في زحمة الأحداث التي يشهدها المغرب هذه الأيام، تسابقت وسائل الإعلام لتغطية أدق تفاصيل جنازة الشيخ عبد السلام ياسين، بعض الصحفيين تساءل إن كانت الجماعة ستعيش بعد موت الشيخ وآخرون بحثوا عن عدد أمتار الكفن والمكان الذي تم فيه شراء الثوب الأبيض الذي لف فيه جثمان الراحل. المهتمون بالرياضة في جسمنا الصحفي انشغلوا بالديربي الكروي بين الرجاء والوداد، نتائجه و ردود أفعال "شعيبة" من الجمهور في حالة فوز هذا الفريق أو ذاك.. بينما ذهب صحفي كبير إلى القول أن اللون الأحمر الذي اختير كساء للطرامواي البيضاوي ما هو إلا انحياز فاضح للوداديين، مطالبا بصباغة الطاكسي الصغير باللون الأخضر إحقاقا للحق وضمانا للمساواة بين أبناء المدينة الواحدة. فريق ثالث اهتم بمؤتمر الاتحاد الاشتراكي الذي عوض فيه "البدو" أبناء وبنات القوات الشعبية (و العهدة هنا على فتح الله ولعلو)، فنبش الصحفيون في الأرضيات و المساطر و منهم من ذهب لتعداد عدد الشعيرات في "موستاش" إدريس لشكر، لأن السر في "الموستاش" الذي أضحى عنوانا للشعبوية، التي تحولت بدورها إلى طريق سيار يسلكه كل باحث عن الزعامة. صحافة "البيبول" غير الموجودة أصلا بالمغرب، وجدت في موضوع مراد بوريكي مادة دسمة لتزييت مقالاتها، فانتظر البعض وصوله الى مطار محمد الخامس في ليلة باردة من ليالي "شهر 12"، بينما رافقه آخرون الى مدينة أسفي و هو يمتطي "عماريته" التي أحاط بها البوبيس بزيه الرسمي معوضا "النكافات" و أصحاب الجلابيب البيضاء من المساعدين. أفراد البوليس الذين أحاطوا ب"العمارية" أعطوا المثال عن طبيعة الأدوار المواطنة التي يمكن أن يلعبها عناصر الإدارة العامة للأمن الوطني، بينما أعطى البوريكي درسا كبيرا في تلاحم الملك و الشعب عندما حدا حدو أسلافه من "الفائزين" وأهدى فتحه المبين للملك ! في خضم الانشغال بوفاة الشيخ ونتائج حزبي الديربي و الاتحاد والحبال الصوتية لمراد بوريكي بارك الله في حنجرته ومخارج حروفه، لم ينتبه المغاربة إلى قضية غاية في الأهمية، وهي اليقظة التي تعامل بها عناصر الضابطة القضائية ومن خلفهم من رجال القضاء مع مجرمي أخطر عصابة إجرامية في المغرب والمسماة "20 فبراير". قبل أشهر قامت قوات الأمن مشكورة باعتقال المدعو سقراط والذي كان ينفق ماله في شراء الكتب وينفق وقته في الجلوس أمام حاسوب، منتقدا بكتاباته "السليطة" كل مبادرة وكل فعل، مبخسا من قيمة المجهودات الجبارة التي يقوم بها المسؤولون للنهوض بواقع هذا البلد الجميل الذي حباه الله بنعمة الاستثناء. سقراط الذي كان بائعا متجولا وشعار مدونته الالكترونية الفجة "متمرد على القطيع.. سافل.. وغير أخلاقي من منظور البهائم" اعتقلته عناصر من فرقة مكافحة المخدرات بعدما وجدت في حوزته قطعتين من المخدرات. المدون الحشاش عوقب بسنتين سجنا نافذا و غرامة 5000 درهم، لتعم الطمأنينة شوارع المدينة الحمراء بعدما تم الزج في غياهب السجن بواحد من أعتى المجرمين. بعد ذلك وخلال شهر ماي الماضي، اعتقلت سلطات طنجة عنصرا أخر من نفس العصابة، يسمى سعيد الزياني بتهمة "بيع الديطاي" وهي جريمة واضحة لا لبس فيها، تستهدف صدور شباب الوطن و مضاعفة عدد المصابين بالسرطان في صفوفهم. مسؤول أمني صرح لأحد الجرائد أن الزياني " شخص له سجل كبير في مجال الأجرام، إذ سبق تقديمه أمام العدالة في أكثر من 15 مرة من أجل تهم تتنوع ما بين السرقة الموصوفة، والضرب والجرح الخطيرين، والاتجار في المخدرات والأقراص المخدرة، والسرقة بالنشل.." في تازة ضبط فبرايري آخر يستهلك المخدرات في مقصف ملعب لكرة القدم، اعتقل لأنه اختار ملعب كرة القدم لممارسة رياضة أخرى، إلا أن وكيل الملك "اتقى فيه وجه الله" وقرر إخلاء سبيله. تاجر آخر تم ضبط كمية هامة من المخدرات في صندوق سيارته، لا ينتمي الى عصابة "20 فبراير" لكنه معروف بعلاقاته االمشبوهة معها، هذا المجرم الخطير الذي تم توقيفه منذ شهرين بالمدينة الحمراء، حيث أن بركة "سبعة رجال" جعلت رجال أمننا البواسل يهتدون الى مكانه وهو يرتشف القهوة بمقهى Mes rendez vous بشارع علال الفاسي وإلقاء القبض عليه، بعد توجههم مباشرة الى مكان البضاعة الممنوعة. إبن الجنوب الشرقي الموقوف هو حميد مجدي من مواليد 1965، أب لطفلين ، متصرف بعمالة ورزازات، نائب الكاتب العام للاتحاد المحلي كدش بورزازات، مستشار ببلدية ورزازات عن الحزب الاشتراكي الموحد، الكاتب العام للنقابة الوطنية لعمال وموظفي عمالة ورزازات، عضو نشيط بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان وعضو بمكتب الهيئة الوطنية لحماية المال العام. صفات تبين قدرة تجار المخدرات الجدد على التمويه و المراوغة، لكنهم يمكرون ويمكر المخزن والمخزن خير الماكرين. آخر الموقوفين في شبكة الاتجار الوطني في المخدرات التي تسمى "20 فبراير" كان هو إدريس بوطرادا، الذي تأثر كثيرا بسلسلة الرسوم المتحركة "النمر المقنع" فاختار لنفسه لقب "ادريس المقنع"، أسقط عناصر الشرطة بالرباط قناع ادريس بعدما وجدوا في جيبه 15 غرام من مخدر الشيشا، هذه الكمية ليست قليلة و لا تعفيه من الاعتقال كما يقول بعض أنصار "التبواق" وأعداء الوطن، لأنها 15 غرام كافية لتحضير "جوان" من نوع "جعبوق" قد تدفع المقنع الى الخروج للتظاهر مرتديا رداء غير الجلباب الأبيض و حاملا شيئا آخر غير العكاز، الذي حمله في تظاهرة غزة الأخيرة، شكل احتجاجي أرى فيه تطاولا سافرا على مقدسات المغرب، فلولا العكاز لما استقامت مسيرة الأوطان. المهم أن هذه الحملة اليقظة، الواعية و التي تسقط رؤوس أعضاء هذا التنظيم الخطير واحدا واحدا، تستحق منا، نحن معشر المغاربة، الكثير من التنويه بعمل قوات الأمن و الثناء على مؤسسة القضاء التي برهنت على استقلاليتها ونزاهة مساطرها، من خلال الأحكام الصارمة و غير المجاملة ضد هذه الشرذمة، كما أن الموضوع يستحق عرضا مفصلا داخل لجنة برلمانية، من طرف وزير العدل و الحريات، يقدم لنا فيه أسرار الفعالية التي تميزت بها النيابة العامة (التي يرأسها) في التعامل مع هذا الملف. ولما لى جلسة أسئلة شفوي، يحضرها المخلوق الشفوي الذي ابتلاه الله برئاسة الحكومة، ليقدم لنا فيها نتائج هذه الحملة الشريفة لتنظيف شوارع المملكة الشريفة من كل الأحلام التي حملها هؤلاء التجار و هم في قمة الهديان. حملة أظهرت أن شعارات الكرامة، الحرية و العدالة الاجتماعية لم يرفعها الا عشرات الآلاف من المواطنين "المبوقين" وأن لافتات "إسقاط الفساد والاستبداد" لم تطبع إلا بريع عائد من تجارة المخدرات. وأمام هذه الخلاصة فإن أمنيتي القصوى هو أن نتحول جميعا إلى "مبوقين" وتجار مخدرات، تماما كالتجار المذكورين في هذا المقال، عل "تنغيمة" الحشيش تجعلنا شعبا كريما يدرك أن لا حلاوة في الخبز عندما يغمس في وحل المهانة.