بعد فشل أدائها الدبلوماسي القائم على الورقة الحقوقية، المسنودة بدعم انفصاليي الداخل لتحريك الشارع داخل الأقاليم الجنوبية في شبه تظاهرات واحتجاجات، تعمل جبهة البوليساريو على تغيير سياستها الخارجية بالسعي إلى اقتفاء أثر فلسطين بشأن طلب العضوية كمراقب بالجمعية العامة للأمم المتحدة. حيث إن البوليساريو كانت في أمس الحاجة إلى إكسير الحياة لإعاد بعث موقفها التفاوضي من جديد عبر توسيع اختصاصات "بعثة المينورسو" إلا أنها فشلت في ذلك، متحملة مع الجزائر الكثير من التحرك لحمل عدد من المؤسسات الحقوقية على زيارة الأقاليم الجنوبية. كما هو الحال في زيارة وفد مؤسسة كينيدي لحقوق الإنسان، فإن ذلك لم تنعكس له أي تجليات على تقرير كريستوفر روس. وبناء عليه، يكون تقرير كريستوفر روس قد ذهب بأي آمال لجبهة البوليساريو في إعادة إحياء موقفها التفاوضي، المنهار بعد اختطاف تنظيم القاعدة لثلاثة عمال إنسانيين من داخل المخيمات. وكذا بعد عملية إجلاء اسبانيا للعمال المتطوعين من مخيمات تندوف، علاوة على التأكيدات الاستخباراتية حول ارتباط البوليساريو بالجماعات الإرهابية المسلحة وتجار المخدرات على حدود منطقة الساحل والصحراء. لقد شكل تقرير كريستوفر روس انتكاسة حقيقية للموقف التفاوضي للبوليساريو، بل وشكل أداة لتحجيم انفصالي الداخل، بعد أن تأكد محدودية تعبئتهم للشارع الصحراوي رغم الدعوات إلى تأجيج الأوضاع في الأقاليم الجنوبية بالتزامن مع زيارة روس وزيارات وفد مؤسسة كينيدي لحقوق الإنسان. إن مضامين كريستوفر روس كانت جد مخيبة لآمال جبهة البوليساريو، وأن رهان السياسة الخارجية لجبهة البوليساريو على الدبلوماسية الحقوقية لم يكن بالقادر على إضعاف الموقف المغربي، ولا بالمؤثر لتغيير كفة المعادلة خلال المفاوضات، بحيث كان تقرير كريستوفر روس واضحا بهذا الخصوص. وأمام هذه المستجدات لم يكن بد أمام البوليساريو من أن تعمل على إحداث تغيير هيكلي في سياستها الخارجية، حيث أعلن عبد العزيز المراكشي زعيم تنظيم البوليساريو، إلى "أن خطواتهم تتمثل في السعي نحو قبول عضوية (دولتهم) في الجمعية العامة للأمم المتحدة". واعتبر المراكشي إطالة أمد النزاع في الصحراء في صالح جبهة البوليساريو، وهو ما يفسر استمرار انتهاج جبهة البوليساريو لاسترتيجية الإنهاك القائمة على إطالة جلسات المفاوضات دون الوصول إلى حل، في انتظار تزايد الضغط على المغرب بإكراهات الورقة الحقوقية وكذا أملها في جلب اعترافات بجمهوريتها، على شاكلة كسب اعتراف البرلمان السويدي. إن الانعطاف المفاجئ في بنية السياسة الخارجية لجبهة البوليساريو، كشف حدة اليأس في الأداء الدبلوماسي للبوليساريو والجزائر، وهو ما حذا بهم إلى العمل على اقتفاء أثر العمل الدبلوماسي الفلسطيني المتوج بعضوية مراقب بالأممالمتحدة. لكن هذا الربط شاذ وغير طبيعي، وهو ما يعكس ارتباكا بَيِّناً وانتكاسة في الخطاب الإنفصالي لجبهة البوليساريو تجسد الخرس الإعلامي والدعائي للبوليساريو والجزائر عشية صدور تقرير كريستوفر روس. وعلى الرغم من الفروقات العميقة فيما بين الشرعية القانونية والتاريخية لدولة فلسطين ومحاولات استحداث كيانات نووية كما هو الحال في السياسة الخارجية المستحدثة لجبهة البوليساريو والجزائر، حتى أن قادة البوليساريو يتوهمون بنجاعة اقتفاء أثر العمل الدبلوماسي الفلسطيني للتقدم بطلب مماثل إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الحصول على عضوية الأممالمتحدة خلال الاجتماع المقبل بالأممالمتحدة. والحق أن هذا الرهان اليائس بكل الحيثيات التاريخية والقانونية والموضوعية لا يستقيم، لكونه ينطلق من أسس غير مرعية وفق أعراف القانون الدولي، ولذلك فإن هذا المتغير في استراتيجية السياسية الخارجية لجبهة البوليساريو لا يعدو أن يكون سوى وسيلة لبيع الوهم للمحتجزين في مخيمات تندوف، الذين هم في حاجة الى أجوبة حقيقية حول مستقبل هويتهم الطبيعية في مخيمات الاحتجاز على التراب الجزائري. ٭محلل سياسي متخصص في قضايا الصحراء والشأن المغاربي