هي أحلام كثيرة كانت تراود آمال وأماني المغاربة منذ الاستقلال، منها ما تحقق بعد خروج الروح من الحلق (مليون هكتار)ومنها ما كان شقيقا لليأس ومنها ما لن يتحقق أبدا، ويمكن عرض هذه الأحلام حسب عنف وشدة عنادها في صراع الزمن ورفضها التحول إلى حقيقتها الأصلية، أي كذبة مبرقة وحسب قدرتها على التهام انتظارات أجيال بعد أجيال "" أولا:الربط القار بين المغرب وإسبانيا الإسم الرسمي لهذا الحلم هو الربط القار بين أوروبا وإفريقيا، وقد انطلق هذا الحلم مع بداية الثمانيننيات، وقد كلف محمد القباج(والي الدارالبيضاء حاليا) بهذا الملف، وبعد كل خمس أو عشر سنوات يزال الغبار عن الربط القار ليستهلك إعلاميا ثم يطوى سنوات أخرى، فما المشكلة مع هذا الحلم العصي على التفسير؟ لقد استهلك المهندسون سنوات طوال للاتفاق حول الاختيار الأكثر تحققا، القنطرة أم النفق؟ وفي الأخير تم اختيار النفق، ثم دخل المشروع في نفق مظلم لم يخرج منه إلى اليوم. ويبدو أن أوروبا لا تنظر بعين الرضا لهذا المشروع الذي سيربط الهمج المتخلفين باالبشر المتحضرين، ولو كان هناك دعم أوروبي أو إسباني رسمي للمشروع لكان تحقق جانب صغير منه على الأقل ثانيا:ميترو الدارالبيضاء حلم قديم، حير البيضاويين أكثر من باقي المغاربة، لماذا كان الحماس كالمد والجزر، حين يضرب شاطئ الأماني يجزم المرء أنه متحقق اليوم قبل الغد، ثم يغيب وينقطع أخباره، ثم يطفو مرة أخرى، مدة سنوات طويلة، فما سبب هذا المد والجزر؟ قيل أن تراب الدارالبيضاء غير ثابت وقيل أن المدينة عائمة فوق بحر من الماء وقيل أن ما رصد له من اعتمادات سرطها البصري وأعوانه، وقيل وقيل، أما الحقيقة فلا شك أنها متوارية وراء الرغبة في الاستهلاك السياسي والإعلامي، ولحد كتابة هذه السطور لا زال بعض الناس مصرين على تحقيق مترو البيضاء، وبدأت بعض الإشاعات تتكلم عن استبداله بمشروع ترامواي البيضاء، لينضاف حلم أخر جديد مستعص ثالثا:دولة الحق والقانون تبين بالملموس أن دولة الحق والقانون لم تتحقق، وأن أصحاب السلطة والمال(بغض النظر عن مصدره) لا يعترفون بالقانون، يضعونه تحت جزماتهم ثم يمسحون به كل خطاياهم. ويكفي للملاحظ أن يزور المحاكم أو يرصد سلوك الكبار في الحياة اليومية، كيف يحصلون على الوثائق، كيف يشغلون أبناءهم، كيف يحصلون على الصفقات، كيف يراوغون الضرائب والجمارك، كيف يتنتجون السلع الفاسدة أو غير الملائمة للجودة، أو كيف يراكمون رخص الريع وكيف وكيف، ليتأكد أن الفراعنة لا تطولهم القوانين الجاري بها العمل ابتداء من البسيطة كمدونة السير إلى العظيمة كارتكاب الجرائم وتغيير المعالم للوصول إلى جنة اللاعقاب رابعا:إغناء الفقير دون إفقار الغني بعد سنوات طويلة من إطلاق هذا الحلم تبين بالملموس أن المغرب اتجه فعلا نحو سياسة مناقضة تماما، وهي لا تروم تفقير الفقير فقط بل إلحاق الطبقة المتوسطة بالفقيرة، ولعلنا نذكر أن المعلم مثلا، كان يشتري السيارة الجديدة في الستينيات، وهو اليوم يعجز عن شراء دراجة نارية بسبعة آلاف درهم(ومن غرائب الأقدار أن المعلمين كانوا يشترون الإر4 الجديدة آنذاك بنفس الثمن) فهل كان الشعار صادقا لكن الظروف السياسية اقتضت تحويل الطبقات الاجتماعية إلى اتجاه آخر أم أن الأمر كان مجرد خطابات أدبية؟ خامسا:استخراج البترول من الصخور النفطية فرحنا في زمن قديم حين تم تبشير المغاربة بأن ملايير البراميل وربما الأطنان توجد في الشست الصخري الموجود بتامحضيت وطرفاية واماكن أخرى، وأنه سيتم انتظار صعود ثمن البرميل إلى مستوى يجعل الاستثمار المكلف في هذا المجال شيئا معقولا، ووصل ثمن النفط إلى مستويات قياسية دون أن يتحقق تحويل الصخور النفطية إلى طاقة بديلة للنفط التقليدي سادسا:تعميم التعليم الغريب أني لا أزال أذكر نصا مدرسيا للمرحوم الأستاذ أحمد بوكماخ، من الجزء الرابع(الخاص بالمتوسط الأول) حيث يستدعى الأب لتسجيل ابنه في المدرسة إجباريا، فيقول الشرطي لأم الطفل،أثناء غياب الأب: إذن فأخبريه أنه لابد من أخذ الولد غدا في الصباح لإحدى المدارس المحلية، وأكدي عليه في ذلك، لأنه من المحظور في هذه البلاد عدم الالتحاق بالمدرسة في مثل سنه هذا كان في بداية الاستقلال، ثم تقهقر الوضع ليصبح التمدرس غير إجباري ولا يرسل من أجله لا دركي ولا شرطي ولا حتى شيخ أو مقدم، بمعنى أننا عوض أن نحقق هذا الحلم الواسع، رجعنا بخطوات ثابتة إلى الوراء، بل إن التعليم الخصوصي هو الذي أصبح يدمر المدرسة الوطنية بعد الأخرى، أما تعميم التعليم فهدر واسع للمال دون عقلانية ولا أهداف استراتيجية هذه بعض الأحلام التي لم تتحقق، بعضها يدل على عجز مطلق في تصور المغرب مستقبلا وبعضها الآخر يعكس استهتارا كبيرا بالمغاربة ويترجم المستوى الراقي للفكاهة السياسية التي تعبث بانتظارات الناس دون حسيب ولا رقيب، وعسى أن يكون الحلم الكابوسي الجديد ال تي جي في مثل إخوانه السابقين، وإن كنا نتمنى صادقين أن يفشل المشروع دون أن تفشل الاعتمادات المرصودة له في الوصول إلى الشعب بشكل أكثر إفادة. عن مدونة كتابات بلا سياج