بورصة الدار البيضاء .. أداء أسبوعي إيجابي    قصف يخلف قتيلة وجرحى بجنوب لبنان    كرة القدم.. المنتخب الوطني لمواليد سنة 2000 فما فوق يواجه وديا نظيره الغيني يومي 23 و25 مارس    سفير إسبانيا السابق بالرباط يكشف أمرا مثيرا بخصوص مطالب بالمغرب بسبتة ومليلية    نشرة إنذارية.. تساقطات ثلجية كثيفة ورياح قوية بعدد من المناطق    المغرب يتقهقر للمركز 89 في "مؤشر السعادة" العالمي    اليماني يدعو أخنوش لتغليب المصلحة العامة للمغرب واستئناف أنشطة التكرير في مصفاة "سامير"    السّياحة في أكادير تُحافظ على وتيرتها التصاعدية والسُّياح البريطانيون في المقدمة    التفاهة على مواقع التواصل تحت المجهر.. خبراء "نخرجو ليها ديريكت" يحذرون من خطر المغالطات والتسيّب الإعلامي    "مغربيات ضد التطبيع" تدين تخاذل وتواطؤ الدول العربية وتدعو للضغط على الحكومات    وزارة الصحة والنقابات يتفقان على رفع تعويض الحراسة وزيادة 500 درهم للممرضين    في أول مواجهة بين الركراكي والزاكي.. هكذا نظر كل منهما لمباراة المغرب والنيجر    تقنين قطاع المقاهي والمطاعم في المغرب يقترب من الحسم    صحيفة ايطالية تصدر طبعة مولدة بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعي    تسخينات "انتخابات 2026" .. إنزال لوزراء "الأحرار" في خنيفرة    مجلس السلم والأمن الإفريقي يناقش أجندة المرأة والسلام والأمن تحت الرئاسة المغربية    الركراكي يستدعي بلعمري للالتحاق بالمنتخب استعدادا لمباراة تنزانيا    الأمم المتحدة تحذر من "صدمة نفسية هائلة" لأطفال غزة بعد تجدد القتال    الولايات المتحدة تستعد لطرد مئات الآلاف من المهاجرين    أمن مراكش يوقف شخصا بحوزته أزيد من 20 ألف قرص مخدر    الشركة الجهوية متعددة الخدمات الدار البيضاء-سطات منخرطة في التدبير المستدام للموارد المائية    جرائم الكراهية تتضاعف... ومساجد تتحول إلى ساحات استهداف في ألمانيا    لقاء بنواكشوط حول الذكاء الاصطناعي وريادة الأعمال بإفريقيا بمبادرة من الوكالة المغربية للتعاون الدولي    بعد أشهر قليلة من افتتاحها .. عيوب تقنية تظهر في ملاعب منتزه الإنبعاث بأكادير (فيديو)    وفاة أسطورة الملاكمة الأمريكية جورج فورمان    ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إلى "العودة الفورية لوقف إطلاق النار في غزة"    كيوسك السبت | الحكومة تصدر قوانين جديدة في مدونة السير    أجواء ممطرة في توقعات طقس السبت    الزاكي: تأثرت بسماع النشيد الوطني    مبعوث ترامب: الأوضاغ في غزة قد تؤدي إلى انهيار الأنظمة في مصر والأردن والسعودية (فيديو)    الركراكي: هدف منتخب النيجر "صفعة"    الطوب يبلغ وزارة الصحة بمآسي ضحايا الإدمان ويطالبها بتزويد مركز طب الإدمان بتطوان بالأدوية والموارد البشرية    انطلاق فعاليات "زهرية مراكش"    تحقيقات في قضايا تخص حوادث للسير تجر محامية بهيئة الرباط إلى الاعتقال    نزيف مستمر في شوارع طنجة.. متى يتوقف تهور سائقي دراجات سانيا؟    المنتخب المغربي يفوز بصعوبة على مضيفه النيجر ويقترب من بلوغ مونديال 2026    هكذا كان أداء لاعبي المنتخب الوطني المغربي بعد الفوز الصعب على النيجر    بركة ولقجع يوقعان بروتوكول اتفاق لتطوير البنية التحتية الطرقية للمملكة    الإفطار عند المرأة الحامل جائز في حالة مرض مزمن أو حاد    المجلس العلمي الأعلى يحدد مقدار زكاة الفطر لهذه السنة    مجموعة "أكديتال" تتصدر معاملات البورصة متقدمة على "التجاري وفا بنك" و"اتصالات المغرب"    رحيل مخرج "وادي الذئاب" "دموع الورد".. نهاية أسطورة الدراما التركية    أمطار الخير تُعيد الحياة لفلاحة الشمال وسدوده!    المجلس العلمي الأعلى يحدد قيمة زكاة الفطر لعام 1446 ه في المغرب    إقبال خاص على المنتجات المحلية في شهر رمضان    تنظيم منتدى الصحراء المغربية الدولي للصحافة والإعلام بسيدي إفني    أبحاث جديدة تفسر سبب صعوبة تذكر الذكريات الأولى للأطفال    المجلس العلمي الأعلى يرفع قيمة الزكاة في المغرب    الصيام بين الفوائد الصحية والمخاطر    منظمة الصحة العالمية تدعو لاتخاذ إجراءات عاجلة لمكافحة السل    صحة الصائم الجيدة رهينة بالتوازن في الأكل و النوم و شيء من الرياضة..    من أجل فلسفة جذرية    أمسية شعرية وفنية تحتفي باليوم العالمي للشعر في طنجة    عمرو خالد: هذه شفاعات كبرى للنبي صلى الله عليه وسلم تنجي من أهوال يوم القيامة    التوازن بين العقل والإيمان: دعوة لفهم شامل وعمق روحي.. بقلم // محمد بوفتاس    2025 سنة التطوع: بواعث دينية ودوافع وطنية    بعد 15 سنة من العطاء…اعتزال مفاجئ للمخرج المصري محمد سامي للدراما التلفزيونية    أوريد: أزمة السياسة "ليست مغربية".. والشعبوية متحور عن الفاشية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر والربيع العربي
نشر في هسبريس يوم 28 - 11 - 2012

لم يعد العرب "ظاهرة صوتية " كما قيل عنهم من ذي قبل، كما لم يعودوا "لا يجرؤون على فتح أفواههم إلا عند طبيب الأسنان" كما قال أحدهم بالأمس، فلربما أصبحت هذه الأوصاف في خبر كان، فبعد عقود ونيف من زمن الخنوع والخضوع، أصبح للشعوب العربية بعد "ثورة الياسمين" صوت مسموع وفم مفتوح ورأي يحسب له ألف حساب ممن يعنيهم الأمر، "الشعب يريد ... " أشهر شعارات الربيع العربي، تحتوي كلمة يريد وهو فعل مضارع مصدره "الإرادة" إرادة لطالما تم كبتها إبان سنوات عجاف، والمكبوت لا يموت وهو حتما يعود ولو بعد حين -كما علمنا سيغموند فرويد- لكن هذا الكبت سيعود على الشعوب بالنفع والضر على حد سواء، لكن النفع هنا أكبر من الضر، فما نفع الربيع على مصر كنموذج وما ضره إن كان له ضر ؟
بعد حصول دول العالم العربي على الإستقلال تباعا، عرف الإستبداد والتسلط أوجه في بعض الأنظمة التي استلمت الحكم، حتى أصبح البعض يشك في هذا الإستقلال، والبعض الآخر يدعوا إلى استقلال ثاني، ونأخذ على سبيل المثال لا الحصر جمهورية مصر، التي عرفت بعد الإستقلال مخاضا توج بحكم العسكر/الضباط، بما جلب معه من قانون طوارئ... إذاك كان الشعب بالفعل لا يفتح الفم إلا عند الطبيب وأصبحت السياسة رجس.. وعرف الظلم أوجه أيام حسني مبارك، وضربت على هذا الشعب الذلة والمسكنة وألف الخضوع رغما عنه، فاستأنس المهانة والخضوع وطال عليه الأمد على هذا الحال حتى صار الإستبداد هو الأصل والطبيعة، أما الحرية فأمست كمالا لاحاجة للشعب بها أو قل أضغاث أحلام، في عهد "الحزب الوطني الحاكم " كان الشعب خارج اللعبة، مستضعفا في الأرض إذ يفعل المستبد وحزبه مايحلو له بمصر وأهلها على كافة الأصعدة (داخليا، خارجيا، دستوريا، ...) ولا يجرؤ أحد على مجابهته ومن يفعل يجد الزنزانة مأوى له إن لم تكن المقصلة.
ألف كبار الشخصيات المصرية الذل والنفاق والرياء منهم جنرالات ومنهم رجال أعمال ومنهم ممثلين... لطالما طبلوا وزمروا مرضاة للمستبد، ومن يفعل ذلك –كما علمنا الكواكبي- "يبيح الكذب والتحايل والخداع والتذلل حتى يصبح من القيم المفتخر بها: اعتبار التصاغر أدبا والتذلل لطفا محمودا وترك الحقوق سماحة وحرية التعبير وقاحة وحرية الفكر كفرا" رحم الله الكواكبي على هذه الكلمات.
وازدادت الأمور تعقيدا شيئا فشيئا، حتى صار مبارك فرعون مصر الجديد وخليفة الله في الأرض والكلمة التي لا مرد لها، وبذلك اشتد الخناق والضغط على الشعب، والضغط يولد الإنفجار كما علمتنا الفيزياء، بالإضافة إلى أن " الأزمة تلد الهمة والأمر لا يتسع إلا إذا ضاق وأن فضل الفجر لا يظهر إلا بعد حلكة الظلام" كما علمنا جمال الدين الأفغاني، والذي سبق له أن قال في إحدى المناسبات " أوشك فجر الشرق أن ينبثق، فقد ادهمت فيه الخطوب وليس بعد هذا الضيق إلا الفرج، سنة الله في خلقه".
وبالفعل صدق تنبؤ الأفغاني، ورأينا مبارك خلف القضبان يجيب القاضي "ماحصلش يافندم." لكنه حصل يا حسني فلا داعي للكذب.
لقد صدق الأفغاني الذي كتب قائلا "..إن هذا الشرق وهذا الشرقي لا يلبث طويلا حتى يهب من رقاده ويمزق هو و أبناؤه لباس الخوف والذل، فيأخذ في عداد عدة الأمم المطالبة لإستقلالها المستنكرة لإستعبادها" فقد نهض (من نهضة) الشعب عن بكرة أبيه وخلع أخر فراعنة مصر المعاصرة، وبإسقاطه سقط الإستبداد ليأفل نجم صنم دخل في خبر كان هو الأخر، وهذا من مظاهر النفع التي عساها تنفع الناس في أرض الكنانة ولو بعد حين.
ولئن أفل مبارك إلا أن ظله ورائحته لما تزال تجوب أروقة مختلف مؤسسات الدولة، هذا دون التكلم عن الفلول والبلطجية واللذين يحنون ويتحسرون على أفول الصنم من عموم الشعب، وهذا ما يجعل مهمة مرسي واللذين معه تبدوا أبعد من السهولة بما كان، لأن تلك الزمرة بالإضافة إلى زمرة ثانية ليس لها من الأمر إلا الحقد على الإخوان وكرههم لدوافع إيديولوجية و أخرى ذات أجندات غربية، تلك الزمر مجتمعة، مافتئت تخلق لمرسي عقبات وعراقيل وهمية للإطاحة به كي تنتصر الأولى لفكرة" أبونا مبارك" والثانية ل"أسماء شخصية" (موسى،البرادعي..) تظن أنها أحق بالملك من غيرها فتتخذ لها شعار العلمانية ذريعة، وماهي في الواقع إلا وسيلة من وسائل وتبقى الغاية واحدة، لكن أهم ما في الأمر هو تنحية رأس الإستبداد والباقي (الديمقراطية..) يأتي بالتدريج.
ليكون المجتمع المصري بذلك، قد مر من أدنى مراتب الإستبداد إلى أعلى مراتب الحرية من دون المرور عبر وسائط انتقالية، ومن دون تدرج زمني وسوسيو-ثقافي، هذا هو الحال في مصر. بعد التخلص من وطأة استبداد نظام الحزب-الوطني- الواحد، تنفس الشعب الصعداء ونزل ميدان التحرير واحتفل بانجلاء القيود، لأنه أراد الحياة، وإذا الشعب يوما أراد الحياة -فكما أنشد الشابي- لا بد أن يستجيب القدر، وبالفعل استجاب القدر وانجلى الليل وانكسر القيد وتمكن الشعب أخيرا من احتضان الحرية لأول مرة في تاريخ مصر المعاصر، لكن كيف لسجين ترعرع في السجن منذ نعومة الأظافر ولم ير النور منذ زمن بل لم يعتد حتى المشي بدون سلاسل وأصفاد ..كيف لهذا السجين أن يمضي في الطريق بشكل طبيعي منذ الوهلة الأولى؟
أن تخرج من أحضان الإستبداد إلى أحضان الحرية يجعل المرء يتوجس خيفة من المستقبل ومن النظام الجديد، ويخلق لدى المجتمع ارتباكا نفسيا، اقتصاديا، سياسيا، ثقافيا... لكن لعله ارتباك محمود وبداية تعلم للمشي من جديد، وهو نتيجة طبيعية لولادة أخرى Renaissance، عساها تكون أحسن من الولادة الأولى. و في كل الأحوال الطريق نحو الديمقراطية ونحو الرخاء الإقتصادي و العدالة الإجتماعية المنشودة، يستوجب بالضرورة شيئا من التضحية والعناء والكثير من الصبر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.