها لأنها ،ببساطة ،لم تكن أبدا من قناعاته ؛والمومنات لا يلدغن من جحر مرتين.يذكرني هذا بأحد ولاة بني أمية في صلاته الفجرَ ،ثَمِلا،بالمسلمين .انتهى من الركعتين ثم التفت وراءه سائلا: ألا أزيدكم؟ وفيه أصبع منتصب ؛موجه لوزير التربية ، ربماجزاء له على ما قدم لسانه: اسمع ؛عَيّنِ النساء قرب أسرهن؛وشأنك بذكور الأسرة. الرئيس محق في خوفه على النساء ،لكن الحل في حفظ أمنهن حيث وُجدن؛معلمات ومتعلمات. بشطحات من قرصه المرن يضرب عرض الحائط بكل ضوابط التعيينات الجديدة و الحركات الانتقالية.وأكثر من هذا بكل مطالب التَّسوية في كل شيء؛وهي مطالب نسائية بالأساس. لكن يجب أن أظل وفيا لمقولة المشترك اللفظي:إياكن أن تنتظرن تحقيقا لما أشار به البنان. إن الوفا ؛رغم كل زلاته اللفظية يفهم في قاموس رئيسه؛ولا أخاله سيرتكب حماقة تذكير البوادي وتأنيث المدن. وفي القرص هذا اللغز الذي ملأ الدنيا وفتن الناس في البوادي: كيف ؟أحقا سيدفع الرئيس المُؤْمن أجورا للناس ؟ ياحسرتاه؛كم ضيعنا أصواتنا مع رؤساء غير مؤمنين. تجاذبتُ،أخيرا، أطراف الحديث،في الموضوع، مع مستشار جماعي فابتسم وقال ساخرا:حينما يتعلق الأمر بتوزيع العلف على الكسابة يصبح الجميع مالكا للماشية ؛وحينما تحضر مساعدات مؤسسة محمد الخامس يدلي الجميع بفقره. حينما تسأل :وأين ذهبت الماشية؟ يجيبونك بأمازيغية ضاحكة:"يَتْشِيثَنْت وُوشَّنْ":(أكلها الذئب). ويكمل أحدهم ؛وهو مشرف على ورش لتشجير الغابة:بحثت على اليد العاملة،في القرية، بثمانين درهما لليوم ،ولم أجد.لماذا لا يريدون العمل؟يجيب: ينتظرون رواتب بنكيران. حينما تصل يجب ألا تجد فأسا بيد.لقد تفرغ الناس منذ شهور للانتظار.. كل هذا ،وغيره، من القرص المرن ,أو قل الرخو,الذي يغيث صاحبه في الشفوي فقط. لم يسرق هذا القرص لأن الرئيس لم يرتكب زلة إغفاله أبدا. ومن سرق القرص الصلب؟ مهما يكن هذا اللص الرقمي الظريف ،ومن أي جهة كان – بما فيها الحزب نفسه- فخيرا فعل ؛خصوصا إذا افترضنا أن القرص يتضمن التصريح الحكومي السري ،الذي ينفذ الرئيس حلقاته ؛مادام لم يلتزم بالتصريح العلني . جرى بي الخيال في كل اتجاه وأنا أحاول استشراف الحلقات المتبقية ؛من مسلسل يشبه إلى حد بعيد سلسلة "هاري بوتر" الرائعة؛بكل سحرتها وعفاريتها. ولي أكثر من مبرر لأفسح لخيالي المجال . خاض بنكيران ،ووزراؤه،أشكالا من الصراعات ؛لا نكاد نفرح لها ،ونعلن تأييدنا ،حتى تطالعنا الأخبار بصراعات جديدة لا تقتل سوى الصراعات السابقة .كم خُوِّن من وزير ومسؤول،وكم عُلقت من معلقات الريع ؛حتى ابْتُلِي الجميعُ بتعليق شيء ما . لا يهم ابحث عن شيء تعلقه . لعل هذا من بنات التصريح السري ؛الذي يعلم اللصوص الآن كل تفاصيله. في سابقة في تاريخ المغرب يُتَّهم رئيس الحكومة،من طرف سياسي له وزنه، بالتخطيط لإقامة إمارة يحكمها. تهمة لم توجه رسميا حتى لعبد الكريم الخطابي؛وقد تسمى أميرا جمهوريا واتخذ جندا وعلما وأختاما... ولم توجه حديثا حتى للمرحوم الشيخ عبد السلام ياسين ؛وهو يتحدث عن "الخلافة على منهاج النبوة". ولم توجه حتى لنشطاء تامزغا ؛وفوق رؤوسهم راية الإمبراطورية المقبلة التي لن تغيب عنها الشمس:صفراء فاقع لونها. ألا يغري كل هذا بالقرص الصلب، حتى تمتد إليه كل الأيادي الخفيفة؟ هل وصل الأمر بنا إلى كل هذا الترف السياسي المازح؟ كيف نتهم رئيس حكومتنا ،المنتخب، بنشر الدعوة له سرا؟ من أين هذا الاستدعاء لسياسة القرون الغابرة حيث يكرر قابيل دوما قتل هابيل؟ وحده القرص الصلب يعلم. ورغم ما أصبح يحيط بالرئيس من فيلة متأهبة للمنازلة،قدام ،خلف ،يمين ويسار،لا نراه إلا في غاية الاطمئنان ،مصرا على الإدلاء,دون ملل، بالدعم الملكي . هو لا يدلي بالدعم الشعبي إلا مفاخرا بمليون صوت التي حصل عليها الحزب. لم نعرف بعد في المغرب رئيس حكومة لا يدعمه الملك. كل هذا يغري بضرب أكباد الإبل ،وكسر جميع الأقفال للوصول الى البروتوكولات السرية التي تحكم رئيس حكومة كلماته ليست كالكلمات. ومهما يكن من أمر القرص الصلب والمخططات السرية- جدا أو هزلا- فبيننا دستور معلن،وقوانين تنظيمية ،وتصريح حكومي ،سيحاسبك الشعب على ضوئها ،بكل صرامة القانون والسياسة ؛بعيدا عن الشعبية والشعبوية معا. سنة جديدة في حساب الزمن السرمدي ،وأتمنى أن تكون جديدة أيضا في حساب التدبير الحكومي؛ حتى تُحْرق جميع سفن الفساد والغلاء والإسفاف، قبل أن تمخر بنا العباب صوب المجهول. لقد بنينا التاريخ ،إذ حبانا الله بجغرافية باذخة؛فكيف يعز علينا بناء مستقبل في مستواهما؟ وهل يُبنى المستقبل بشباب لا تُكرمه حكومته؛ولو بالكلمة الطيبة ؛يقولها عارضا حاجته ،وتقال له ،وعدا صادقا. الكلمة الطيبة كشجرة طيبة ؛والعصا من شجر الزقوم. [email protected] Ramdane3.ahlablog.com