لا تدخل زيارة الجنرال الأمريكي، وليام وارد، قائد القيادة العسكرية الأمريكية بإفريقيا للمغرب، يومي الأربعاء والخميس الماضيين، فقط في إطار التعاون العسكري المغربي الأمريكي. فحسب مصادر جيدة الاطلاع فإن هذه الزيارة كانت مندرجة في سياق مواصلة ما وصفته المصادر ب"الخطوات العملية" التي باشرتها السلطات الأمريكية العسكرية لتحقيق برنامجها الاستراتيجي المتعلق بمكافحة الإرهاب، وتحديدا بتوفير الآلية الأساسية لتنفيذها المتمثلة في بناء مقرّ القيادة العسكرية الأمريكية لإفريقيا، والتي كان قال عنها مسؤولون أمريكيون في مناسبات عدة إن مقر القيادة العسكرية الأميركية لإفريقيا "أفريكوم" لن يضم عددا كبيرا من القوات بل سيروّج للأمن والاستقرار الإقليميين فيما يقوم بتنسيق الدعم الأمريكي لقادة أفارقة". هذا ما ورد على لسان ريان هنري، مسؤول الشؤون السياسية في وزارة الدفاع، يوم 23 أبريل ما قبل الماضي، مضيفا، حسب ما كان أورده ركن "نشرة واشنطن" على موقع وزارة الخارجية الأمريكية، "إن هدف أفريكوم هو ألاّ تمارس دورا قياديا في القارة الإفريقية، بل دورا داعما لجهود الزعامات الإفريقية. فالهدف هو أن نكمّل، بدلا من أن ننافس، أية جهود قيادية جارية حاليا". "" غير أن مصادر جدية الاطلاع أكدت ل"الصباحية" أن الصيغة التي سيلجأ إليها المسؤولون العسكريون الأمريكيون ونظرائهم المغاربة ليس في بناء مقر لهذه القيادة العسكرية على الأراضي المغربية، بل يرجح أن تستقر فيالق من الجيش الأمريكي ببعض الثكنات العسكرية المغربية ويرتدون اللباس العسكري المغربي، ويتحركون بعتادهم لكن بألوان العتاد المغربي. وأوضحت مصادر "الصباحية" أن هذا الحل الوارد بقوة جاء نتيجة الصعوبات التي اعترضت المسؤولين العسكريين الأمريكيين في إقناع مجموعة من الدول الإفريقية، منها المغرب، لاحتضان مقر القيادة العسكرية الأمريكية بإفريقيا، وهي المحاولات التي انطلقت منذ إعلان الرئيس الأمريكي جورج بوش في فبراير 2007 عن نية "البنتاغون" في إنشاء قيادة جديدة لإفريقيا لغرض تنسيق مصالح الحكومة الأمريكية في القارة. وكانت جولة محاولة إقناع الدول الإفريقية لاحتضان المقر، شملت ليبيا والجزائر وتونس والمغرب وإثيوبيا وغانا وكينيا ونيجيريا والسنغال وجنوب إفريقيا. وقد أبدت ليبيا والجزائر وتونس رفضها المباشر، فيما تدارك المغرب الإعلان الرسمي عن رفضه احتضان مقر القيادة المذكورة، لكنه لم يرفض في المقابل تنفيذ بعض البرامج الأمريكية التي تصب في مكافحة الإرهاب، وتصب أيضا في عكس التعاون العسكري المغربي الأمريكي الوثيق، ومن هذه البرامج الشروع في تطبيق خطة "البانتاغون" لمكافحة الإرهاب في دول الساحل والصحراء، وهي خطة معروفة باسم "راسفول"، وقد رصد لها 300 ألف دولار، ومن اهتماماتها تدريب فرق من الجيش المغربي والموريتاني والمالي والتشادي والسنغالي على تقنيات مواجهة التنظيمات الإرهابية ميدانيا ومعلوماتيا. وفعلا استفادت نخب من الجيش المغربي من تداريب أكسبتهم تقنية "حرب العصابات"، وأيضا "طرق مواجهة الخلايا الإرهابية. وجاء الحديث عن تسريع خطة "راسفول" قبل عام، أي خلال زيارة لوفد عسكري أمريكي خاص ضم عسكريا مغربيا رفيع المستوى في الجيش الأمريكي، وضابطين يشتغلان في قيادة القاعدة العسكرية الأمريكية بألمانيا، والتقوا بمسؤولين في المخابرات المغربية، منها مخابرات المكتب الخامس التابع للقوات المسلحة الملكية. واتضح أن العسكري المغربي المشار إليه مسؤول في المخابرات المركزية والعسكرية الأمريكية، وقد تدارس بمعية مرافقيه، خلال الزيارة نفسها، مع مسؤولين مغاربة مواضيع التهديدات المستمرة لتنظيم القاعدة والإرهاب العابر للحدود. وفي السياق ذاته أشارت مصادر جيدة الاطلاع إلى أن بناء مقر القيادة العسكرية الأمريكية في بلد إفريقي بعينه سيثير حفيظة باقي الدول في القارة السمراء، وسيثير أيضا حفيظة التنظيمات المتطرفة والإرهابية التي تنشط في دول الساحل والصحراء، وربما سيدفعها ذلك إلى تطوير آلياتها الإرهابية للضرب بقوة بحجة استهداف الوجود العسكري الأمريكي في إفريقيا.