1) بوفاة المرشد العامّ لجماعة العدل والإحسان، الشيخ عبد السلام ياسين، تكون صفحة مهمة من تاريخ المعارضة المغربية، قد طويت إلى الأبد. وسواء كنّا متفقين مع الشيخ الراحل في أفكاره ومواقفه ومبادئه أم لا، فإنّ الشيء الذي لا يمكن أن يجادل فيه اثنان هو أنه ظلّ وفيا لهذه الأفكار والمواقف والمبادئ، وظل قابضا عليها صامدا وصابرا كالقابض على الجمر، وهذا شيء يُحسب له، لكون هذا الصمود وهذه الشجاعة خصلة لا يتمتع به إلا الشرفاء الأحرار، خصوصا في هذا الزمن الذي تباع فيه المبادئ والقيم بأبخس الأثمان، وتتغيّر فيه المواقف بين رمشة عين وأخرى. 2) وفاة الشيخ عبد السلام ياسين تطرح من جهة أخرى سؤال انقراض القيادات التاريخية، والزعماء التاريخيين، خصوصا زعماء المعارضة، في المغرب، بعدما غيّر الكثيرون معاطفهم، وجلودهم، وفقدوا الدعم والثقة الشعبية التي كانوا يحظون بها في يوم من الأيام، وفي المقابل هناك صعود ل"زعماء" سياسيين من نوع آخر، "زعماء" يتركون القضايا المصيرية للشعب والوطن جانبا، ويتفرغون لمناقشة التفاهات وتصفية الحسابات الشخصية التي لا تعني الشعب في شيء، وهذا سيؤدّي بلا شك إلى فراغ سياسي في المغرب، سيكون في خدمة القوى التي تريد أن يظلّ الوضع عل ما هوعليه بكل تأكيد. 3) هذه الشعبوية التي يتميّز بها المشهد السياسي المغربي اليوم، لا تبشّر بأيّ خير، وليست من مصلحة المواطن ولا الوطن، بل تصبّ في مصلحة جهات أخرى، تلك الجهات التي تريد ألآ يحدث أي تغيير، وقد وجدت هذه الجهات في هؤلاء الشعبويين الذين يملؤون الساحة اليوم، سواء أولائك الذين في "السلطة" أو المعارضة، والذين لا يحملون فكرا ولا مشروعا، سندا لها في هذه المهمة. هذه الجهات التي تريد أن يظلّ الوضع السياسي القائم في المغرب مثل برْكة راكدة ستكون ولا شكّ سعيدة أيّما سعادة برحيل الشيخ ياسين، خصوصا وأنّه يملك تنظيما سياسيا قويا، يستطيع تحريك هذه البركة الآسنة، وأكبر دليل على ذلك هو أن احتجاجات حركة 20 فبراير كانت قوية يوم كان أنصار الجماعة ينزلون إلى الشارع، وما كادت الجماعة تنسحب من الساحة حتى انطفأت شمعة حركة 20 فبراير. 4) إلى أين يسير المغرب إذن، في ظل انقراض الزعامات السياسية المعارضة، سواء المنتمية إلى اليسار أو اليمين؟ الجواب بكل تأكيد هو أنه يسير نحو مزيد من الركود، وربما نحو مزيد من التراجع إلى الوراء، من الناحية السياسية على الخصوص، وهي التي يجب أن يحدث فيها تغيير عميق، قبل باقي المجالات، لأنها هي الأهمّ، وهي مفتاح التغيير الشامل، ما دام أنّ إصلاح الوضع السياسي، وإقرار نظام سياسي ديمقراطي حقيقي، سيلقي بظلاله على باقي المجالات، وسيجعل الوضع الاقتصادي والاجتماعي يتحسّن بشكل طبيعي، ولكنّ مسار الإصلاح السياسي مع الأسف يبدو أنه سيتوقف، في ظل انقراض الرجال القادرين على رفع أصبع الرفض، وقول لا، بدون خوف، وتعبئة العامّة، وطرح القضايا الكبرى للنقاش، عوض الانكباب على مناقشة التفاهات، وتصفية الحسابات الضيّقة. 5) قوّة الشيخ عبد السلام ياسين، التي رافقته طيلة مساره كمرشد عام لجماعة العدل والإحسان، والتي أكّدتها الجنازة الضخمة التي أقيمت له، كان يستمدّها، بالإضافة إلى حرصه على مبادئه ومواقفه في كونه كان يناقش الأفكار الكبرى، ولا يهتمّ بالتفاهات كما يفعل البعض اليوم. أفكار ياسين كانت دائما كبيرة، كان عندما يكتب كتابا، أو رسالة (نتذكر هنا الرسائل التي وجهها إلى الملك الراحل الحسن الثاني وإلى الملك محمد السادس)، أو يدلي بتصريح، يثير الخوف لدى الجهات التي تكره التغيير، فيما تخلف أفكاره نقاشا موسّعا بين المهتمين، والسياسيين، والرأي العامّ. اليوم حلّت الشعبوية محلّ الأفكار الكبيرة، وحلّ الضجيج مكان الصمت الحكيم، وحلت تصفية الحسابات الشخصية محلّ البحث عن المطالبة بالتغيير الحقيقي، لذلك فإنّ وفاة الشيخ ستؤدّي ولا شكّ إلى مزيد من الركود في الحياة السياسية بالبلد، للأسف الشديد. [email protected]