وأنت تقصد-مع مطلع شمس كل يوم- أقرب محل لبيع الجرائد، يستوقفك منظر غريب يثير الدهشة والحسرة في آن واحد، يتعلق ببعض الناس الذين يظهر أنهم من النخبة (ياحسرة)، طالبين صاحب الكشك مدهم برزمة من الجرائد في كيس بلاستيكي لثقل حجمها ورغبة منه في إرجاعها في أحسن هيئة لتتحول العلاقة المنطقية من علاقة (بائع ومشتري) إلى( مكري ومكتري) يسلم (المكتري)مكتري الجرائد طبعا سعر درهم عن كل جريدة بدل ثمنها الحقيقي وحتى ثمن الكراء(السومة الكرائية) قابل للتغير بحسب ثمن الصحيفة، إنه الإيجار الذي لم يتحدث عنه قانون الكراء ولم تنظمه فصول القانون المدني . الأمر لا يقف عند هذا الحد بل إن العملية تستمر في الزمان والمكان حيث تجد جمعا غفيرا في انتظار تلك الجرائد المكتراة من اجل تصفحها بالمجان ناهيك عن تلك العادة السيئة التي أصبحت مستساغة لدى الجميع وهي وضع جريدة أو أكثر في كل مقهى من أجل جلب الزبائن البخلاء بهاته الحيلة التي تضرب في الصميم المؤسسات الإعلامية . وأنا أتابع بامتعاض تناقل تلك النسخ بين أيدي رواد المقاهي حتى أصبحنا نقف على منظر أكثر مدعاة للسخرية والامتعاض موظفين مرتبين خارج السلاليم لكنهم لا يتورعون في انتظار دورهم في قراءة جريدة بالمجان ريثما ينتهي منها قارئ أخذه بدوره بعد انتظار طويل وصبر جميل. هي بالفعل جريمة شنعاء ترتكب في حق الصحف والمجلات الأسبوعية واليومية على حد سواء إنها جريمة كراء الصحف والمجلات وهنا لا نحتاج إلى دراستها من الناحية القانونية فأركان الجريمة واضحة ومقترفوها هم القراء الانتهازيون وبائعوا الصحف الغير مسؤولون. غير أن العقوبة لا تطال المذنبين بقدر ما تكون قاسية في حق الناشرين وأصحاب هاته المؤسسات الإعلامية والعقوبة بطبيعة الحال لا تقل عن الإعدام. انه إعدام الصحف والمجلات عبر كرائها وان كان الأمر يصيب الجميع فان الصحف المستقلة والتي لا تستفيد من أوكسجين الإشهار أو الإعلانات الإدارية لسبب من الأسباب تكون هي الأكثر تأثرا بهاته العملية الدنيئة.دون أن نتحدث عن تلك الجرائد الحزبية التي لا يقرؤها إلا أصحابها فهي غير معنية بهذا الجرم فهي في جميع الأحوال مستفيدة من الدعم الحكومي ومستفيدة فوق هذا وذاك من الإعلانات الادراية التي تدر أرباحا طائلة على مالكيها.نحن نتحدث بالدرجة الأولى عن تلك الصحف المستقلة التي اختارت من الإصدار الأول أن تكون حرة وان يكون خطها التحريري ناطقا باسم الشعب وناقلة لمعاناته إلى من يهمه الأمر وفاسحة المجال لإبداء وجهات النظر. هاته الصحف هي المعنية بالأساس بهاته الجريمة التي تقترف في حقها نهارا جهارا دون أي وازع أخلاقي من مرتكبيها ودون أية فاعلية لدور النشر في تفعيل المراقبة والتحسيس وفي غياب أية حماية من طرف المشرع مع ما نعلمه جميعا من غياب أي دعم من الجهات الوصية حتى حق تسمية مديري نشر الصحف المستقلة بالمحاربين. المطلوب الآن من جميع المتدخلين ناشرين وموزعين وإعلاميين وصحفيين ومديري نشر وقراء الانخراط في حملة وطنية تحسيسية هدفها لفت انتباه الجميع إلى أن عملية كراء أية صحيفة أو مجلة تعتبر بمثابة رصاصة الرحمة لهاته المؤسسات الإعلامية والمطلوب أكثر هو إيجاد صيغة توافقية تجعل الجميع بدون استثناء يستفيد من الإعلانات الإدارية ومن حصص الإشهار وغيرها من وسائل الدعم فبدون صحافة مستقلة لا يمكن لقطار المعلومة والخبر أن يصل بسلام