هل أضحت حالة الاقتران العلائقي بين السياسة والأخلاق تلبس لبوسا أبديا من التضاد والتنافر إلى الحد الذي أخذ الكذب موقعه وموضعه في الزمن السياسي وهيمنته على الفعل السياسي إلى درجة الولع به ،ومعه أصبح السياسي الناجح هو من يتقن فن الكذب بمختلف أشكاله وأنماطه،ولدرجة أن "السوق السياسي هو سوق الكذابين بامتياز"،ويكون التنافس بين السياسيين على أساس من يعرض بضاعة جيدة من الكذب الذي ينتجه ،ف"البضاعة الجيدة تطرد البضاعة الرديئة"، وهكذا دواليك. إن الكذب السياسي هو اخطر أنواع الكذب لأنه يعمد إلى تضليل الأمة بأكملها ولا يقتصر على أفراد أو جماعات معينة فكيده عظيم،والأخطر من ذلك أن يستمر الكذاب في كذبه ويجد تبريرا له، فجوزيف غوبلز وزير الدعاية النازي السابق له مقولة شهيرة في هذا المقام مفادها "إكذب إكذب حتى يصدقك الآخرون، ثم إكذب أكثر حتى تصدق نفسك."وهذا استدلال على الحيز الكبير الذي يعطى للكذب في حياة السياسي. فالسياسي الذي يمتهن فن الكذب هو من يملك الجاذبية والقدرة على الإقناع في صفوف الجماهير ،لسبب بسيط هو انه يبيع الوهم لكل نفس ذائقة الإحباط والمعاناة، فهو الترياق لتضميد الجراح وان كان بشكل مؤقت،انه منطق يشتغل وفق قاعدة التقسيط في الصدق والكذب بالجملة لدرجة التخمة،لكن رغم ذلك تنكشف أوراقه أمام الملأ بفعل التمادي في كذبه بدون كوابح تكبحه،ف"أبراهام لينكولين" يقول " تستطيع أن تخدع كل الناس بعض الوقت ، أو بعض الناس كل الوقت ، ولكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت".و"سفولكس "يقول أيضا"الكذبة لا تعيش حتى تصبح عجوزا". فمنذ الاستقلال ونحن نشهد على تداول من نوع خاص وبنكهة خاصة،إنه التعاقب على الكذب في سباقات محمومة نحو من يعتلي المنصة ليكذب أكثر،لدرجة الغضاضة والفضاضة ،دون حياء وحشمة ،فهناك من كان له الطريق معبدا لممارسة هواية الكذب مع سبق الإصرار والترصد دون أن يلقى الحساب والعقاب ،وهناك من ينقطع كذبه لمدة ثم سرعان ما يمارس حالة العود ،وهناك فئة أخرى كذبها أبدي كأصنام ماثلة أمامنا ،وهناك من تتعرض بضاعته للكساد فلا تجد لها موضعا في ظل شدة التنافس على الكذب. "هم يكذبون علينا نعم إنهم يكذبون" في كل محفل سياسي وانتخابي،كل من يعتلي منصة الخطابة يكذب وكل من يعتلي مناصب المسؤولية ،فقد طال كذبهم ،لدرجة انه "كذب سياسيونا و مسئولونا حتى ولو صدقوا "،فقط تختلف طريقة الكذب بين هذا وذاك،لدرجة أننا أصبحنا نستحسن الكذب والكذاب وأضحى الأمر عادي واعتيادي جدا ،إنهم يبيعون الوهم والآمال الواهية لكل الشعب الذي ضاقت به الطرق والسبل، انه زمن قلة الحياء السياسي. هم يحاولون أن يقنعون ويقنعوا أنفسهم أن كل شيء ممكن في السياسة ولا مكان للأخلاق والطهرانية وكل من يلج بوابة ممارسة السياسة يجب أن يركن ضميره جانبا ،فهي مفسدة مطلقة وعليه وجوب التسلح بكل فنون الكذب والتضليل والخداع ليطرق باب النجاح ،لأنه يشكل أقصر الطرق للسياسي الناجح الذي يعرف من أين تأكل الكتف. فالجالس على كرسي المسؤولية الحكومية يصوغ كل الأكاذيب والافتراءات التي يحاول من خلالها تزيين واقع الحال (العام زين)،التي منها حال المواطن المغربي براء فلا تهم حسابات النمو والأرقام المصاغة والمدرجة،في حين أن المواطن يقبع في الدرجة السفلى ويصارع قوت يومه ويتفاجئ يوميا بالارتفاعات الصاروخية للأسعار ،والتبريرات هي صوغ معادلات اقتصادية لا يفهم منها المواطن المغلوب على أمره أي شيء ،لدرجة أصبح صندوق المقاصة- فالكثير من المواطنين يتساءل عن سر هذا الصندوق العجيب والغريب بالنسبة لهم- عقدة للسامعين لكونه المشجب الذي يعلق عليه كل شيء،حتى منطق التبرير يأخذ معنى ودلالة على أنهم يكذبون على أنفسهم. وحتى الجالس على كراسي المعارضة هو في غرفة الانتظار للولوج إلى عوالم الكذب السياسي ورغم ذلك يتمرن على الكذب ويسوق كل الأكاذيب على انه في موقع طوق النجاة في ظل اشتداد الأزمات وكثرة العثرات والكبوات ،ومجرد امتطاء صهوة المسؤولية يغير من قواعد لعبة الكذب لان الكذب درجات حيث نجد أن الكذب بطعم المسؤولية يختلف ويرتقي عن الكذب بنكهة المعارضة. إن تفكيك البنية اللغوية للكذب لدى مسئولينا ليست بالشفرة المستعصية على الحل وإنما هي مكشوفة وبائنة بينونة كبرى ،بسبب تناقضاتها وثغراتها ولا تحتاج إلى ذكاء لبيب لاكتشافها لدرجة إنها تعبر عن قمة الغباء السياسي ،فبين كلمة وكلمة و جملة وجملة وفقرة وفقرة ...الخ وسماهم على وجوههم ،تبرز التعارضات والمفارقات الدالة على الكذب المكشوف المفضوح الذي يثير الضحك ،مع العلم أنه تتملكهم في قرارة أنفسهم أنهم يضحكون علينا،انه قانون الكذاب ومن تبعه ونصره. ماذا تنتظر يا ترى من أناس استهوتهم المناصب والكراسي واستأنسوها،وأصابهم العمى الذهني ورؤيتهم للأشياء لا تتجاوز ظلهم ،هذه هي صنيعتهم يتواطؤون على الشعب بأبخس الأثمان ويدبون بسمومهم في أجسادنا دون مواربة آو استحياء ،فاستمروا في كذبكم وغيكم نحن براء منكم ،الله سيحاسبكم على ما اقترفتم من ذنوب وخداع ومكر وافتراء وتزييف للحقائق،فدعوة المظلوم نافذة ومستجابة . ويكفي أن أذكركم بما قاله الله عز وجل،( فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ ( وقال الله تعالى ( وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) وقال الله تعالى ( فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)،صدق الله العظيم.