نجحت الأطراف المتصارعة في لبنان في وقف نزيف الدماء الذي كان سيؤدي بالاستقرار الاجتماعي والسياسي في البلد إلى الهاوية والهلاك في مؤتمر الحوار الذي جمعهم بالدوحة القطرية . نجحوا لأنهم كانوا يؤمنون بأن الصراع الدموي والخلاف – وليس الاختلاف – السياسي سيقودهم إلى القضاء على بلدهم وشعبهم الرائع . نجحوا لأنهم كانوا جد متيقنين في دواخلهم أن التصعيد سيجلب الخراب وسيمكن العديد من الأطراف الخارجية من التدخل لفرض سياساتهم وقراراتهم على حساب قناعاتهم الوطنية والسياسية التي تخدم مصلحة بلدهم وشعبهم اللبناني فقط . "" لقد توقفنا منبهرين أمام تجاوب الأطراف جميعها سواء منها الممثلة للموالاة أو للمعارضة وهي تتعانق وتنهي صفحة سوداء مرت على لبنان خلال أكثر من سنة كاد الاستقرار في هذا البلد أن يدخل غرفة الإنعاش لولا يقظة جامعة الدول العربية التي نجحت إلى حد ما في إنجاح الحوار بمساعدة الدولة العربية الصغيرة جغرافيا الكبيرة قوميا وعروبة وهي قطر . وكنا نتمنى أن يوضع حد لذلك الصراع الذي ما كان ليخدم أي طرف من الأطراف في لبنان . فالرابح الأول والأخير هو أمريكا وإسرائيل لا غير ، ولذلك سمعنا تصريحات باردة من الأمريكيين عقب إنهاء الخلاف وعقد الاتفاق بين الفرقاء اللبنانيين ورأينا خيبة أمل على محيا الصهاينة في فلسطينالمحتلة تجاه ما جرى بالدوحة . وتوضح بالملموس أن هاتين الدولتين هما من كانتا تهدفان إلى حلحلة الوضع اللبناني وخلق أجواء التوتر بالبلد لتمرير سياساتهم المتطرفة ضد شعوب المنطقة . إن الحوار الذي جمع القادة اللبنانيين كان في مستوى من الوطنية الصادقة ، وأنتج قاعدة لا غالب ولا مغلوب ، وبالتالي أصبح الشعب اللبناني في منأى عن عيش فصول حرب أهلية جديدة لو لم يتوصل هؤلاء القادة إلى اتفاق لا سمح الله . فجهد دولة قطر والجامعة العربية كان جهدا كبيرا في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الذين كانوا إلى عهد قريب متباعدين جدا قبل انعقاد الحوار ، ولذلك فمباركتنا لهذا الجهد والحديث عنه هو من أجل إحقاق الحق والدفاع عنه . وبابتعاد بعض الدول العربية عن الملف اللبناني والتي لا نشتم منها رائحة الحياد الإيجابي تجاه القضية اللبنانية كان أمرا مفيدا لحل الأزمة ، بحيث نأى كل طرف عن الضغط الخارجي من هذه الدولة أو تلك فاستطاع كل طرف أن يتخذ قراراته بكل حرية ومسؤولية . وبذلك استحضر اللبنانيون القيم المشتركة التي تجمعهم بعيدا عن الفكر الطائفي والمذهبي والعرقي والديني . استحضروها وهي التي ساهمت في استقرار بلدهم طيلة عقود من الزمن بعد اتفاق الطائف وقبل الحرب الأهلية . استحضروها لأنها السبيل الوحيد لبناء دولة حقيقية بجيش قوي ودستور ديمقراطي توافقي يقي البلد من الانجرار نحو حرب أهلية جديدة . كنت كتبت مقالا حول الصراع اللبناني قبل انعقاد المؤتمر بصحيفة " العرب العالمية " الصادرة من لندن ثم نقلته بعد ذلك إلى بعض المواقع العربية على شبكة الإنترنيت وبهذا أردت إشراك الكثير من القراء في رؤية الواقع اللبناني وتوضيح رؤيتي من القضية اللبنانية ومن المقاومة اللبنانية التي كان لها الفضل الكبير في إخراج الاستعمار الصهيوني في سنة 2000 من البلد وإلحاق هزيمة به في صيف 2006 ، هذا الموقف الذي لا أغيره ولا يمكنني أن أحيد عنه وهو أن المقاومة يجب أن تبقى في لبنان بحكم التهديد المباشر للعدوان الصهيوني على البلد وباعتبارها قوة ردع في وجه إسرائيل بالمنطقة ، ولذلك فكان دفاعنا عن المعارضة وعن المقاومة من هذا المنطلق وليس من خلال أي منطلق آخر كما فهم البعض من القراء ذلك . ولذلك فرؤيتنا في أن المقاومة اللبنانية والتي يمثلها حزب الله هي أن المقاومة التي منحتنا شرفا في صيف 2006 وجعلتنا كعرب نحس أننا مازلنا قادرين على تغيير قدرنا وواقعنا وحاضرنا وبناء مجتمع وثقافة وحضارة قائمة على قيم حديثة لا تنسى تاريخها وتراثها ضرورة مؤكدة لدينا وعلينا . لقد كتبت أساند المقاومة في لبنان لا غير ولن أساند إلا المقاومة واعتبرت القرار الحكومي التي اتخذته حكومة السنيورة فيما يخص شبكة الاتصالات في المقاومة التي تعتبرها جزءا من الحرب مع الصهاينة ، فموقفي وموقف العديد من المثقفين العرب والمسلمين هو ذات الموقف الذي لا يريد أن يدخل في الصراع السياسي بين الأطراف المتصارعة في لبنان . قد نختلف مع حزب الله والمعارضة في بعض الأمور السياسية وقد نتفق في نفس الوقت مع الموالاة في بعض القضايا التي تهم البلد كما هو الشأن لدى العديد من المثقفين والصحفيين اللبنانيين أنفسهم ، ومن هنا فلا يمكن اعتبار مساندة المقاومة التي تجاهد في إجلاء المستعمر وتحارب من أجل استرجاع الأرض والعرض والشرف والأمة والقيم هو عمل أخرق واعتباره تطرف فكري ومذهبي كما ذهب العديد من القراء إلى ذلك . عزيز العرباوي كاتب وشاعر من المغرب [email protected]