قد يكون مجرد طرح العلاقة بين الأمازيغيين و الإسلاميين مجازفة و قد تكون محاولة اللجوء و النبش فيها لبناء المعرفة التاريخية مغامرة، كما أن الجانبان لازال يثيران قضايا و رؤى سياسية متباينة بل متناقضة لازالت تتفاعل و تتصارع في أوساط النشطاء و السياسيين و المهتمين و بعبارة أدق، كيف يمكن أن نوفق بين الأسئلة الجديدة التي يطرحها الفاعلين من كلا الطرفين ( الإسلاميين و الأمازيغيين) اليوم حول المعتقد و المجتمع و الثقافة و القضية الفلسطنية و غيرها من القضايا، و هل بالإمكان الرصيد الهام الموثق حول العلاقة الأمازيغية الإسلامية أن يجيب على بعض هذه الأسئلة الشائكة؟ صحيح أن فهم هذه العلاقة وتفكيكها قد خطا خطوات هامة خلال عقود الأخيرة بفضل ثلة من الباحثين الذين تمكنوا من فتح نوافذ جديدة و سبر أغوار هذه القضية التي كانت تعد من قبل، في عداد المواضيع المنسية أو الطابو المسكوت عنها، فمن خلال تتبعنا للحركتين باعتبارهما الحلقتين الأساسيتين المرتبطتين بالحراك و الاحتجاج المندس في القاع المغربي و القراءة العلمية للمادة التوثقية لمجموعة من الدراسات و الأبحاث و مقالات الرأي و بيانات المواقف، يتضح اشتراك الحركة الثقافية الأمازيغية و الحركة الإسلامية بكونهما تعبير عن حركات اجتماعية تنطلق من الحقل الثقافي للوصول إلى مواقع سياسية و اجتماعية لطالما زال إقصائهما و كلاهما تعبير دعونا نسميه "صرخة الإقصاء و التهميش". فانطلاقا من هذا التتبع و الترصد، تنكشف أن العلاقة بين الحركتين الإسلامية و الأمازيغية في المغرب انتقلت من مرحلة يغلب فيها التعايش و الحوار الإيجابي في الثمانينيات و حتى بداية التسعينيات، إلى مرحلة تتسم بالتدافع و الصراع، حيث برزت إرهاصات هذا الانتقال منذ النصف الثاني لعقد التسعينيات، ثم أخذ يتبلور أكثر مع صدور البيان الأمازيغي في مارس 2000، و بعده صدور الظهير المنظم للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في أكتوبر 2001، ثم الإعلان عن تركيبة المعهد في يونيو 2002 والمصادقة على اختيار حرف « تيفيناغ » كحرف لتدريس و كتابة اللغة الأمازيغية في فبراير 2003، و انتهاء ببدء سياسة التدريس في موسم 2003 2004 و ما أفرزه ذلك من تفاعلات إيجابية و سلبية في صفوف التيار الأمازيغي، إذ أدت هاته المستجدات، بالإضافة إلى الزخم المتولد عن صدور البيان الأمازيغي السالف الذكر لمحمد شفيق داخل نشطاء الحركة الأمازيغية، إلى بروز مسارين متوازيين : الأول اتجه نحو تسييس الموضوع الأمازيغي و بناء الحزب الأمازيغي الذي كانت آخر نتائجه مشروع الحزب الديمقراطي الأمازيغي في 2006، و الذي رفضت السلطة الترخيص له، ثم تبلور توجه ثان ركز على العمق الثقافي للحركة الأمازيغية و دعم مسيرة تدريس و توسيع الحضور الأمازيغي في الحياة العامة، و استثمار الإمكانات التي يتيحها المعهد مع التركيز على الواجهتين التعليمية و الإعلامية، معتمدين على الإيطار المرجعي الجديد الذي يؤطر الأمازيغية هو خطاب العرش يوم 30 يونيو 2002 و الخطاب الملكي في أجدير بتاريخ 17 أكتوبر من نفس السنة ثم الظهير المحدث للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، و الجدير بالذكر، بعد بروز حركة 20 فبراير بدأت الدولة تناول واحدا من أهم و أكبر المطالب الأمازيغية ألا و هو دسترة اللغة، أقول اللغة الأمازيغية في 20 أبريل، الذي صادف يوم الربيع الأمازيغي. وفي يوليو 2011، أقر الناخبون دسترة اللغة الأمازيغية واعتبارها لغة رسمية، ليكون المغرب دولة شمال إفريقيا الأولى التي تذهب باتِّجاه إقرار التعددية اللغوية بشكل رسمي. تصور الإسلاميين للحركة الأمازيغية: استطاعت الحركة الإسلامية المغربية المعتدلة أن تجد لها موقعا داخل المجتمع المغربي، فمنذ تأسيسها استطاعت أن تؤطر العديد من أفراد المجتمع المغربي، هذه الحركات بالرغم من قرب توجهاتها الفكرية وأساليب عملها إلا أنها متعددة في التنظيم ولكل قيادته وهيكلته(حركة التوحيد و الإصلاح و ذراعها السياسي حزب العدالة و التنمية، جماعة العدل و الإحسان، التيار السلفي...)، ولكل اجتهاداته...وقد مرت الحركات الإسلامية بفترات من التوتر بقيت محدودة وهامشية، غير أن الخيط الجامع بين هذه الجماعات هو التعاون في ما اتفق عليه وتوجيه الانتقادات والنصح في المختلف المآرب و القضايا. بعد الربيع الديمقراطي و بعد نجاح العديد من الثورات (الياسمين بتونس و الفل بمصر...) دخلت الحركة الإسلامية المغربية بدورها مرحلة قطف الثمار و توزيع الكعكة، و هكذا يتضح أهمية تشخيص ديباجة مواقفهم من مختلف القضايا، بشكل مقتضب، إن موقف الإسلاميين من الأمازيغية يتحدد انطلاقا من مشروعهم نحو بناء الدولة الإسلامية أو الخلافة ومن تم فإن الأمازيغية لا تعدوا سوى مسألة هامشية أمام تحديات و إكراهات المشروع الكبير الهادف لوحدة الأمة، فالنزعة الأمازيعية حسب رأيهم، برزت مع الظهير البربري و يميز الإسلاميين بين التيار الأمازيغي الراديكالي الذي يهدف حسب تصورهم إلى تهديد و حدة البلاد، و خلق حالة من الفتنة و التشتت و التشردم المماثل للتشرد الذي يشهده الحقل الجمعوي الأمازيغي الذي يضم المئات من الجمعيات، فالأطروحة التفكيكية التي يتبناها التيار الأمازيغي المتطرف مصدر شر، يخدم استراتيجية الأجنبي-المستعمر و بين التيار الأمازيغي المنطلق من الإسلام كمرجعية فكرية و ثقافية و المهتم بالقضايا التراثية و المناهض للنزعة العرقية. وهكذا نجد أن الإسلاميين وجهوا انتقادات حادة، و علنية للحركة الأمازيغية بما اعتبروه فشلها في إظهار الدعم و التضامن الكافي مع فلسطين، مستحضرين على ذلك ما حدث في 2009 من مشاركة وفذ أمازيغي مغربي في حلقة دراسية، استمرت أسبوعا في القدس في معهد ياد شاليم و زيارة متحف تذكاري للهلوكوست، ثم الجهود المبذولة التي بذلت من قبل مجموعات أمازيغية لإقامة جمعية الصداقة الأمازيغية اليهودية-العلاقة مع إسرائيل، وكان رد الأمازيغيين (أنظر بيانات جمعيات الأمازيغية و مواقف الفاعلين "أحمد عصيد"....) هو أن القضية تم تضخيمها إعلاميا و سياسيا ويؤكدون على أن المنخرطون في هذه العلاقة معزولون و لا قيمة لهم جماهيريا. و هكذا يرون أن الإسلاميين يروجون لصورة مغلوطة على علاقة الأمازيغ بالقضية الفلسطينية، ونذكر أن موقع الاختلاف المركزي والأساسي بين الأمازيغ والإسلاميين حول القضية الفلسطينية هو حول نظرة كل طرف لهذا الموضوع، فالأمازيغ ينظرون إلى الموضوع نظرة إنسانية، وبالتالي فإن تضامنهم مع الشعب العربي الفلسطيني المقهور تحدده هذه الخلفية، ولهذا فإنهم لا يتضامنوا معهم( أي مع الفلسطينيين) بصفتهم عربا أو باعتبارهم أشقائهم، كما هو الحال مع الإسلاميين، حيث يكون تضامنهم على أساس عرقي، ومن منطلق قومي محض، وهو تضامن شوفيني في العمق حسب تعبير الأمازيغيين. ويلحون (الأمازيغيون) على ضرورة التمييز بين التعامل مع الشعب اليهودي، الذي تجمعهم به علاقات الصداقة والمودة والتعايش السلمي كما يشهد بذلك التاريخ، وهي علاقات قديمة جدا، تماما كما تجمعهم بالشعوب الأخرى. ومن هذه الزاوية لا يجدون أدنى مشكلة في التعامل مع اليهود سواء كأفراد أو كتنظيمات مدنية ديمقراطية (كحركة السلام مثلا)، بعكس التعامل مع دولة إسرائيل التي تمارس شتى الإرهاب النفسي والجسدي على الإنسان العربي الفلسطيني، وهي دولة فاشية عنصرية توسعية حسب رأيهم، لا يجب التعامل معها نهائيا، هذا بغض النظر عن موقفهم من القضية الفلسطينية. و ما زاد التوتر أكثر مما ورد ضمن الوثائق التي سربها موقع ويكيليكس 18 ديسمبر 2007، خصوصا وثيقة مثيرة للجذل حول وحدة المغاربة إذ تتحدث عن وجود تيار أمازيغي في قلب الحركة الثقافية الأمازيغية، استنجد بواشنطن لمجابهة ما أسماه التطرف العربي، و يرى النشطاء على علاقة بالحركة الأمازيغية أن الإسلاميين أخرجوا الوثيقة عن سياقها لتصفية الحسابات. و تبقى أيضا النقطة التي تشكل في تصور الإسلاميين شوكة يجب اقتلاعها المرتبطة بالأبعاد الأيديولجية ذات علاقة بمشاريع أخرى كالعلمنية أو الطرح المرتبط بقضية المرأة وحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا. و تجدر الإشارة أن هذا الخطاب يشكل أحد محاور الأرضية السياسية، الذي بلوره الإسلاميين منذ أواسيط التسعنيات في مواجهم الطرح العلماني أو الطائفي ومن بين الشروط التي يضعونها للحوار الجاد و التعاون الإيجابي مع التوجهات النقيضة أوالمختلفة معهم بل المعادية لهم. نضيف إلى هذا كله، أن الحركة الأمازيغية تعتبر في نظر بعض الإسلاميين خصوصا تيارها الراديكالي بمثابة “الردة” الثالثة عشر، بعدما أحصي منها في تاريخ المغرب إثنى عشرة، والردة تعنى الخروج عن الإسلام. وهذه الفكرة – أي فكرة ” الردة” حسب نشطاء الحركة الثقافية الأمازيغية واحدة من الأفكار والأكاذيب التي عمل الفكر العربي الإسلامي على إشاعتها وترسيخها في بنية الفكر والعقل المغربي مند قرون خلت شأنها، شأن الأفكار المقتطفة من كتابة عبد السلام ياسين الراحل المرشد السابق للتنظيم المليوني "جماعة العدل و الإحسان" في كتابه حوار مع صديق أمازيغي، الذي أقر على سبيل المثال أن ( اللغة العربية من عصاها عصى الله، ومن شاقها شاق الله، ومن كفر بها كفر بالله ..) ص: 96 و بالمناسبة تعازينا للأسر ته ولجماعة العدل و الإحسان. تصور نشطاء الأمازيغيين للحركة الإسلامية: تنطلف إيديولجيا الحركة الثقافية الأمازيغية في بعديها المعتدل و الراديكالي إلى الإنطلاق من البعد الثقافي و اللغوي المرتبط جدليا بالهوية و الثقافة الأمازيغية، للدفاع عن الحقوق الإجتماعية والسياسية ضد السلطة المحتكرة من طرف نخب فركوفونية و عربية و فاسية، بينما تركز الحركة الإسلامية على البعد الديني الدعوي السياسي في إنتاج إيديولجيا تفسر ما يشهده المغرب و العالم الإسلامي من مشاكل في الأصل إلى الإبتعاد عن الدين، كما تعتبر أن ما تدعو إليه الحركة الأمازيغية مسائل هامشية و أن إدماجها في ظل الخطاب الإسلامي سيمكنها من تحقيق أهدافها، مما خلق شبه قطيعة بين الحركتين. و هكذا ترى الحركة الثقافية الأمازيغية أن الدولة المغربية نشأت قبل مجيء الإسلام و قيام النظام الإدريسي، و ذلك في ظل التقاليد و القيم و الأعراف الأمازيغية، بينما تسير أطروحة الإسلاميين مع تصور السلطة السياسية، أي أن تكون الدولة المغربية مع الأدارسة. و تطالب بإعادة النظر في أطروحة عروبة و إسلامية المغرب كمحدد وحيد أساسي للهوية المغربية، فالحركة الأمازيغية تشكك في هذا الطرح و ترى ضرورة إعادة كتابة تاريخ المغرب الذي همش المساهمات الثقافية و الفكرية و اللغوية للأمازيغ طيلة تاريخ يعود إلى ألاف السنين، فرد اعتبار لفترة ما قبل دخول الإسلام يمكن من تقويض الهيمنة السياسية و الإيديولجية للبعد العربي كبعد وحيد مكون للثقافة المغربية، عكس الحركة الإسلامية التي ترى أن المغرب قد دخل التاريخ مع مجيء الإسلام، الذي أخرج البلاد و العباد من الوثنية و الصراع القبلي وكرس الاستقرار لتنشأ إرهاصات أولية لبداية تشكل أمة إسلامية، و تنطلق المقاربة الأمازيغية إلى تماهي الإسلام و تناغمه ضمن الثقافة الأمازيغية و تناغمه و تقاطعه مع العديد من أسسها، و قدرتها على تجديد الإسلام ضمن المنظومة الأمازيغية، بل إن الشرع يحث و يشجع، و يدافع على ذلك و أن الربط التعريب بالإسلام يدخل ضمن إقصاء الأمازيغ، و هي أطروحة يوظفها الإسلاميو-العرب لتكريس سيطرتهم السياسية و الثقافية على الأمازيغ، في حين ترتكز مقاربتهم من الإسلام كمنظومة عقائدية و أيديولوجية يجد فيها الأمازيغي و العربي و الكردي و الإيراني...ذاته و كينونته، و أن الإسلام مذوب لثغرات القبلية التي تفكك قبل أن توحد، و أن العربية هي لغة القرأن الكريم و لغة الإعجاز، و لا يمكن لأية لغة أن تقوم مكانها فهي لغة الخالق في مخاطبة عباده المسلمين، فالإيرانيين و الباكستانيين رغم توفرهم على لغات خاصة بهم فهم يدرسون و يتكلمون بالعربية، و يضاف أيضا الطابع الحداثي العقلاني و التقدمي للإيديولوجيا الأمازيغ وهي تتقاطع في العديد من جوانبها مع خطاب التيار العلماني الحداثي اليسار منه الليبرالي، و إصرار الأمازيغ على مبأ النسبية و العقلانية و التقدمية و حق التمايز اللغوي، عكس التيار الإسلامي الذي له موقف غير واضح من إشكالية الحداثة و الديمقراطية، فهو مثلا يميز بين الجوانب الايجابية للديمقراطية التعددية و فصل السلط و مبدأ المحاسبة و الجوانب السلبية المرتبطة بقيم العلمنة و الإباحية و المادية... إن الخلاصة التي توقف عندها هذا المقال، تؤكد على أن منذ المرحلة الإسلامية التي عرفت دخول المكون العربي الإسلامي إلى المغرب منذ القرن السابع الميلادي التي تلاها اعتناق الأمازيغ الإسلام لم يؤثر لحفاظهم على استقلالهم السياسي من الخلافة العباسية بالمشرق، بل و حتى وضعية اللغة العربية المتسلحة بشرعية دينية وطبعها الرسمي، لم تمس بمكانة الأمازيغية التي ظلت حية و فاعلة في مجالات الحياة اليومية و التعبئة العامة كما هو واضح واقعيا و عمليا. فالمواجهات الكلامية التي تنجز اليوم بين الحركة الأمازيغية و التيارات الإسلامية بمعية القومية في كل من المغرب و الجزائر بل حتى في شمال مالي، تعكس حالة التنافس الخطابات بين الأمازيغ و الحركة الإسلامية و أيهما يكون له تأثير على الرأي العام وهي في الحقيقة وهم الانفتاح السياسي الجديد الذي يحاق من قبل أنظمة دول شمال إفريقيا بهدف إضفاء الشرعية و المصداقية على خيارتها السياسية و نمط حكمها. و فيما يخص مطب النقاش الدائر راحه، المتجلية في مسألة الانتقال من سؤال يتعلق بشرعية الأمازيغية إلى سؤال يرتبط بالأجرأة يدل في حد ذاته على تطور إيجابي في المواقف و تمثلات الإسلاميين فيما يخص الأمازيغية، و هكذا نجد أنفسنا في مرحلة دقيقة تستوجب التدبير النزيه و المعقلن لرهنات و تحديات متعددة الأبعاد، و فض النقاش البيزنطي العقيم الذي تقتات عليه الأطراف النقيضة منها المحلية و الدولية. الهوامش: -أحمد عصيد (1998)، الأمازيغية في الخطاب الإسلام السياسي، إشكالية المرجعية الدنية و العلمانية و المسألة اللغوية. -رشيد مقتدر (2003)، مقدمات المجلة المغاربية عدد 27-28، الحركات الإجتماعية ذات الطابع الإحتجاجي، الحركة الأمازيغية و الحركة الإسلامية، مقاربة أولية في أوجه التشابه و التمايز. -عبد السلام ياسين (1997)، حوار مع صديق أمازيغي، الطبعة الأولى.