وقف المخرج الصيني، الكبير، زهانغ إيمو، ليلة أمس على خشبة قصر المؤتمرات بمراكش، بتواضع كبير، أخجل الحاضرين أثناء أمسية تكريمه عن أعمال فنية راقية توّجت في أرقى المهرجانات العالمية عبر العالم، مثل أفلام "المدينة الممنوعة" و"أن تعيش" و"أوقات سعيدة" و"زوجات وخليلات".. وأصرَّ إيمو أمام جمهور غفير من محبيه والعارفين بقيمة أعماله الفنية، على تقديم كلمة شكره بخجل وتواضع، للمغاربة ولمهرجان مراكش الدولي للفيلم، باللغة الصينية، لأن "الفن لغة تتقاسمها الشعوب قاطبة، وهي جسر للتفاهم"، يقول زهانغ إيمو، أو أيقونة سينما الصين كما يلقبونه. الفائز بجائزة لجنة التحكيم بمهرجان "كان" الفرنسي سنة 1994 عن فيلم "أن تعيش"، بدا منتشيا بهذا التتويج الأول له في دولة إفريقية، بعد مسار حافل فيه الكثير من العصامية، حيث انقطع عن الدراسة في سن 16 سنة، بعد قيام الثورة الثقافية بالصين في الفترة ما بين 1960 و1970، وأرسل إلى الريف للعمل في مصانع النسيج كإعادة تأهيل له وفقا للروح العمالية لديكتاتورية البروليتارية، وتهذيب روحه من التعاليم البورجوازية الغربية. هناك، وفي ظل هذه القسوة الحياتية التي واجهت زهانغ إيمو، تعلم الرجل النحيل المزداد سنة 1951 فن الرسم والتصوير الفوتوغرافي لقتل أوقات أيامه الرتيبة، قبل أن يلج إلى أكاديمية الفيلم في بكين أواخر سبعينيات القرن الماضي، بعد أن بدأت تدب الحياة الفنية في مفاصل البلاد ومثقفيها، حينها. وبعد التخرج، انطلق زهانغ ضمن الجيل الخامس للسينما الصينية، ليعلنوا النهضة الفنية بالصين بعد الثورة، حيث فاز بالعديد من الجوائز لأفلامه التي كانت تحمل نفحة إنسانية قوية، مثل فوزه بالديك الذهبي الصيني عن فيلمي "الأرض الصفراء" و"الاستعراض الكبير"، ثم بعدها حصل على جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي الدولي عن فيلم "الذرة الحمراء" الذي يحكي قصة فتاة صينية تجبر على الزواج من عجوز مصاب بداء الجذام لتحيى حياة قاسية يزيدها قسوة الاحتلال الياباني للصين. اهتمام زهانغ إيمو بجمالية الصورة، والعمق الإنساني في أفلامه، جعل النقاد، في جميع أنحاء العالم يلتفتون على أعماله، من خلال النقد والتحليل، قبل أن يلمع نجمه عالميا حين أشرف على إخراج حفل افتتاح واختتام أولمبياد بيكين عام 2008، حيث النجاح الباهر الذي عرفه الحفلين نال إشادة دولية، مما جعل اليونان تستعين به في إخراج مراسيم اختتام دورة الألعاب الأولمبية الصيفية بأثينا سنة 2004. المخرج المتواضع، الذي انحنى شكرا لجمهور مراكش الذي صفق له كثيرا أثناء التكريم، أظهر الكثير من جوانبه الإنسانية وقوة رؤيته الفنية للأحداث التاريخية التي عرفتها بلاده، من خلال فيلمه "ورود الحرب" الذي عُرض بعد التكريم، والذي قال عنه زهانغ إيمو أنه مستوحى من قصة واقعية وقعت قبل سبعين سنة. جمهور قصر المؤتمرات بمراكش وقف طويلا لتحية أحد أعمدة السينما بالعالم، لعصاميته الحياتية، بعد أن اضطره الفقر ذات يوم إلى أن يبيع لترات من دمه من أجل شراء كاميرا فوتوغرافية أصبحت رفيقته، في صناعة قصص إنسانية، من واقع مُر غابت عنه معاني الإنسانية.