" هناك أيادي خفية تسعى لإفشالنا " ..." يوجد عفاريت وتماسيح يرفضون عملية الإصلاح " ..." هناك قوى مخفية تأبى إلا أن تعيش في الفساد " ..." كاين شي جنون وعفاريت كيحاربونا " ... جمل وعبارات وتصريحات وردود من مسؤولين ووزراء مغاربة تشابهت حتى بات يحفظها الشعب عن ظهر قلب وعن قلب ظهر ، فما من مسؤوول مسؤول إلا ويعلق أخطاءه وعجزه وفشله في تدبير شؤون المهمة المسنودة إليه على عفاريت أو تماسيح قرب النهر أو أخطبوطات تعيش في أعماق البحر ، ولعل أول ما يتبادر إلى الذهن حين سماع مثل هذه الحجج الواهية هو أن هناك عفاريت من الجن تحكم هذا البلد وتتحكم فيه وفي دهاليزه وغياهبه وغياباته ، وأن هذه العفاريت الجنية هي من تتدخل في صنع كل كبيرة وصغيرة في الوطن ، وهي السبب المباشر وغير المباشر في سعادة هذا المواطن وتعاسة ذلك المواطن . طيب ما دام الوطن الذي نعيش فيه تحكمه عفاريت وأيادي خفية هي من تغفر زلات الكبراء ، وهي من لا ترحم الفقراء والضعفاء والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان المقيدين بأصفاد وهموم الإنتماء للطبقات الوسطى والدنيا... ومادامت تلك العفاريت الجنية التي لا ترى بالعين المجردة هي من يغفر للبعض امتلاكه لأراضي الأحباس والأوقاف دون وجه حق، وهي من تسمح بتفويت أملاك عمومية لأناس دون غيرهم ، وتتستر على فضيحة وزير أو مدير أو موظف معين بظهير شريف سطا على خزائن الدولة أو خان ائتمان الشعب له على أمواله وخيراته ، وهي من لا تغفر لفقراء ومساكين وبسطاء زلاتهم في التشبت بسكن صفيحي أو الدفاع عن أنفسهم حال هدم بناءاتهم العشوائية . ولا تغفر البتة لأحدهم ذنبا أوجرما إقترفه بدافع من الدوافع الإجتماعية أو فرض عليه ارتكابه للحصول على ضروريات العيش .. ومادمت تلك العفاريت هي من يحتضن مهرجانات الجمعيات المنحطة وندوات الأندية الهابطة وأيام الخيول والبغال والحمير وليالي المجون والفجور والسعي المجرور ، وتسارع عقارب الساعة ليكون المغرب ضمن الأوطان المنفتحة على الأفكار الهدامة والسياسات الفتاكة والمشاريع المخربة ، ومادامت هي من يهوي بالمحتجين والثائرين والرافضين لهذه الأوضاع إلى ظلمات السجون بعد عرضهم على ما لذ وطاب من فنون وأدوات التعذيب النفسي والجسدي ... وما دامت تلك الأيادي " العفريتية "هي التي تسن لأقوام خطوطا حمراء تأويهم وتبني من القانون سطورا تحميهم ، وتجعل من كل من ينتمي إلى درجات العلياء مقدسا لا ينبغي الإقتراب منه أو تجاوزه أو انتقاده ، وفي ذات الوقت تبخل على أبنائه وبناته بنقطة أو فاصلة تكفل لهم حقوقهم المادية والمعنوية.. . وما دامت تلك العفاريت هي من تجعل من المغرب بلدا يجمع كل المتناقضات والمفارقات ، وهي من جعلته يحتل المراتب المتأخرة في مجال التربية والتعليم والصحة والسلم والحرية وغير ذلك من الأمور الضرورية لإرساء لبناته الصحيحة ، وهي من جعلته في المقابل يتربع على عرش المراتب الأولى المتعلقة بكل ما يندى له الجبين وتشمئز منه النفوس... . وما دامت تلك " العفاريت " قد أصدر " الحكيم" في حقها " عفا الله عما سلف " ، ومع ذلك لم تستحي ولم تترك المغرب للمغاربة ، بل زادت المغربي غربة على غربة داخل وطنه ، وما دام المغرب بات " مسكونا " بالعفاريت والجن ، فإن الحل للخروج من هذا الصرع والمس اللذين يتخبط فيهما المغرب بلدا وشعبا وحكومة ، هو أن نجمع من كل مدينة ومن كل قرية فقيها متمكنا من علم " العفرتة " وعارفا بمداخل الجن ومخارجه ، ومن ثم يطلب منهم التحكم في تلك العفاريت وتسخيرها لخدمة الوطن والمواطن عوض نهبهما ونهش ما تبقى منهما . هذا اقتراحي لحكومة بنكيران ، وهو اقتراح كنت سأشرحه بالتفصيل الممل لولا أن عفريتا من الجن وسوس لي بأن مشكلتنا في المغرب ليست مشكلة عفاريت وتماسيح وأيادي خفية فقط ، وإنما هي أيضا مشكلة دساتير وقوانين وأصول سياسية قال العفريت بأن الشعب وافق عليها لأنه مصاب ب " التّوكال " ولأن الماء الذي يشربه هذا الشعب فيه إن ولكن وباقي النواسخ والمواسخ ، ولذلك فهم لا يفكرون في الرفع من ثمن استهلاكه في مستقبل الأيام حتى يكون في متناول الجميع عكس الكهرباء الذي يدرسون في هذه الأيام إمكانية "تصحيح تعريفته" تمهيدا للزيادة في أسعاره . حين تأملت في هذه الوسوسة فكرت أن أكتب مقالا أطالب فيه بمعالجة جزء من هذا الشعب المحبوب من داء " التوكال " ،إلا أن بعض العفاريت التي تمثلت أمامي في وضعيات مختلفة حالت دون ذلك ، وأبت إلا أن تذكرني بالمثل " العفريتي " الذي يقول بأن " اللّي فيه الفزّ كيتهزّْ " . http://www.goulha.com/