ماحدث بأسفي مؤخرا على هامش مقابلة أولمبيك أسفي و شباب الريف الحسيمي إستفزني بشكل كبير للعودة للكتابة من جديد، ماحدث أعادني لعمود كنت كتبته تحت عنوان "أوقفوا المهزلة، لسنا بوليزاريو"، حين كان فريق شباب الريف الحسيمي لايزال يمارس في القسم الوطني الثاني. حينها كانت القنوات العمومية المغربية تعاني من حساسية مفرطة اتجاه كل ما يتعلق بالفريق، لاحديث عن مبارياته، ولاطواقم تصوير تنقلت حينها إلى المدينة "المغضوب عليها"لنقل تلك الصور الجميلة التي كان يصنعها اللاعبون و الجمهور في ملعب العرصي ميمون "شيبولا". كتبت حينها "ربما كتب لنا نحن أهل الريف وسكان هذه المدينة بالخصوص أن نعيش في الظلام ونقتسم أحزاننا في الظلام و حتى أفراحنا يصرون أن نتقاسمها معا في الظلام، إنهم لا يفرقون بين السياسة و لا الفن و لا حتى الرياضة التي تمنحنا القليل من الفرح و لحظات الشغب الطفولي... لكن لحسن حظنا نجح فريق الشباب في الصعود إلى القسم الأول، ومرغمين "أصبحوا" على نقل أفراحنا وشغبنا الطفولي، وبات لزاما و "لسوء حظ" المتحكمين في خيوط الإعلام أن ينتقلوا إلى الحسيمة مرورا ب"بوعرمة" حيث لازالت تلك المنعرجات شاهدة على أبشع جريمة ارتكبت في حق المنطقة و الإنسانية جمعاء، الجريمة التي تفضل الدولة مواجهتها كالنعامة في تخفيها. وأصبح فريق شباب الريف الحسيمي واحدا من فرق الصفوة، وفي أحيان كثيرة يتحول بقدرة قادر إلى "شباب المحمدية" وأحيانا أخرى إلى "النادي القنيطري"، وربما كان الفريق الوحيد الذي يعيش إزدواجية في الشخصية لدى الصحافيين الرياضيين و بعض المعلقين، وشيئا فشيئا بدأنا نصدق أننا دخلنا في منظومة المدن المغربية، شيئا فشيئا بدأنا نثق أن زمن المصالحة مع المركز قد بدأت فعلا عن طريق الرياضة التي استطاعت أن توحد الشعوب التي فرقتها الحروب، فأنى بأفراد شعب واحد. لكن الأماني و الأوهام تتكسر بسرعة، وما كنا نعتقده حقيقة، يصبح فجأة مجرد فقاعة صابون، فالمصالحة موجودة فقط في أذهاننا وعقولنا الصغيرة، لأن المصالحة تبدأ باحترام القادة وزعماء التحرير، المصالحة هي احترام رموز المقاومة ورجالات التاريخ، المصالحة تبدأ باحترام تاريخ منطقة استعصت على الإسبان والفرنسيين فاستعانوا بالألمان، لكنهم فشلوا في تركيعها فجلبوا الغازات السامة المحظورة دوليا، لقتل الإنسان و الطبيعة في حرب قذرة تناساها ساسة العالم الحديث المتبججون بحقوق الشعوب... في تصرف شبيه بالشجرة التي تخفي وراءها الغابة، تعمد رجال أمن أمام مرأى ومسمع الجميع على انتزاع صور "الأمير عبد الكريم الخطابي" الرجل الذي هز العالم و أصبح مدرسة كونية يعود إليها التواقون إلى الحرية بشكل مخزي، الجمهور الرياضي حمل صور "الأمير" إعتزازا برجل ترك مجدا لا يضاهيه مجد للمنطقة، رجل تستمد منه الأجيال روح الإنتصار في زمن قل فيه الرجال، الشباب الذين حملوا الصورة لم ينادوا به "ملكا للمغرب" لأنهم هم نفس الشباب الذين يخرجون لإستقبال الملك حين زيارته للحسيمة، هم نفسهم الشباب الذين يصفقون "للملك" وهو يتجول وسط شوارع و أزقة المدينة بعفوية لا توجد ربما في مدن أخرى، ذنبهم الوحيد أنهم حملوا صورة "رجل" تجتمع فيه كل الخصال التي يتحدث عنها رئيس الحكومة "إبن كيران"، الرجل الذي استطاع توحيد قبائل فرقها التناحر و الإنتقام وأنساها خصاماتها وحساباتها "الهامشية". كنت أتساءل كما تساءل ربما معي الكثيرون وأنا أشاهد "فيديو" إزالة صورة "مولاي موحند"، ماذا لو رفع جمهور المغرب الفاسي أو وداد فاس صورة لعلال الفاسي؟ - مع عدم وجود مقارنة طبعا – هل كان التدخل سيكون على هذه الشاكلة؟ قطعا لا... غريب أنت يا وطني، في الوقت الذي تحتفل فيه إسبانيا بالفيلق الذي دحره "الأمير" في معركة أنوال وهزمه شر هزيمة، يعمد "صبية شرطة" ومن ورائهم مسؤولون ساذجون، إلى تدنيس صورة "رجل"، هم في ذواتهم وقراراة أنفسهم يفتخرون به ويتباهون به أمام الأمم...غريب أنت يا وطني... إن ما حدث بأسفي يعيد النقاش من جديد حول "المصالحة" مع الريف، ويؤكد بالملموس أن "المخزن" لم يتخلص بعد من عقليته القديمة، وعقده الدفينة من كل ما هو قادم من الريف، القادم طبعا بشرعية التاريخ وليس بالطرق التي تدركونها جميعا... [email protected]