ان هذا الموضوع والتفكير في مقارعته استوجبه واقع الحال في الخطابة السياسية التي لم تعد تنضبط لأسس عقلانية وموضوعية،فكل السياسيين الذين هم في مراكز المسؤولية أو خارجها اصابهم هوس كثرة الكلام السياسي او الرغي السياسي وقلة الفعل لدرجة الهيام وارى في ذلك ظاهرة غبر صحية تزيد حقل السياسة عبثية وراء عبثية ،وعليه من الممكن ان يكون الحل في فرض ضريبة على المتكلم السياسي الثرثار وردعه او اعتماد ايضا الاقتطاع من اجور القائمين على تدبير الشأن العام. ففي رحاب كثرة الكلام و التخبيص والتخبيط السياسيين والهرطقة وهلم جر من كل ما يفيد في التعبير عن هذا الاسهال الكلامي في السياسة ، والذي لا يعرف لا كوابح ذاتية و لا قوة لجم خارجية،حيث تعبت الأذن من السماع والإنصات لرداءة الاصوات التي يكثر فيها العويل والصراخ والوعيد والوعود لكل من يعتلي منصات الخطابة السياسية ،داخل الاحزاب ،التجمعات الجماهيرية السياسية لحظة الاستحقاق الانتخابي ،منصات وكراسي البرلمان ،وكل فضاءات السياسة وكل المسئولين طبعا ولا نستثني منهم أحدا. فقد قال الامام مالك بن انس رحمه الله"اذا رأيت الرجل يدافع عن الحق فيشتم ويسب ويغضب ...فاعلم انه معلول النية ،لان الحق لا يحتاج الى هذا" فقلة الكلام تستر العيوب وتقلل الذنوب وكثرة الخطابة والكلام هي بضاعة العاجزين عن الفعل الذين تقهرهم الصعاب وسرعان ما يستسلمون لها، فالكثير منهم من رفع شعارات براقة في جموع من الناس واستشهر عنترياته وبطولاته ،لكن سرعان ما خفت نجمه وانطفأ وميضه مجرد اعتلائه مناصب المسؤولية وأول من يوجه مدافعه الى المنتقدين و قد صادفنا في حقل السياسة الكثير منهم. إن الحديث عن فرض ضريبة على الكلام قد تكون له فوائد جمة وذلك في سبيل تجويد الكلام السياسي وعقلنته ،وكل من يريد ان ينطق بكلمة تكون محسوبة عليه وسيفكر الف مرة للتلفظ بهاو القائها على مسامع الناس ولما لا منح المواطنين امكانية رفع دعوى على الكلام الضار الذي يتسبب في زعزعة "طبلة الأذن" أو يخدش حياءها ،فسياسيونا دائما ما يضرب لسانهم عنقهم،ويكذبون ثم يكذبون حتى يصدقون كذبهم. لكن هذا الامر طبعا لن يخضع لمنطق اعفاء الميسورين وقهر الضعفاء حيث يجب ان يستند الى عدالة ضريبية حقيقية تتساوى فيه الافواه ،ولكن مقابل ذلك يجب ان يتمتع منعشي الكلام السياسي المعقول والذي يملك المصداقية باعفاءات ضريبية للتشجيع والتحفيز على الاستثمار الكلامي الجيد خاصة الكلام الاقتصادي والاختصاري، لكن بالمعنى الذي ينال الاستحسان من المواطنين ويفتح لهم ابواب التغيير الحقيقي ، نعم الكلام القليل الذي يمتلك نصيبا من الحكمة السياسية ويعقبه الفعل والعمل الاكيد ،ولا مكان للغو و اللغط، وطبعا لن تكون هناك ضريبة على القيمة المضافة ما دمنا نبحث على القيمة المضافة في الكلام السياسي الذي ينعش الامال الحقيقية والغير العابث بأحلام الناس ومطالبهم،ويبقى ايضا ان المواطن العادي له الحرية التامة في التعبير والكلام في الاماكن الخاصة والعامة فهو معفي من اداء الضريبة. أظن ان في فرض الضريبة على الكلام السياسي الكثير من سياسيينا سيصمتون وتنكس افواههم ومن الاكيد انهم سيلجئون الى طلب الخبرة من المتمنطقين والحكماء قبل الاقدام على اعتلاء المنصات ومناصب المسؤولية،كما أن رب سكوت ابلغ من كلام وعثرة القدم اسلم من عثرة اللسان ،وإذا قل الخطاب كثر الصواب. نعم في فن الخطابة السياسية يتطلب الامر سهولة ويسر اللغة المعتمدة ،نسبة الى المثل القائل لكل مقام مقال ،لكن ليس بمنطق اعتماد الشعبوية الماكرة الخادعة التي تدغدغ العواطف ،وإنما البساطة الواضحة الخالية من بهارات التلفيق والتدليس والتحايل المقصود للإيقاع بالفرد وليس الاقناع. نعم نريدها ضريبة على الكلام السياسي غير السوي الذي يسوق الترهات والأقاويل الفضة والذي يستبخس عقلية ومسامع المتلقي ويبيع الاوهام،او نولي وجهة اذاننا جهة اخرى تلبي فضولنا السياسي. والأمر وان كان من باب الدعابة ،لكن في مغرب المفارقات كل شيء ممكن.