في سياقنا المغربي، المواصل لعملية الفرز العقلاني للهيآت و المؤسسات و الأجهزة التمثيلية و لسياسات و أدوات الحكامة؛ و ببعده الإقليمي و القاري الذي يفرض حمولة إضافية للزيادة في وثيرة استكمال الاصلاحات الكبرى، في ظل مناخ سياسي و اجتماعي فريد من نوعه أعقب اجتياز توعك سياسي و اجتماعي، بل و تكريس الممارسة الديموقراطية على مستوى عملية إعادة الثقة بين المواطن و مؤسسات الدولة، بأن أفرزت المرحلة استفتاء على دستور أكثر قوة و صلابة من سابقيه، و أفرزت حكومة منبثقة عن البرلمان في تجسيد واضح لمفهوم التمثيلية بالاقتراع المباشر دون الحصص كاستثاء. لقد راهن المغاربة على أن تكون هذه الاستحقاقات مجتمعة قد شكلت جسر عبور إلى تحقيق الشق الأكبر منها تلافيا لكهربة المناخ الإقليمي في إطار ما يعرف بديكتاتورية ألجوار، فمنذ البدء في عملية انطلاق العمل المؤسساتي بالمغرب في صورته الجديدة بعد الاستفتاء على الدستور، بدا واضحا أن المشهد السياسي الوطني يعج بزخم هام من التحولات و التفاعلات السوسيو سياسية الهادفة إلى حسم معركة خفية لا يعلمها إلا الساسة و المتتبعين الفاعلين. الشيء المؤكد و الذي لا يدع مجالا للشك أن هذه التفاعلات لها من التأثير القوي و الوازن ما يؤثر على مجمل القيم و العلاقات و الممارسات و غيرها للمجتمع و هو ما يستتبعه بشكل أكثر من عادي تطور الأوضاع الاجتماعية بشكل عام. هنا قد يكون مفيدا تكرار التذكير بالجيل الجديد من الإصلاحات الفعلية التي حققها المغرب خلال السنة الأخيرة و التي أدخلت المغرب مرحلة جديدة مع حكومة السيد عبد الآله بن كيران الأمين العام لحزب العدالة و التنمية، و هي خلاصات كان من المفروض أن تكون الفائدة منها هي إسقاط النقاش العمومي الحالي بتفرعاته المرتبطة بضرورة الكشف عن المعلومة من دونه، و توضيح و تحديد التوجهات العامة في نطاق إطار محدد دستوريا بعيدا عن إنتاج ردود أفعال سلبية تبوء أهمية الجهل بالواقع المستجد مكانة مهمة. و حيث التطور في أبعاده يحتمل الجوانب الايجابية و السلبية و حيث أن السياق الدولي بمؤثراته، يجعل الدائرة الاستراتيجية للمغرب قد تضيق أكثر في إطار التجاذبات السياسوية التي ليست إلا نشرا مغلوطا لغسيل المغرب و الذي للأسف يكون بالفائدة على الجهات المعادية للوطن؛ فلا ينبغي التذكير بالمسلمات التي نتجت عن حراك الشارع والتي أعادت الثقة إلى المغاربة، فعندما ذهب المواطنون إلى صناديق الاقتراع فإن ذلك كان تعبيرا منهم عن القيام بأكثر من مجرد اختيار لمن يمثلهم، بل تصويتا على اقتراحات تمس نواحي عديدة من حياتهم اليومية من جهة، ومن جهة أخرى الوقوف على التطبيق العملي للنظريات الأساسية المدرجة في صلب الدستور، وعلى رأسها الإيمان بالمساواة بين جميع الناس وسيادة القانون، وهما الأمران الذين لن يتحققا إلا في ظل الانضباط لما تتطلبه المصلحة العليا للوطن من تحديد للأولويات بعيد عن التجاذبات العكسية. لعل الحفاظ على المكتسبات الكبرى التي راهن عليها كل من الملك والشعب، بالمفهوم الصحيح للقفز على التوعك السياسي والاجتماعي الذي شمل و لا يزال يشمل كل المحيط الإقليمي، لا تجد لها من سبيل سوي إلا بالاستخدام الأمثل لأساليب الحوار و الانسجام مع روح الدستور بعيدا عن أوضاع الانتظارية و الجمود و استمراء البعض لأوضاع تستفيد منها عبر تكريس ثقافة و ممارسات الفساد و التضليل و رفع الشعارات المغرية و سقف الآمال الوهمية ، لا لتأصيلها و تجذيرها في الواقع المعيش و إنما بغرض التعامل التاكتيكي السياسوي البراغماتي و ذلك بغرض إطالة أمد وضع يحمي أوضاع معينة و تموقعات اجتماعية. إن سوء تقدير جرأة الملك في تحويل دفة الحكم نحو المزيد من الإصلاحات، من طرف فئة نخبوية عريضة لم تمتلك بعد الاقتدار السياسي الذي يجعلها واعية باللحظة القوية لتفاعل الملك و الشعب، و أن أن هذا الوعي لن يتحقق لديها إلا حينما تدرك أن مصالحها و مواقعها في إطار شروط و خصوصيات تحددها متغيرات الزمن و المكان كما هو الحال اليوم وأن مصالحها و مواقعها الخاصة لن تستمر و لا يمكنها أن تستمر ضمن هذه الشروط إلا حين تنفتح و تتفاعل مع مصالح و رهانات مختلف الفئات الاجتماعية غير المستفيدة و الطامحة إلى تحقيق الأهداف المنشودة كجزء مكون للمجتمع. إن المشروع المجتمعي الحداثي الديموقراطي صار واضح المعالم و الأهداف و المكونات و الرهانات الاجتماعية و الحضارية المتناغمة و يجسد اليوم إنجازا قويا لتحقيق التنمية السياسية من منطلق حمولته القوية من قيم و مبادئ و موجهات و محددات، و يبقى تكريس مجمل هذه القيم و المبادئ رهين بمدى قدرة الحكومة على الاستثمار السياسي والثقافي للإمكانات الوطنية و ضخ دماء الحياة و التجدد في جوانبها الإيجابية لطرح بديل سياسي وتاريخي قادر على تكثيف نضج ووعي بما هو مطروح في هذه الظرفية تحديدا من مهام و أدوار و مسؤوليات برهانات و تحديات في ظل وضع كوني لم يعد يسمح بارتكان المجتمع و الجمود الذين تغذيهما الشعبوية والذيماغوجية. إن المرحلة اليوم جد مفصلية في المغرب لبناء المؤسسات القوية للدولة وتغليب المصلحة الوطنية المشتركة العليا، فهل من وطنيين؟